يمكن تفسير الزيارة الأخيرة للرئيس الروسى بوتين لمصر؛ فى إطار المتاعب
الاقتصادية، التى يعانى منها الاقتصاد الروسى بفترة الرئاسة الحالية لبوتين، وسعيه لتحسين الاقتصاد قبل خوضه الانتخابات الرئاسية آذار/ مارس القادم.
فلقد تلقى الاقتصاد الروسى عدة ضربات بالسنوات الأخيرة، أدت لانكماشه في العام الماضي والأسبق، أبرزها تراجع أسعار النفط والغاز الطبيعي، واللذين يمثلان عمادا رئيسيا للصادرات الروسية، مما أدى لتراجع قيمتها بالسنوات الأخيرة، ولتنخفض من 522 مليار دولار عام 2013؛ إلى 282 مليار دولار العام الماضي.
ويشير التوزيع النسبي للصادرات الروسية في العام الماضي؛ لاستحواذ الصادرات من البترول والغاز الطبيعي على نسبة 59 في المئة، والمعادن والحجار الكريمة ومصنوعاتها 13 في المئة، والآلات والمعدات ووسائل النقل 8.5 في المئة، والمنتجات الكيمائية والمطاط 7 في المئة، والمنتجات الغذائية والمواد الخام الزراعية، كالحبوب، 6 في المئة.
وعزز ذلك التراجع العقوبات الأوروبية والأمريكية التي تم فرضها على
روسيا عام 2014، بسبب تدخلها فى شبه جزيرة القرم، وخاصة حظر استيراد المنتجات الغذائية من روسيا، وهو ما أدى لتراجع قيمة الصادرات الروسية للدول الأوروبية بشكل كبير.
تراجع كبير للصادرات الروسية
حيث تراجعت قيمة الصادرات إلى هولندا من 70 مليار دولار، بين 2013 و2016، إلى 29 مليارا، ولإيطاليا من 39 مليارا إلى 12 مليارا، وإلى ألمانيا من 37 مليارا إلى 21 مليار. وشمل التراجع كل الدول الأوروبية، رغم استمرار صارات الوقود الروسي إليها.
وهكذا سعت روسيا للتركيز على أسواق أخرى، منها الجزائر ومصر والصين ودول الكومنولث الروسي، لترتفع الصادرات الروسية للجزائر من 1.6 مليار دولار عام 2013 لحوالي أربعة مليارات دولار في العام الماضي، وزادت صادراتها لمصر من 2.5 مليار دولار إلى 3.8 مليار دولار في العام الماضي.
وبلغ الفائض التجاري لروسيا في السنوات الخمس الأخيرة، حسب البيانات
المصرية، أكثر من 13 مليار دولار، وفي البيانات الروسية حوالي 16 مليار دولار؛ للفترة ذاتها.
وهكذا أراد بوتين الحفاظ على زيادة تلك الصادرات، والتى تتركز بالقمح والغاز الطبيعى والمنتجات البترولية والأخشاب والمعادن والزيوت النباتية ومركبات النقل، الى جانب صفقات السلاح الروسية لمصر.
ورغم مرور أكثر من عامين على حادثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء، في تشرين الأول/ أكتوبر 2015. فقد حرص الرئيس الروسي على عدم إعادة حركة الطيران بين البلدين؛ إلا بعد توقيع مصر على إقامة أربع مفاعلات نووية تقوم بها شركة روسية، ليتم الاتفاق على عودة حركة الطيران بين موسكو والقاهرة في شباط/ فبراير القادم، وتليها بعد شهرين من ذلك؛ عودة الطيران الروسي للمطارات المصرية الأخرى.
استثمارات روسية ضعيفة بمصر
وما زالت الاستثمارات الروسية بمصر ضعيفة، حتى أن البنك المركزي المصري لا يذكر عنها شيئا بإحصائياته لقلتها، حيث تشير بيانات رسمية لبلوغ مجملها أقل من 63 مليون دولار، موزعة على 417 شركة روسية، أي بمتوسط مئة وخمسين ألف دولار للشركة الواحدة!
وكان قد تم الإعلان في أيار/ مايو 2015؛ عن إطلاق صندوق استثمار مباشر روسي مصري إماراتي، برأسمال 500 مليون دولار كمرحلة أولى، إلا أنه لم ير النور حتى الآن.
وأشار البيان الصحفى الخاص بزيارة بوتين؛ إلى إقامة روسيا منطقة صناعية في مصر، دون تحديد موعد تنفيذها. وكانت مصر وروسيا قد تحدثتا عن إقامة منطقة صناعية روسية بمنطقة برج العرب الصناعية في مصر، عام 2007، ثم تم تأجل تنفيذها بمبرر صعوبة التمويل لها بسبب الأزمة المالية العالمية.
وعاد الحديث عن إنشاء تلك المنطقة الصناعية قبل عامين، على أن يتم تنفيذها ضمن منطقة محور قناة السويس، إلا أن مطالب الجانب الروسي التي تحفظ عليها الجانب المصرى؛ قد أدت لتأجيل التنفيذ، حيث طلب الجانب الروسي أن تكون أرض المشروع من خلال حق انتفاع لمدة 50 عاما، وبرسوم رمزية يكون دفعها مؤجلا.
كما طلب خفض ضريبة الدخل على الشركات العاملة في المنطقة إلى 10 في المئة، مقابل نسبة 22.5 في المئة حاليا في مصر، وكذلك زيادة الحد الأقصى للعاملين الأجانب بشركات المنطقة الصناعية.
ويتدنى نصيب السفن الروسية من دخل قناة السويس، حيث عبرتها في العام الماضي 44 سفينة روسية، بلغ صافي حمولتها 209 ألف طن فقط، مقابل 64 سفينة روسية في العام الأسبق، بصافي حمولة 776 ألف ط.. لتظل
السياحة الروسية الورقة الرابحة التي استخدمها بوتين، لدفع مصر لشراء المفاعلات النووية الروسية دون طرح للمشروع بين الشركات الدولية، حيث ظلت السياحة الروسية تحتل المركز الأول بين دول العالم المرسلة للسياح لمصر في عام 2015 وما قبله.
ورغم أنها سياحة رخيصة، وتعتمد أكثر على رحلات الشارتر المدعومة من قبل وزارة السياحة المصرية، إلا أن حجم عدد السياح الروس يتيح زيادة معدلات الإشغال بالفنادق والقرى السياحية، بما يغطي تكاليف التشغيل وتحقيق أرباح.