أعلنت مصر رفضها خيار الحرب في لبنان، بعد تصعيد السعودية من لهجتها تجاه حزب الله، واتخاذها عدة إجراءات تصب في اتجاه التجهيز لعمل عسكري وشيك.
وكانت السعودية قد اتهمت الحوثيين، حلفاء إيران في اليمن، بالمسؤولية عن إطلاق صاروخ باليستي باتجاه الرياض. وبعدها بأيام، صعدت السعودية تجاه جماعة حزب الله، الحليف الأقوى لإيران في لبنان، كما ضغط على رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري للاستقالة من منصبه أثناء وجوده في الرياض، وطالبت السعودية والكويت والإمارات والبحرين من رعاياها مغادرة لبنان فورا، وسط تكهنات بقرب توجيه ضربة عسكرية ضد الحزب من جانب السعودية.
وفي مقابلة مع قناة "سي إن بي سي" الأمريكية، الأسبوع الماضي، أعلن السيسي رفضه الحل العسكري في الأزمة اللبنانية، مشددا على أن مصر لا تفكر في اتخاذ أي إجراءات ضد حزب الله، كما أكد في حوار آخر، مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، أن لبنان دولة متعددة الطوائف، وأن التوازن شرط من شروط الاستقرار فيه، مشددا على ضرورة الحفاظ على هذا التوازن بعيدا عن أي تدخل خارجي".
وأثار هذا الموقف تساؤلات حول الأسباب التي دفعت قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، إلى اتخاذ هذا الموقف، والمغامرة بإغضاب السعودية، وخسارة أبرز داعميه في المنطقة، وهل يعدّ تجنب السيسي للانحياز في هذه الأزمة موقفا عابرا، أم أنه استراتيجية دائمة يتبعها في العلاقات الدولية؟
لا نحتاج مزيدا من التوتر
ويقول مراقبون إن مصر تسعى في الأيام الأخيرة لوقف التصعيد السعودي الإيراني، على الرغم من موقف مصر الداعم للخليج، والرافض للتدخل الإيراني في المنطقة، إلا أنها تخشى تزايد التوتر في الشرق الأوسط، خاصة في لبنان.
وفي هذا السياق، بدأ وزير الخارجية المصري سامح شكري، الأحد الماضي، جولة عربية تشمل ست دول، هي السعودية والأردن والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عُمان، ينقل فيها رسائل من الرئيس السيسي حول الأزمة اللبنانية، والتأكيد على سياسة مصر التي تدفع دائما في اتجاه تجنيب المنطقة المزيد من التوتر أو الاستقطاب".
واستبعد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، حدوث أزمة عميقة بين مصر والسعودية بسبب الأزمة في لبنان، مؤكدا، في تصريح لقناة فرانس 24 الفرنسية، أن كلا النظامين يحتاج للآخر، وأن العلاقات بينهما أقوى من أي خلافات.
وكان السيسي قد أكد في عدة مناسبات سابقة أن أمن الخليج خط أحمر بالنسبة لمصر، وأن مصر ستقف مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، في مواجهة أي تهديد تتعرض له، لكن التجربة أثبتت في العامين الأخيرين عدم تنفيذ السيسي لهذه التعهدات، حيث رفض المشاركة في حرب السعودية في اليمن بقوات برية أو جوية، واكتفى بالدعم اللوجيستي فقط، بحسب مراقبين.
لبنان ليس اليمن
الباحث السياسي جمال مرعي قال إن مصر تنظر للبنان بشكل مختلف تماما عن الطريقة التي تنظر بها السعودية، موضحا أن هناك نظرة قومية تاريخية لمصر تجاه لبنان، فمصر تهتم بالأوضاع في لبنان كما تهتم بالقضية الفلسطينية، وترى أنه يلعب دورا أساسيا في الصراع العربي الإسرائيلي.
وأضاف مرعي، في تصريحات لـ "عربي21"، أن تعامل مصر مع الملف اللبناني يختلف عن تعاملها في الأزمة اليمنية، فمصر ترى أن لبنان به فصائل سياسية واختلافات مذهبية كثيرة، ومن الأفضل أن يحدث توافق سياسي بين الفرقاء في هذا البلد، مشيرا إلى أن استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تزعزع الاستقرار الهش الذي كان موجودا في لبنان.
واستبعد أن يغامر السيسي يغامر بإغضاب السعودية بسبب اختلاف الآراء حول الموقف الدبلوماسي إزاء الأزمة اللبنانية بكل تشعباتها، مضيفا: "هناك قضايا سياسية يمكن أن تتخذ الدول فيها موافقة منحازة وواضحة، وهناك قضايا يكون الانحياز فيها ضار بالمصالح القومية، وأعتقد أن الأزمة اللبنانية من النوع الثاني.
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، محمد شوقي، إن خوف السيسي من أن تؤثر استقالة سعد الحريري على الأوضاع في المنطقة، واحتمال اشتعال حرب مع إيران، هو الدافع وراء هذا الموقف؛ خوفا من الإضرار بالاقتصاد المصري أو المصالح السياسية والأمنية لمصر بالمنطقة".
وشدد شوقي، في تصريحات لـ"عربي21"، أن ما فعلته السعودية في لبنان يعد تدخلا صريحا في الشأن الداخلي لهذا البلد المنقسم سياسيا"، مؤكدا أن الاختلاف في الآراء والمواقف السياسية يعد شيئا طبيعيا، مشيرا إلى أن مصر كان لها موقف مغاير تماما عن الموقف السعودي في الحرب في سوريا، ومع ذلك ظلت العلاقات بين القاهرة والرياض قوية.
وتابع أستاذ العلوم السياسية: "السيسي اختار استراتيجية خارجية، وهي تجنب الصدام مع القوى الدولية أو الإقليمية الكبرى، لافتا إلى أنه لو حدث صراع عسكري وتدخلات جديدة في المنطقة، فإن ذلك سيؤثر على عملية السلام التي يتزعمها السيسي ويطمح في تنفيذها مع إسرائيل.
هل تحولت استقالة الحريري من ورقة بيد السعودية لأزمة لها؟
ما الأسباب التي تمنع الحريري من العودة إلى لبنان؟
كيف قرأ معارضون لبنانيون خطاب حسن نصر الله؟