بينما يرى البعض أن عودة السفير الإيطالي، جيامباولو كانتيني، إلى
مصر؛ تعد مؤشرا على تجاوز البلدان الأزمة التي دامت لما يقارب العامين، قال خبراء، تحدثوا لـ"عربي21"، إن نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قد توصل لتسوية مع الجانب الإيطالي حول القضية عبر دفع تعويضات مالية شريطة عدم الإعلان عنها حتى لا تمثل إحراجا سياسيا له.
ووصل كانتيني إلى القاهرة، الخميس الماضي، بعد نحو عام ونصف على سحب روما لسفيرها في القاهرة على خلفية قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو
ريجيني في القاهرة.
اقرأ أيضا: السفير الإيطالي الجديد بالقاهرة ومراقبون ينتقدون
وكانت
العلاقات بين مصر وإيطاليا قد توترت بشكل حاد بعد مقتل ريجيني الذي اختفى يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2016، ثم عثر على جثته في شباط/ فبراير 2016 وعليها آثار تعذيب، حيث تتهم وسائل إعلام إيطالية ونشطاء ومعارضون مصريون الأمن المصري بتعذيب ريجيني حتى الموت، وهو الأمر الذي تنفيه السلطات المصرية.
تعويضات سرية لإيطاليا؟
وأكد أستاذ العلوم السياسية أحمد رشيدي؛ أن ملف جوليو ريجيني تمت تسويته بين النظام المصري وإيطاليا، متوقعا أن تكون مصر قد دفعت تعويضات للحكومة الإيطالية لتسوية القضية، لكن دون أن يتم الإعلان عنها حتى لا يُحرج ذلك النظام المصري أو يُحدث بلبلة في الأوساط المحلية والدولية.
وأضاف رشيدي، في حديث لـ"عربي21"، أن النظام المصري كان يريد أن ينهي هذه الأزمة بأي طريقة؛ لأن قضية ريجيني كانت هي أهم قضية استخدمت ضد السيسي في المحافل الدولية؛ للتأكيد على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، كما كانت أحد أسباب تقليص المعونة الأمريكية لمصر في الفترة الأخيرة، لذلك بذل النظام المصري جهودا حثيثة لعودة العلاقات مع
إيطاليا إلى سابق عهدها وإعادة السفير إلى القاهرة.
اقرأ أيضا: التايمز: أين اختفى محامي الطالب الإيطالي ريجيني؟
وحول اعتقال السلطات المصرية لمحامي أسرة ريجيني، إبراهيم متولي، قبل سفره إلى جنيف لحضور اجتماع بالأمم المتحدة بشأن وقائع الاختفاء القسري في مصر وقضية ريجيني، أعرب رشيدي عن اعتقاده بأن النظام قد اعتقله حتى يجبره على سحب القضية التي رفعها على الحكومة المصرية ويتهمها فيها بقتل الطالب الإيطالي.
أوراق أخرى بيد السيسي
ويقول مراقبون إن النظام المصري يستغل أيضا العديد من الأوراق السياسية والأمنية والاقتصادية للضغط على الجانب الإيطالي؛ لإعادة السفير إلى القاهرة.
وأكد المحلل السياسي محمد شوقي؛ أن قضية ريجيني كانت بمثابة ضربة سياسية كبيرة للنظام المصري، مشيرا إلى أن السيسي خسر كثيرا في هذه الأزمة؛ لأن العالم كله يعرف أن أجهزة الأمن المصرية هي التي قتلت ريجيني، وهو ما ترك انطباعا بالغ السوء لدى الغرب عن مصر، وخاصة أوضاع حقوق الإنسان فيها.
وأضاف شوقي، لـ"عربي21"، أن النظام بمصر احتاج وقتا طويلا لإقناع الجانب الإيطالي بتسوية قضية ريجيني، "ويبدو أنه نجح في التوصل إلى اتفاق مع الإيطاليين، وإعادة العلاقات الدبلوماسية على المستوى الرسمي مستخدما ضغوطا سياسية وأمنية وإغراءات اقتصادية".
وأكد أنه على الرغم من ذلك، فإن "العلاقات بين الشعبين ستظل متأثرة بالانطباع السيئ الذي تركته جريمة مقتل ريجيني في القاهرة"، لافتا إلى أن القضية كشفت بوضوح الأوضاع الأمنية والسياسية المتردية في البلاد، "وستظل دليلا على وجود انتهاكات ضد البشر عموما في مصر، سواء المواطنون أو الأجانب، وهذا بالطبع سيؤثر على السياحة والاستثمار الأجنبي.
وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في بيان له الجمعة، أن البلدين اتفقا على استمرار التعاون والتنسيق لاستكمال التحقيقات الجارية في قضية ريجيني، بالإضافة إلى توطيد التعاون في مجالات مكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب والطاقة، مع قرب بدء إنتاج حقل ظهر للغاز في البحر المتوسط، الذي تديره شركة إيني الإيطالية.
وتزامنا مع عودة السفير الإيطالى للقاهرة، وقعت مصر وإيطاليا اتفاق تعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين لمكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.
وعقب استئناف السفير الإيطالي الجديد في القاهرة مهامه الدبلوماسية في القاهرة بساعات، غادر السفير المصري هشام بدر عائدا هو الآخر إلى روما، حيث أكد في بيان للخارجية المصرية؛ أن إيطاليا شريك أساسي لمصر على الصعيد السياسي والاقتصادي والتجاري والأمني والثقافي، وأن إيفاد سفيرين جديدين للبلدين يعكس رغبتهما في استعادة المسار الطبيعي للعلاقات التاريخية بينهما، كما قال.
لن يرضينا سوى الحقيقة
من جانبها، أكدت الحكومة الإيطالية أن عودة السفير هدفها مواصلة الضغط على الجانب المصري لتسليم قتلة ريجيني للعدالة.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الإيطالية أنجيلينو ألفانو، في بيان له الجمعة، أن إعادة السفير ستفيد في متابعة قضية ريجيني وتعزيز المطالب الإيطالية بالوصول إلى الحقيقة، موضحا أن أن السفير لديه تفويض واضح وتعليمات من الحكومة الإيطالية للقيام بكل ما في وسعه لضمان التعاون مع مصر في القضية.
ونقل التلفزيون الإيطالي عن ألفانو، الجمعة، أنه التقى نظيره المصري سامح شكري في لندن الخميس، وأنه أكد لشكري أن "إيطاليا لن يرضيها أي شيء أقل من الحقيقة حول قضية ريجيني".