أعلن الأستاذ خالد علي نيّته الترشّح لانتخابات الرئاسة القادمة في 2018، ليكون أول من أعلن بشكل رسمي اعتزامه خوض الانتخابات، وقبل إعلان السيسي نفسه اعتزامه الترشح لدورة ثانية. وقرار إعلان الأستاذ خالد يحتاج لإعلان مقابل عن بعض الملاحظات.
حساسية الحديث والاستقطاب السياسي الحاد يستدعيان إيضاح قناعات الكاتب قبل الاستطراد في الملاحظات:
أولا: حق الترشح ملك للكافة، ولا يجوز لأحد أن يسحبه أو يمنحه لأحد إلا بمقتضى ضوابط قانونية عادلة. أيضا، التقديرات السياسية لا ينبغي أن تكون محلا لتخوين الأطراف المختلفة، ولغة الابتزاز السياسي والاتهام بالخيانة لغة ساذجة إن كانت بغير قصد، ومنحطة إن كانت بقصد.
ثانيا: ينبغي أن يكون عنوان الخلاف حول المواقف لا الأشخاص، والتعرض للأشخاص لا يصح أن يكون خارجا عن توصيف "لائق" دون الألفاظ المبتذلة والوضيعة المنتشرة بين شباب السياسيين؛ للتعبير عن ملكة البذاءة والرغبة في إنهاء المواقف بسرعة وانحطاط.
ثالثا: هذه الكلمات مسطورة وفقا للواقع أثناء كتابتها، والحالة المصرية شديدة السيولة، وربما يتحول النقد هنا لقرار صائب فيما بعد "بسبب تغير المعطيات"، وربما يتحول الاستحسان لخطأ لنفس السبب.
رابعا: هناك قبول واسع لفكرة الاشتباك السياسي مع النظام الحالي، لكن الخلاف حول آليةٍ ما في ظرف محدد، وتغير الظرف قد يستدعي قبول هذه الآلية بعد رفضها من قبل.
أخيرا: تأكدنا بالتجربة؛ أن قرارات الأفراد والجماعات ليست ملكا لأحد بمفرده في هذا الوطن، وكل قرار يصل أثره للجميع بالسلب أو الإيجاب، وليس مقبولا أن يقول أي منتمٍ لأي تجمع سياسي لغيره: لا شأن لك بقراراتنا، ونحن أصحاب اليد العليا فيها. وبالتالي، فالخلاف حول المواقف لا يعني الحجر على أحد باتخاذ أي قرار، ولا إرادة هدم صنيعه، وبالمقابل لا يصح السكوت على ما قد يراه البعض صوابا ويخالفه غيره فيه.
الاستقطاب السياسي يحتاج لتلمس مواضع الأقدام، وتحسس الأوتار الملتهبة
هذا عن إيضاح بعض الأمور التي كان ينبغي التخفف من ذكرها، لكن الاستقطاب السياسي يحتاج لتلمس مواضع الأقدام، وتحسس الأوتار الملتهبة، خاصة إذا كانت موجهة لتجمع يحتشد فيه اليسار المصري المتطرف في خصومته بطبعه، مع غيره ومع نفسه بتشعّب تكويناته اللانهائية، ورغم ذلك يظل أفراده وأفكاره الأقرب للوجدان، بحكم العِشْرة والمواقف المشتركة الكثيرة.
الملاحظات متعلقة بقرار المشاركة في انتخابات الرئاسة على وجه التحديد، وبانحيازات من أطلقوا على أنفسهم "الميدان الثالث" في مرحلة ما قبل الانقلاب العسكري، ويعد السيد خالد علي أحد الأسماء البارزة بينهم، خاصة أن أغلبهم ممن تجمع حول السيد خالد في قراره.
ما تعلق بقرار المشاركة، يمكن القول حوله بأنه منذ قرر النظام الحالي بدء عملية التعتيم الإعلامي بحجب عشرات المواقع في أيار/ مايو الماضي، انعدم اليقين - لدى العديدين- في إمكانية حدوث تغيير سياسي بالمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. ولا بد هنا من التفرقة بين الاشتباك السياسي والمشاركة الانتخابية. فالاشتباك قد يكون بالتعاطي الإيجابي مع مرشح الدولة، أو التعاطي الإيجابي مع أحد منافسيه، أو إبطال الأصوات، أو الدعوة للمقاطعة، أو التعاطي السلبي بالرفض لمقترح الدولة في استفتاء الدستور مثلا، فكلها صور اشتباك سياسي.. لكن المشاركة الانتخابية لا تحتمل وجه المقاطعة، وهذا فارق هام بين الاشتباك والمشاركة، ونحن الآن أمام فرصة للاشتباك السياسي، قد تفتح المجال العام أو تبقيه مغلقا لأربع سنوات مقبلة (على الأقل)؛ إذا تم التعاطي معها بشكل خاطئ، وهو ما جرى من التيار السياسي الإسلامي الذي لم يحسن إدارة الحراك في الأشهر الثمانية الأولى عقب الانقلاب، فتم إغلاق المجال العام بصورة خانقة بعد تفكيك أجهزة الحركة الدافعة فيه.
الحالة المصرية الآن تقول بأن هناك صراعا غير مستتر بين أجهزة الدولة القوية، وهناك "احتمالية" أن تدعم بعضها مرشحا في مواجهة رأس السلطة السياسية الحالي
ينبغي النظر لانحيازات "الميدان الثالث" في فترة التظاهر ضد مرسي.. ولا تزال تلك المجموعات تسير في الاختيارات المتسرعة واستدراجها لدخول معركة تجعلهم مطية
في سياق مواز، ينبغي النظر لانحيازات من أسموا أنفسهم بـ"الميدان الثالث" في فترة التظاهر ضد مرسي، وقصدوا بذلك أنهم لا ينحازون لميادين الإخوان ولا ميادين العسكر، وكانت لديهم ما اعتبروها "انحيازات مبدئية" ترفض الهيمنة العسكرية و"أسلمة" الدولة، واختاروا في معركة الانقلاب أن تصب "تحركاتهم" في جانب الانقلاب العسكري، وإن كانت "خطاباتهم" ترفض ذلك، في نموذج يُدرّس للمراهقة السياسية "إن صفت النية"، والخبث السياسي "إن افترضنا السوء". ولا تزال تلك المجموعات تسير في خطى الاختيارات المتسرعة، بما يضمن سهولة استدراجهم لدخول معركة يتم الاستفادة منهم وجعلهم مطيّة لمرحلة جديدة كما جرى من قبل. ولا يعني ذلك اتهامهم بأنهم بوابة خلفية للاستبداد "عن قصد"، وبالطبع لا يعني إعفاء أطراف أخرى مما حصل، لكن موضع النقاش لا يستدعي ذكر هذه الأطراف، ومجموعات التيار الثالث مدرسة في التعبيرات والاختيارات السياسية الخاطئة والساذجة في الأزمات الكبرى.
هذه المشاركة ليست في مصلحة المجموع في المقام الأول، بل منافعها ستبدأ بخالد علي نفسه، وبناء مجد سياسي شخصي قد ينجح في انتخابات لاحقة، ثم تأتي مصلحة اليسار ثانيا؛ كتيار يغيب عن التواجد الجماهيري، وفرصة كتلك ستثير نقاشا حول أفكاره وتواجده، ثم تأتي مصلحة الثورة في مرحلة ثالثة، بشرط قدرة حملته على أن تجمع الفرقاء السياسيين. ويرتبط بهذه المسألة سؤال: هل سيقبلون بوجود إسلاميين في الحملة الانتخابية مع احتفاظهم بقناعتهم بعدم شرعية هذا النظام وبشرعية الرئيس المعزول، ولكنهم يشاركون فقط من باب حلحلة الأوضاع، أم سيرفضونهم؟ وفي الدرجة الرابعة يأتي الوطن ككل الذي لا أتصور أنه سيستفيد من تلك المشاركة في المدى القريب، وإن زادت الهوة بين الأطراف المعارضة للسيسي، فلن يستفيد الوطن على المدى المتوسط كذلك، وهذا الترتيب المتعلق بالمصالح لا أزعم أنه مقصود، ولا أنفي كذلك رغبة كل حلقة فيه من بناء مجدها الخاص، لكن النهاية سيكون مؤدّاها من جهة الانتفاع بهذا الترتيب.
أمر آخر يمكن ملاحظته من الخطاب الأول للمرشح المحتمل الأستاذ خالد علي، أنه خطاب يساري بامتياز، والانتماء السياسي لا يعيب أحدا، لكنه قد يشير لمدى كفاءة المرشح، خاصة إذا بدأ حملته بخطاب إنشائي وغارق في الاستدعاء الأيديولوجي، كهذا الخطاب الذي يصلح في ندوات المعارضة لا خطاب مرشح لقيادة دولة. لكن نرجو أن يتطور الخطاب وأن يخرج المرشح - إن استمر - من عباءته الثقافية لعباءة الوطن الأرحب، مما يشكّل مكسبا للوطن إذا زاد الوعي بأهمية الخطابات الجامعة.
كما أنه لو قُدّر له البقاء، فسيحتاج لتغطية كل اللجان الانتخابية التي سيتم الإعلان عنها بشكل تفصيلي فيما بعد، وهو عدد لن يكون صغيرا، وتوفير متطوعين بهذا الحجم في تلك الظروف الأمنية لن يكون يسيرا بالمرة.
هذه ملاحظات سريعة على قرار أحسب أن معركته ليست معركتنا، بل هي معركة أجنحة الحكم، لكن في ذات الوقت أرجو كل التوفيق للسيد خالد علي في معركته الانتخابية، عسى أن تُخلَف الظنون ويسهم بقدر ما في عملية التغيير، كما أرجو - بصدق - أن تدوم عليه نعمة الأمان والحفظ ممن لا يعبأون بسلامة البشر.
"خالد علي" هذا الحقوقي الكبير.. جدا!
استطلاعات الرأي في ظل النظم الاستبدادية