في الأمثال الشعبية المصرية، هناك مثل دال يدور على ألسنة المصريين يصير في مضمونه "إللي على راسه بطحة يحسس عليها". والمعنى الذي يدل عليه المثل إنما يؤكد أن صاحب المسألة غالبا ما يحس أنه متهم، ودائما ما يتحسس نفسه ويفضح كل ما يتعلق بشأنه من خلال اعترافه بجرمه، بشكل غير مباشر وبإشارات من طرف خفي. ولا شك أن نظام السيسي المنقلب؛ يعاني من مجموعة "عقد نفسية" ستظل ترتبط به مهما حاول أن ينفي ذلك الاتهام عنه؛ أو محاولة التملص منه أو الالتفاف عليه.
من أهم العقد التي ترتبط بالنظام الانقلابي للسيسي؛ هي مسألة الشرعية التي نتجت عن حالة الغدر الانقلابي
ومن أهم العقد التي ترتبط بالنظام الانقلابي للسيسي؛ هي مسألة الشرعية التي نتجت عن حالة الغدر الانقلابي الذي قام به ليقطع الطريق على مسار ديموقراطي، ويحاول أن يلتمس المعاذير لذلك. فتارة يتحدث ويحاول أن يصور حدث الانقلاب بأنه لم يكن إلا الاستجابة لثورة زائفة في الثلاثين من حزيران/ يونيو سبقته، وكان هذا الإعلان العسكري بالانقلاب ليس إلا تكميلا لثورة شعبية، كما أراد أن يصور. وفي حقيقة الأمر، فإن هذا الزيف والتزييف والكذب والتزوير صار عملة هذا النظام؛ حينما يجعل من ذلك غطاء لانقلاب عسكري واضح وفاضح، انقلاب مكتمل الأركان، كما تؤكده كتابات علم السياسة المحترمة والمعتبرة. يعرف ذلك القاصي والداني، على الرغم من محاولة البعض تبرير أوصاف معينة تحاشيا لأن يصف ذلك الحدث بالانقلاب، هؤلاء الذين احترفوا بناء العلوم السيسية طلبا لرضا سلطانهم وتبريرا لغدره وانقلابه.
هذه العقدة تؤكد فقدان نظامه لأي سند من الشرعية، مهما حاول إضفاء هذه الشرعية بأشكال مختلفة. لكن في حقيقة الأمر، بطحة الشرعية تلك تؤكد أن هذا النظام في كل محاولاته لشرعنة نظامه في الداخل والخارج؛ لا يملك بأي حال أي سند من شرعية حقيقية؛ لأنه في حقيقة الأمر قاطع الطريق على أصل الشرعية، وحينما تكون بطحة الشرعية واضحة من غير التباس، فإنه يلتمس الشرعية تارة لدى دول الغرب بمسالك شتى، ويحاول الانسجام مع دول الإقليم في إطار صفقات متبادلة، ويتوج ذلك بالدخول إلى الشرعنة من البوابة الاسرائيلية، بضمان أمن اسرائيل والتطبيع معها، بل وعقد صفقات لمصلحتها، حتى أن الكيان الرسمي الصهيوني وإعلامه صارا يتحدثان عن المنقلب السيسي كـ"معجزة إلهية من الله، بانقلابه في مصر، وضمن حالة من تحول الأمر من مبارك المخلوع، الكنز الاستراتيجي، إلى حالة السيسي، المتبني للأمن الإسرائيلي؛ كجزء هيكلي وبنيوي من الأمن القومي المصري، في ظل سياسة الانبطاح الاستراتيجي.
وبطحة الشرعية لا تضاهيها إلا بطحة
الشباب والعقدة التي يمثلها لهذا النظام الانقلابي، وعلى رأسه السيسي المنقلب الغادر. ذلك أن الشباب كان في حقيقة الأمر هو لحمة الثورة في الخامس والعشرين من يناير، وحامل مشعلها - شاء من شاء وأبى من أبى - من دون أن يعني ذلك استبعاد جهود من معظم أبناء الوطن ومطلقي هذه الثورة، والتي كانت فعلا إيجابيا بفضل تفكير شباب ناهض خارج الصندوق، فاستطاع أن يسقط رأس نظام تخيل البعض - مع طول مدته - أنه لا يزول ولا يتزلزل.. الشباب هو الذي يحمل شعلة ثورة يناير، وحلم دولة يناير، بما يؤكد من فعل يستند إلى شعار ذهبي يشير إلى ذلك المربع الذي يؤسس لاستراتيجية ثورية تقوم على أهداف ومسالك أربعة: عيش كريم، وكرامة إنسانية، وحرية أساسية تأسيسية، وعدالة اجتماعية.. لتؤكد أولويات ثورة ومطالب شعب حقيقة، وتؤكد حلم دولة يناير في مصر الجديدة.. مصر الأمل.
أؤكد أن السيسي المنقلب وصحبه لا يزالون يشعرون ببطحة وعقدة من هذا الشباب الناهض؛ لأنه لا يذكّر هؤلاء، وحسب، بثورة مجيدة بتاريخ مصر المعاصر، ولكنه يؤكد أيضا أن الفعل الثوري وارد وممكن الإنجاز. هكذا كان درس التاريخ، ولا يزال الشباب صاحب المصلحة في بناء المستقبل هو من يحمل زخم تلك الثورة وجذوتها في قلبه وعقله.. لا زال هذا الشباب يطالب ببلد جديد.. مصر المستقبل التي تؤسس لدولة الناس، وتقضي على دولة السيسي التي يريد لها أن تبقى وتستمر ضمن صناعة جمهورية الخوف؛ باستخدام استراتيجيات الترويع والتفزيع واستراتيجيات الإفقار والتجويع.
يظل الشباب هو حائط الصد الأساسي، وصانع الأمل وحامله.. يؤكد على أنه لا يستطيع أن يفرط في ثورة يناير وأهدافها وشعارها
يظل الشباب هو حائط الصد الأساسي، وصانع الأمل وحامله.. يؤكد على أنه لا يستطيع أن يفرط في ثورة يناير وأهدافها وشعارها، كأنها فيها حياته الكريمة ومستقبل مصر الأفضل. كل ذلك يعلمه السيسي بوضوح كامل حينما وجه له الشباب لطمات في انتخاباته واستفتاءات؛ قام بها وعليها يحاول شرعنة نظامه من كل طريق، إلا أن رد الشباب بالمقاطعة كان رادعا مفزعا مزلزلا لمنظومة انقلاب السيسي، ليؤكد له استحالة شرعنة النظام الفاسد الفاشي الذي يقوده ملتمسا ذلك من الخارج؛ وزيّف كل فعل يتعلق بتلك الشرعنة لإضفاء حق على باطل. قدم الشباب للسيسي لطمة بعد لطمة، وترك على جبينه بطحة بعد بطحة، ومثل عقدة لا تنفك في مسار هذا الانقلاب، ليؤكد أنه وفيّ لثورة يناير، وأنه لن يفرط فيها حتى ينجز دولة يناير.
أقول ذلك مؤكدا بأن هذا ليس بالكلام الإنشائي أو فائض الكلام، ولكنه حقيقة المشهد الذي صار السيسي، مع إحساسه بهذه البطحة وتمكن عقدة الشباب من وجدانه، يحاول وصلا بشباب؛ ضمن عملية تزييف واحتيال ونصب كبرى.. يحاول أن يوحي للآخرين بأنه مع الشباب ومع أشواقهم. أي أشواق يتحدث عنها السيسي، وهو إذ يعقد عاما أسماه عام الشباب؛ وإذا به يكمم الأفواه ويطوق أي احتجاج ويمنع كلمة "لا"، بل ويجرمها، ويقتل من يتلفظ بها ويصفيه جسديا، ويطارد كل من أسهم بأي سهم في ثورة يناير من شباب مصر؛ يتلذذ بوضعهم وراء القضبان في محاولة منه لفرض استقرار زائف ضمن اعتبارات الدولة البوليسية ودولة العسكر الفاشية؟ وهو كذلك يختطف كل شاب أو شابة يمثل أو تمثل احتمالا في معارضة أو احتجاج، أو تعبير عن رأي. فهو لا يحتمل كل ذلك، ولا يستنكف أن يقتل ويطارد وينفي ويعتقل.. يفعل كل ذلك ويتحدث عن الشباب والحاجة إلى الكلام! أي كلام أيها الفاشي الذي كمم الأفواه ومنع الكلام، وأقام السجون في كل مكان، وقتل وروّع.. ثم يتحدث: نحتاج إلى الكلام WE NEED TO TALK؟
مهرجانات شبابية ديكورية مصطنعة زائفة، وها هو الآن يعقد مهرجانا أخيرا أضاف إليه صفة "الدولي"، في محاولة لإقناع العالم الغربي بأنه من يقدر الشباب
ظل يمارس إفكه الذي عرف به، حينما دبج مجموعة الشباب الذين نظموا حركة اسمها "تمرد"؛ اصطنعها على عينه حينما كان رئيسا للمخابرات الحربية، وظل يمارس مسيرته في مؤتمرات للشباب الواحد تلو الآخر.. يأتي بالطامحين والمنافقين والمطبلين ليصنع مهرجانات شبابية ديكورية مصطنعة زائفة، وها هو الآن يعقد مهرجانا أخيرا أضاف إليه صفة "الدولي"، في محاولة لإقناع العالم الغربي بأنه من يقدر الشباب. ولكن بطحته وعقدته تطارده، كما تطارده غدرته. شباب مصر الأحرار والثوار يقضّون مضاجعه، ويؤرقون صناعة زيفه وإفكه، ومؤتمرات شبابه المصنوعة المزيفة، حتى لو سماها دولية وأتى بشخصيات عالمية.. لم تغن كل تلك الأمور عنه شيئا، ولن تصرف الشباب عن المطالبة بأملهم، والعمل لمستقبلهم، والحفاظ على ثورتهم. فليعلم المنقلب أن في ذلك الشباب الحر أزمته، وأن شباب مصر الأحرار هم في حقيقة الأمر بطحته، وأنهم سيظلون دوما عقدته.