شهدت المملكة العربية السعودية خلال العام 2017 جملة من الأحداث الفارقة التي مثلت زلزالا سياسيا، وانقلابا على الأعراف المعمول بها في الممكلة، سواء على صعيد الوضع الداخلي، أو فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، الأمر الذي دعا محللون ومتابعون إلى وصفها بأنها نزوع جديد نحو "علمنة المملكة"، مع ظهور القيادة الجديدة التي تتحكم في مفاصل البلاد، بقيادة ولي العهد الشاب محمد بن سلمان.
الأزمة الخليجية
ويشار إليها على أنها أبرز الأحداث التي قادتها السعودية خلال العام 2017، ففي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت السعودية بالتنسيق مع الإمارات والبحرين ومصر مقاطعتها لقطر، وفرضت عليها سلسلة من العقوبات.
ووجهت السعودية والإمارات ومصر والبحرين اتهامات لقطر بدعم "الإرهاب"، وسط تصعيد إعلامي غير مسبوق، وفيما بعد قدمت الدول المقاطعة للدوحة 13 مطلبا من أجل إعادة العلاقات، لكن هذه المطالب رفضت ووصفت بأنها غير منطقية، على اعتبار أنها بمثابة تخل عن السيادة ونزع للإرادة الوطنية لدولة قطر.
وبذلت الكويت ودول أخرى جهودا للوساطة بين الدول الأربع وقطر، لكن هذه الجهود جميعها اصطدمت بتعنت السعودية وإصرارها على تنفيذ قطر لجملة الشروط الـ 13 كي تعيد العلاقة معها.
ولا زالت الأزمة تراوح مكانها إلى الآن في ظل حالة من القطيعة بين الدوحة والرياض ودول الحصار، حيث ألقت القطيعة بظلالها على الوضع الاقتصادي في قطر، وأدت إلى تعطيل وشل قطاعات تجارية وخدمية واسعة فيها، لكن قطر وبحسب محللين تخطت تداعيات الأزمة وخرجت منها أكثر قوة.
ابن سلمان وليا للعهد
ولم يمض على الأزمة الخليجية سوى أيام قليلة، حتى أعلن فجأة ودون سابق إنذار عن تولي محمد بن سلمان لولاية العهد، على غير ما درجت عليه العادة في البلاط الملكي، ليصبح الشاب الثلاثيني على بعد خطوة واحدة فقط من عرش المملكة.
اقرأ أيضا: ابن سلمان: سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل (شاهد)
وبموجب قرار ملكي جرى عزل ولي العهد محمد بن نايف من منصبه ليأخذ محمد بن سلمان موقعه خلف والده مباشرة، وأصبح للأمير الشاب سلطات غير مسبوقة، فهو أيضا وزير للدفاع ونائب لرئيس الوزراء ورئيس لمجلس الشؤون السياسية والأمنية ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
اعتقال أمراء ورجال أعمال
وبعد فترة وجيزة من تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، أصدر الملك سلمان أوامر ملكية، تقضي بعزل وزير الحرس الوطني، ونجل الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، متعب بن عبدالله آل سعود، وأمر الملك أيضا بتأسيس لجنة عليا لمكافحة الفساد، برئاسة ولي العهد محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
ولم تمض ساعات على الأوامر الملكية، حتى فوجئ العالم بحدث لم تشهده المملكة عبر تاريخها، حيث عمد ولي العهد الجديد إلى تنفيذ حملة اعتقالات واسعة طالت كبار الأمراء ووزراء سابقين ومسؤولين وأكاديميين وكتابا ومفكرين ورجال دين، تحت ذريعة مكافحة الفساد، التي كلف ولي العهد قبل ساعات، بتشكيلها، بناء على أمر ملكي.
ولم يذهب الموقوفون إلى سجن عادي، بل دفع بهم داخل فندق "ريتز كارلتون" الفخم في الرياض، وتحول الفندق إلى مقر للاعتقالات، حيث سجن فيه كل من وزير الحرس الوطني السابق متعب بن عبدالعزيز، بتهمة الفساد في صفقات السلاح أثناء توليه الحقيبة الوزارية، كما أوقفت الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود، نائب قائد القوات الجوية الملكية السابق.
كما أوقفت السلطات رجل الأعمال الوليد بن طلال آل سعود، ومالك مجموعة قنوات (أم بي سي) بتهمة غسيل الأموال، وخال الأمير المعتقل عبدالعزيز بن فهد، الشيخ الوليد بن إبراهيم بتهمة الفساد، وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بتهم تتعلق بالفساد وأخذ الرشاوى.
وشملت التوقيفات، أمير الرياض السابق تركي بن عبدالله، بتهمة الفساد في مشروع قطار الرياض، ورئيس الخطوط الجوية السعودية السابق، خالد الملحم، بالتهم ذاتها، ورجل الأعمال والمقاول الشهير بكر بن لادن، بتهم الفساد في بناء الحرم المكي، ورجل الأعمال صالح كامل واثنين من أبنائه.
وأوقفت أيضاً وزير الاقتصاد السابق عادل فقيه بتهمة التورط في حادثة سيول جدة وقضايا الفساد المتعلقة فيها، كذلك عمرو الدباغ محافظ هيئة الاستثمار ورجل الأعمال المسؤول عن مشاريع المدن الاقتصادية.
ومؤخرا جرى إبرام تسويات مالية مع بعض الأمراء ورجال الأعمال تقضي بالتخلي عن جزء من ثرواتهم مقابل إخلاء سبيلهم.
قيادة المرأة للسيارة
وفي قرار فريد يمثل انقلابا على تقليد قديم في المملكة، أصدر الملك سلمان قرارا ينص على تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حد سواء، ليسمح بذلك للنساء بقيادة السيارات بعد عقود طويلة من منعهن.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أعلن السماح للنساء بحضور فعاليات رياضية مع عائلاتهن داخل الملاعب مع مستهل 2018، وسط توقعات بأن تشهد الأيام القادمة مزيدا من القوانين التي تدفع باتجاه منح حرية أكبر للمرأة في المملكة.
السماح بدور السينما
وفي تطور جديد آخر شهده العام 2017، وبعد منع دام أكثر من 35 عاما؛ أعلنت المملكة العربية السعودية أنها ستسمح بفتح دور سينما اعتبارا من مطلع عام 2018.
وقال وزير الثقافة والإعلام عواد بن صالح العواد إن الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع ستبدأ في إعداد خطوات الإجراءات التنفيذية اللازمة لافتتاح دور السينما في المملكة بصفتها الجهة المنظمة للقطاع، وسيجري البدء بمنح التراخيص بعد الانتهاء من إعداد اللوائح الخاصة بتنظيم العروض المرئية والمسموعة في الأماكن العامة.
اقرأ أيضا: 5 محرمات يتوقع أن تصبح حلالا في السعودية.. ما هي؟
وعلى ضوء هذا القرار، من المنتظر أن تفتح دور السينما أبوابها للعموم بداية من شهر آذار/ مارس المقبل. وبحلول سنة 2030، من المتوقع أن يبلغ عدد دور السينما في المملكة العربية السعودية 300 دار.
وعلقت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية في تقرير ترجمته "عربي21" على الموضوع بالقول إن السعودية منعت على مدار عقود مضت بث الأفلام نتيجة الضغط الذي كان يمارسه رجال الدين المتشددون على المجتمع السعودي، فخلال السبعينات، كان الدعاة والأئمة المتشددون يتمتعون بنفوذ واسع ويؤثرون على قرارات الملوك. وعلى هذا الأساس، صنفت الفنون على غرار السينما والمسرح والموسيقى في خانة المحرمات في كامل المملكة.
استقالة سعد الحريري من الرياض
ومن الأحداث التي مثلت حرجا للسعودية، ما ظهر من تدخلها "السافر" في الشأن اللبناني، حينما فاجأ رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اللبنانيين بإعلانه الاستقالة من منصبه في خطاب متلفز بث من الرياض، وهي استقالة تجاوزت التقاليد والأعراف البروتوكولية، وحملت في طياتها الكثير من الأسئلة تتعلق بالزمان والمكان والشكل والمضمون، ومدى الضغوط التي تعرض لها الحريري من السعودية ليعلن استقالته بهذا الشكل المفاجئ، خاصة وأن كل المعلومات كانت تؤكد أن الأمور كانت على ما يرام في لبنان، وأن الحريري اجتمع في الدقائق الأخيرة قبل سفره المفاجئ إلى الرياض مع علي ولائي مستشار المرشد الخامنئي بحضور وزراء من حزب الله، وكان اللقاء وديا حسب الإعلام اللبناني والإيراني، بل حتى تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري لم يكن في صورة الاستقالة بالمطلق، بل حتى عائلته لم تكن تعلم بها.
التطبيع غير المعلن مع إسرائيل
أما فيما يتعلق بالانجرار السعودي نحو التنسيق والتطبيع مع إسرائيل، فقد أظهرت سلسلة من المواقف والتصريحات في الآونة الأخيرة محاولة سعودية علنية لم تكتسب الصفة الرسمية حتى اللحظة للتطبيع مع إسرائيل.
والحديث عن التطبيع بين الرياض وتل أبيب لم يأت على لسان سياسيين إسرائيليين كما كان يرشح خلال السنوات الماضية، لكن هذه المرة من خلال خطوات سعودية كان أبرزها مشاركة رئيس الاستخبارات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل في ندوة عقدت بمعبد يهودي بنيويورك.
اقرأ أيضا: هل يسعى التحالف السعودي الإسرائيلي ل "شرق أوسط جديد"؟
وشارك في تلك الندوة التي حضرها الفيصل بتنظيم من منتدى سياسة إسرائيل ومركز الأمن الأمريكي الجديد ومركز قادة من أجل أمن إسرائيل مدير جهاز الموساد السابق إفرايم هليفي وقيادات إسرائيلية بينهم جنرال متقاعد من الجيش.
وتبع ذلك مقابلة صحيفة "إيلاف" المعروفة بتوجهاتها التابعة للمملكة مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت والذي أعلن استعداده بلاده "لتبادل المعلومات مع السعودية لمواجهة إيران" لافتا إلى أن "هناك الكثير من المصالح المشتركة بيننا وبينهم".
وللمرة الأولى قام وفد سعودي مكون من سفير الرياض لدى باريس ورئيس رابطة العالم الإسلامي بزيارة الكنيس اليهودي الكبير في العاصمة الفرنسية .
وكان في استقبال الوفد الحاخام الأكبر بفرنسا حاييم كورسيا وحاخام المعبد موشيه سيباغ وقاموا باستعراض نسخة من التوراة أمام السعوديين وعبر سيباغ لاحقا عن "دهشته من الزيارة" وقال إنه "أمر مثير".
هل يحل تحالف الرياض وأبو ظبي مكان مجلس التعاون الخليجي؟
محلل إسرائيلي: 2017 سيء لنا.. إيران تنتصر والسعودية تنهزم
ما تداعيات ودوافع إدراج الحركات الإسلامية على قوائم الإرهاب؟