في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الانقلاب بمصر، عبد الفتاح السيسي، أن المباحثات مع نظيريه السوداني اليوم في القاهرة كانت إيجابية، وتطرقت للعلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات التجارة والأمن ومياه النيل، أكدت مصادر دبلوماسية السبت 18 آذار/ مارس لموقع "أفريكا أنتليجنس"، أن اللقاء كان مخصصا لمناقشة مقترح قدمه رئيس المخابرات المصري عباس كامل في زيارته الأخيرة للخرطوم بتشكيل إدارة مشتركة بين البلدين لإدارة مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه.
وطبقا لمصادر بالخارجية السودانية، لم يسمها الموقع، فإن البشير أبدى قبوله لتنفيذ المقترح، وأن اللقاء مع السيسي كان من أجل الاتفاق النهائي على شكل هذه الإدارة، بعد وساطة قام بها جهاز الاستخبارات الأمريكي CIA بين البلدين.
من جانبه، أكد أستاذ القانون الدولي بالسودان، البروفسير عبد الكريم عثمان، لـ"عربي21"، أنه توقع أن يصدر من الطرفين تأكيدا أو نفيا لما كشفه موقع "أفريكا أنتليجنس" مساء السبت، ولكن يبدو أن الطرفين المصري والسوداني اتفقا على الصمت وعدم التعرض لهذه القضية، التي يبدو أنهما لم يتوصلا لقرار نهائي بشأنها، مشيرا إلى أن المقترح المصري يؤكد أن الموقف السوداني هو الأقوى فيما يتعلق بملف حلايب وشلاتين.
وأشار عثمان إلى أن ما أعلنه السيسي بعد الاجتماع المشترك لم يتطرق لأهم قضيتين محل خلاف بين القاهرة والخرطوم، وهما مثلث حلايب والمعارضة الموجودة في البلدين، مؤكدا أن رئيس المخابرات المصرية عندما التقى بالرئيس البشير الأسبوع الماضي جدد طلب بلاده بترحيل معارضي النظام المصري الموجودين في الخرطوم من جماعة الإخوان المسلمين، وتسليمهم لمصر، إلا أنه لم يقدم أدلة تثبت تورطهم أو إدانتهم، وهو ما تعاملت معه الخرطوم بحذر، باعتبار أن السودان بلد عربي، ومن حق أي مواطن عربي مطارد أن يلجأ إليه، شريطة ألا يستخدم أراضيه لتنفيذ أهداف تنظيمية أو حزبية.
اقرأ أيضا: البشير في القاهرة.. هكذا تحدث عن السيسي ومستقبل العلاقات
ويضيف عثمان أن السودان من جانبه قدم كشفا محددا بعناصر المعارضة السودانية الموجودين في الأراضي المصرية، لا سيما الذين أعلنوا تبنيهم خيارات مسلحة ضد النظام السوداني، خاصة من متمردي دارفور، وهو ما تماطل القاهرة في اتخاذ إجراءات محددة تجاهه، إلا أن هذا لا يعني أن هناك خطوات اتخذتها القاهرة لتهدئة الخرطوم، مثل غلق إحدى الإذاعات الدارفورية المعارضة التي كانت تبث من "النيل سات".
وفيما يتعلق بالطرح المصري بالإدارة المشتركة، أكد عثمان أنها تمثل خطوة هامة في سبيل حل الأزمة، وهو تراجع واضح من القاهرة التي ضمت المثلث الحدودي في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك بأديس أبابا، ولكن يبدوا أنها خطوة غير مقنعة للخرطوم التي رفضت مؤخرا اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية المتعلقة بجزيرتي تيران وصنافير، بعد أن ضمت مثلث حلايب وشلاتين ضمن الحدود البحرية المصرية، على الرغم من القرار الأممي السابق بأن المثلث يقع ضمن الحدود السودانية.
وتساءل أستاذ القانون الدولي عن تخوفات مصر من التحكيم الدولي، خاصة أنها سبق أن وافقت على التحكيم مع دولة عدوة، وهي إسرائيل وعلى مساحة واحد كيلو متر في طابا، بينما ترفض وبإصرار على الدخول في تحكيم على 14.5 كيلو متر ومع دولة شقيقة وهامة لها.
ويضيف الباحث المصري المتخصص في الشؤون العربية، يحيى عبد الهادي، لـ"عربي21"، أن لقاء البشير مع السيسي شهد العديد من بحث الملفات التي كانت بحاجة لقرارات نهائية من كليهما، ولكن يبدوا أنها لم تكتمل، مثل موافقة البشير على المقترح المصري بالإدارة المشتركة لحلايب وشلاتين، وهو ما كان مجال حديث الإعلام السوداني خلال الساعات الماضية، والتي كشفت عن موافقة البشير على المقترح ولكن بشرط أن تكون الإدارة مؤقتة وليست دائمة.
وأوضح أن هذا معناه أن السودان ما زال يصر على الذهاب للتحكيم الدولي، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الخرطوم يشعر بنشوة كبيرة خلال الأسابيع الماضية، حيث أصبحت العاصمة السودانية محطة هامة لكل أطراف النزاع في المنطقة، بالإضافة إلى أن دخول المخابرات الأمريكية على خط الأزمة يمثل فرصة كبيرة للبشير لحل الكثير من القضايا العالقة مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بملاحقة البشير، ورفع كامل للعقوبات الاقتصادية والعسكرية المفروضة على السودان.
اقرأ أيضا: أول زيارة للبشير إلى مصر بعد انفراج العلاقات
ويؤكد عبد الهادي أن الخرطوم يراهن على أن السيسي سبق وأن تنازل للسعودية على جزيرتي تيران وصنافير، كما تنازل لإسرائيل عن إحدى الجزر في البحر المتوسط والتي تبين أنها كنزا كبيرا للغاز، وهي التنازلات التي قدمها السيسي من أجل بقاءه، وبالتالي فالخرطوم يراهن على أن مزيدا من الضغط سوف يؤدي لقبول السيسي بترك حلايب وشلاتين للسودان بحثا عن استقرار حدوده الجنوبية، ولضمان موقف مؤيد له من السودان في أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.
السيسي بالزي العسكري.. هل تفلح استعادة "صورة المنقذ"؟
مشروعات السيسي "القومية" في الميزان.. ماذا حققت؟
هدية السيسي لنتنياهو.. الغاز مقابل رئاسة آمنة