قال أرسطو في كتابه السياسة: "إن الغاية النهائية للطاغية كي يحتفظ بعرشه هي تدمير روح المواطنين، وجعلهم عاجزين عن فعل أي شيء إيجابي. وفي سبيل تحقيق ذلك، فهو يلجأ إلى القضاء بوسائل مختلفة على الطبقة المثقفة التي تشكل خطرا على حكمة، ويلجأ إلى منع الاجتماعات ويعمل ما في وسعه لعزل كل من يساهم في تعليم الناس وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، كما يعمل على تنمية روح الاغتراب لدى المواطن ومحاولة قطع الصلة بينه ووطنه".
ومثل هذا المناخ الاستبدادي الذي تعيشه
مصر الآن؛ ينعكس بشدة في مشاهد الاختفاء القسرى المتواتره لعدد من الشخصيات العامة. واليوم، وقفت عند خبر القبض على
المستشار هشام جنينة، بعد حادثة الاعتداء الخطير الذي تعرض له. وبحسب ما نقلته وكالة رويترز عن ابنته، ندى جنينة، فإن ما يصل إلى 30 رجل شرطة اصطحبوا أباها من منزله في ضواحى القاهرة في سيارة. واضافت أنها شاهدت الواقعة، لكنها لا تعرف الجهة التي اقتادوه إليها...
وكأننا أمام واقعة اعتقال وإخفاء قسري، وهذا ما اعتادته الجهات الأمنية واعتمدته كمنهج لعملها وتعاطيها؛ كأداة تنفيذية في دولة بوليسية قمعية تستعذب ارتكابها لكافة أنواع الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان، بلا رقابة أو محاسبة. وقد سبق ذلك أيضا خبر
اعتقال أمين عام حزب الوسط، الدكتور محمد عبد اللطيف، من منزله في 24 كانون الثاني/ يناير 2018، وكذلك ما تردد عن اعتقال محمد القصاص،
نائب رئيس حزب مصر القوية وعضو مكتبه السياسي، وكذلك الاختفاء القسرى الذي تعرض له مؤخرا الصحفيان المصريان
مصطفى الأعصر وحسن البنا. وبرغم النداءات الإنسانية وبلاغات عائلتيهما، لكن لا يزال مصير هذين الصحفيين مجهولا حتى الآن.
ولم تكن الصحفية المصرية
أسماء زيدان أكثر حظا من زميليها، فقد حكمت عليها محكمة جنايات القاهرة السبت الماضي بالسجن المشدد لمدة خمسة أعوام، بتهمة حيازة سيجارة حشيش. وقد سبق ذلك اعتقالها من منزلها بتاريخ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. ويبدو أنه تعرضت في قسم شرطة الهرم، حال اعتقالها، إلى حفلة تشريفة؛ تركت آثارا لإصابات ظاهرة عليها، بحسب إفادات من حولها، وما تم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وخاصة عبر فيسبوك.
ومع أن الجميع يدرك طبيعة
انتخابات الرجل الواحد ونتائجها المعتمدة مسبقا من الكنترول بأغلبية ساحقة، بحسب مواسم الاستفتاءات فئة 99 في المئة، ولكن تبدو دلالة سعار هذه الحملات (وهي في زيادة مطردة، مع تصرفات متشنجه وأكثر عنفا)؛ وهي تشير إلى مأزق حقيقى تستشعر به السلطة.
وهذا يوضح - بلا شك - أن
الديمقراطية تبدو بعيدة، ومن الصعب حتى إخراج وقبول مشهد الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية في الأشهر القليلة القادمة ضمن صفقة الحرب على
الإرهاب أو حتى صفقة القرن.
ومن المتوقع أن تتراجع كل قيم الديمقراطية، ليس في مصر فقط، ولكن في المنطقة كلها، مع إقرار ترامب معادلة الاستمرار في مكافحة الإرهاب على داعش. وبالرغم من إعلان الأمم المتحدة أنها لن تساهم في إعمار العراق، لكن نجد تصريحات تيلرسون في مؤتمر إعمار العراق؛ التي تشدد على الدعوة لاستمرار التحالف السني المعلن لمكافحة الإرهاب، ومتابعة الاستراتيجية التي رسمها التحالف لمحاربة داعش.
يبدو أن هذا التحالف السني الذي وضع الحلفاء السنة في نفس السلة مع إسرائيل، وعجّل بملامح صفقة القرن التي تقضى على الحق الأصيل للشعب الفلسطينى في عودة اللاجئين وكذلك في القدس، والحديث عن أبو ديس كبديل، أو حتى تشابك ما يجرى في سيناء من تهجير وإخلاء للأرض والبشر.. كل تلك المعادلة الترامبية ستؤدى على المدى القصير لتراجع الديمقراطية في مصر والمنطقة، وستفتح الأبواب لاستمرار الأنظمة الاستبدادية في ممارستها البغيضة لانتهاكات حقوق الإنسان العربي، وعلى مصرعيها بغير ضابط أو كابح للإيقاع، وبغير اكتراث من تداعيات ذلك على المنطقة.