بعد مرور سبعة أعوام على الثورة الليبية (شباط/ فبراير 2011)، تغيرت خريطة المشهد الليبي بشكل كبير، وتحولت فيها مدينة بنغازي التي كانت مهد الثورة الليبية إلى مدينة حاضنة لأعوان النظام السابق، أو من يسمونهم في
ليبيا بأزلام النظام السابق، وذلك بعد أن بسط اللواء المتقاعد خليفة
حفتر سيطرته عليها، باعتباره واجهة عسكرية للثورة المضادة في ليبيا والمدعومة من أوكار المؤامرات في القاهرة وأبو ظبي.
فلأول مرة منذ سقوط نظام معمر
القذافي، وفي خطوة غير مسبوقة،
التقى كبار القادة السياسيين والأمنيين لذلك النظام لأول مرة بشكل علني داخل الأراضي الليبية، وتحديدا في مدينة بنغازي، وعلى مدى يومين (12 و13 أيار/ مايو)، بتنسيق مع قادة أمنيين وعسكريين موالين لحفتر. فقادة النظام السابق ضمن ما كانت تسمى في ليبيا باللجان الثورية، من المنظمين لهذا الملتقى، لم يُـخفوا دعمهم للواء المتقاعد خليفة حفتر في حربه على ما يسميه الإرهاب.
إذن، فهذا هو أول تحالف، أو لنقل أول تكتل انتخابي (إن جاز لنا القول) بين الطرفين؛ لا شك أنه يمهد للمرحلة المقبلة في ليبيا، حيث من المتوقع أن تشهد البلاد فيها انتخابات برلمانية في نهاية هذا العام.
فشل ذريع
فحفتر حاول خلال السنوات الأربع الماضية التمدد نحو المنطقة الغربية من ليبيا للسيطرة عليها، ليكون في موقع أكثر قوة في معادلة الأزمة الليبية، لكنه فشل فشلا ذريعا في ذلك. ولأن أعوان النظام السابق لديهم نفوذ اجتماعي وقبلي في شرق البلاد، لجأ إليهم حفتر ليدخل تحت مظلتهم الاجتماعية السياسية التي ستكون بوابته للعبور نحو المؤتمر الوطني الجامع؛ الذي سينعقد في البلاد خلال الأشهر المقبلة، وفقا لخطة المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة لحل الأزمة الليبية.
أعوان نظام القذافي أطلقوا على ملتقاهم اسم "الملتقى التحضيري للقوى الوطنية"، وقالوا إنهم يريدون إنقاذ ليبيا مما وصفوه "الإرهاب والفوضى والتدخل الأجنبي"، وهي مصطلحات فضفاضة وخالية من أي مضمون، في وقت أعلنوا فيه في بيانهم الختامي دعمهم لقوات حفتر التي شاهد العالم كله ممارستها للإرهاب العلني، وأمام الكاميرات، عبر قتل الخصوم وتصفيتهم في الميادين وتعليقهم في الشوارع العامة، ونبش القبور وحرق الجثث وغيرها من الانتهاكات.
ومما لا بد أن يذكر في هذا السياق؛ أن عددا من أعوان النظام السابق ممن التقوا في بنغازي يقيمون منذ سنوات في دول ترعى الثورات المضادة وتدعم العسكر لحكم ليبيا، كمصر والإمارات، وهما دولتان لا يمكن إنكار الدور السلبي الذي تلعبانه في ليبيا؛ عبر دعم خليفة حفتر الذي أسهم إصراره على الحل العسكري في وصول فرقاء الأزمة إلى أي تسوية سياسية.
مجرمون قمعيون
ومن بين المشاركين في هذا الملتقى قادة بارزون في جهاز الأمن الداخلي للنظام السابق الذي يعتبر اليد الحديدية الإجرامية للنظام السابق، وتحديدا ممن عُرف عنهم ضلوعهم في أعمال اعتقالات وقمع وممارسة للتعذيب داخل سجون النظام السابق، ولجأوا بعد سقوط النظام إلى
مصر، وعادوا الآن إلى شرق البلاد، حيث المناطق التي يسيطر عليها حفتر، وعلى رأسهم اللواء صالح رجب الذي عرف بعلاقاته الواسعة بأجهزة أمنية عربية تمارس القمع، علاوة على تورطه هو شخصيا في إيداع ليبيين في السجون وممارسة أبشع أنواع التعذيب في حقهم.
وإلى جانب ذلك، شارك في الملتقى قياديون بارزون في ما كان يسمى في ليبيا في وقت سابق بحركة اللجان الثورية، وهي حركة سياسية مسلحة أنشأها العقيد معمر القذافي في سبعينيات القرن الماضي، وبرز منها أفراد من أتباعه كانوا من عتاة المجرمين، مثل مصطفى الزائدي والطيب الصافي وعبد المجيد القعود ومحمد بالقاسم الزوي، ممن انخرطوا في نهاية السبعينيات وخلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات في تنفيذ محاكمات ثورية خارج نطاق القانون، وإعدامات ميدانية لمعارضين للنظام السابق في عدة مدن ومناطق ليبية.
وفي المحصلة، فإن أعوان النظام السابق في ليبيا أو الأزلام (كما يسميهم الليبيون) أو السبتمبريون (كما يسمون أنفسهم، نسبة لانقلاب أيلول/ سبتمبر الذي نفذه قائدهم معمر القذافي على النظام الملكي في ليبيا عام 1969)، يريدون الآن الإسهام بأي شكل من الأشكال في العملية السياسية في ليبيا، وهم الذين كانوا أدوات فاعلة في منظومة الفساد والقمع والاستبداد التي أسهمت في تأخر البلاد عن اللحوق بركب التنمية لأكثر من أربعين عاما، وتركوا إرثا ثقيلا من الفساد والتخلف ما زال الليبيون يعانون تبعاته حتى الآن، وهو السبب الرئيسي في أزمة بلادهم.