نشرت مجلة "إيكونوميست" في عدد سابق مقالا، تقول فيه إن دونالد
ترامب اتصل في 29 نيسان/ أبريل برئيس الفلبين، رودريغو ديتيرتي، وبحسب النص المسرب للمكالمة، فإنه قال له: "أريد أن أهنئك لأنني سمعت عن إنجازكم الكبير في معالجة مشكلة المخدرات".
وتشير المجلة إلى أنه منذ انتخاب ديتيرتي في حزيران/ يونيو العام الماضي، فإن حملته ضد المخدرات تسببت بمقتل تسعة آلاف شخص، كثير منهم بائعون صغار ومدمنون.
ويلفت المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الرئيس كان قبل ذلك بأسبوعين اتصل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ لتهنئته على كسبه للاستفتاء الذي يعطيه سلطات واسعة، مشيرا إلى أنه "منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، تم اعتقال وسجن أكثر من 100 ألف تركي، وتم تمزيق القضاء، وسجن الصحافيين، وإغلاق وسائل الإعلام".
وتبين المجلة أنه "خلال زيارة ترامب للسعودية، فإنه قام بمدح الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي، وقال له: (يبدو أن الأمن جيد في مصر)، ويقوم نظام السيسي بسجن عشرات الآلاف من المعارضين، بالإضافة إلى أنه لم يشر ولو مرة واحدة إلى الجلد السائد في
السعودية، ولا إلى التعذيب وعدم السماح للشعب باختيار حكومته، وفضل بدلا من ذلك التركيز على صفقة سلاح بـ110 مليارات دولار، واستثمارات في أمريكا بمئات مليارات الدولارات، ووظائف، وظائف، وظائف".
وينوه المقال إلى أنه "في الوقت الذي اتسمت فيه لقاءات ترامب مع زعماء الناتو وجي 7 بالفظاظة، فأصبحت الخارطة واضحة، بأن هذا رئيس يتواءم بشكل أفضل مع الأنظمة الاستبدادية أكثر من شركاء أمريكا التقليديين من الدول الديمقراطية".
وتقول المجلة إن "وزير الخارجية في إدارة ترامب، ريكس تيلرسون، ترك انطباعا شبيها عندما تحدث مع موظفي وزارته في 3 أيار/ مايو، واستخدم تعبير (أمريكا أولا)، الذي يحمل معاني كثيرة -الذي صاغه أول مرة الانعزاليون، الذين كانوا لا يرغبون بمشاركة أمريكا في الحرب العالمية الثانية- لتعريف السياسة الخارجية للإدارة الجديدة".
ويفيد المقال بأن "الفكرة الجديدة تدور حول تقديم المصالح على ترويج القيم، ويمكن للدبلوماسيين التعبير عن تأييدهم للديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، لكن فقط إن لم يضع ذلك (عقبة) أمام الأمن القومي والمصالح الاقتصادية".
وتجد المجلة أن "هذا يمثل كسرا لما لا يقل عن أربعة عقود من توافق الحزبين على تفضيل الليبرالية الدولية، حيث يقول المستشار السابق للسياسة الخارجية في إدارة بيل كلينتون تيد بيكون، الذي يعمل حاليا في معهد بروكينغز، إن الدفاع عن القيم، بدلا من التعارض مع المصالح الأمريكية، يقوم بخدمة تلك المصالح، وهو ما يعطي أمريكا مكانتها، ويمنحها شرعية دولية".
وينقل المقال عن مستشار الخارجية في إدارة جورج بوش الابن إليوت كوهين، قوله في مقال كتبه مؤخرا، إن المجتمعات المنفتحة التي يحكمها القانون "تشكل حليفا أفضل على المدى البعيد من سفاحين يجلسون على براميل بارود"، وتقول شانون غرين، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن أمريكا بنت سياساتها الخارجية دائما على مصالحها الوطنية، ولكنها حتى الآن كانت تشجع
حقوق الإنسان، بصفتها مكملة لتلك المصالح، وكانت لها علاقات مع الديكتاتوريين، مثلا للتعاون ضد الإرهاب، إلا أنها كانت تنتقدهم أيضا.
وتنوه المجلة إلى أن المرشح الجمهوري للرئاسة عام 2008، جون ماكين، الذي كان قد سجن خلال الحرب في شمال فيتنام، شجب سياسة "المعاملات التجارية" للسياسة الخارجية، وقال إنها "خطيرة"، وكتب في الرد على خطاب تيلرسون: "إن حرمان المظلومين من شعلة أمل قد يفقدنا العالم الذي بنيناه وازدهرنا فيه"، فهو يعرف من تجربته بأن السجانين يقولون للسجناء إنهم منسيون، وقد تحدث المعارضون السوفيتيون عن مدى الشجاعة التي كانوا يستشعرونها من دعوات رونالد ريغان المتكررة لإطلاق سراحهم.
ويورد المقال نقلا عن أودري غوغهران من منظمة العفو الدولية، قولها إن عداء ترامب للاجئين خيب آمال الضعفاء، ورفضه لإبداء الاهتمام بحقوق الإنسان يعطي الإشارة للأنظمة الاستبدادية بأن بإمكانها قمع شعوبها دون خشية المحاسبة، وتخشى أنه إن لم تتحدث أمريكا عن حقوق الإنسان في المحافل الدولية، فإن الإجماع على تلك الحقوق سيكون في خطر.
وتذكر المجلة أن غرين أشارت إلى مشكلة تهريب البشر على أنها قضية ساعد تفاعل أمريكا معها بشكل كبير، فمنذ عام 2000 أصدرت أمريكا تقريرا بعنوان "تهريب الأشخاص"، واستخدمته في الضغط على الحكومات الأخرى، وفي عام 2001، كان هناك 12 بلدا حصل على أفضل تقييم "درجة أولى"، والآن أصبح عدد هذه الدول 36، وأصبح هناك 169 دولة موقعة على بروتوكول الأمم المتحدة المتعلق بتهريب البشر.
ويشير المقال إلى أنه "كانت لأمريكا علاقات جيدة مع أنظمة بغيضة في الماضي، وكانت أحيانا تقدم تبريرات زائفة لسياساتها التي تخدم مصالحها، لكن كانت المبادئ التي رسمها وودرو ويلسون قبل قرن تقريبا التي تقتضي استخدام القوة لخدمة الخير هي المعتمد عليها بشكل أساسي".
وبحسب المجلة، فإن وزير الخارجية الأمريكي في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي دين أتشيسون، وصف "الفكرة الأمريكية" بأنها الملهمة للناس الذين يستطيعون فقط "أن يحلموا بالحرية"، لكنه كان يعرف بأن ما يقيد ذلك الحلم هو روسيا الشيوعية المسلحة بالأسلحة النووية.
وينقل المقال عن الاستراتيجي والمؤرخ البريطاني، السير لورنس فريدمان، قوله إن الصراع الأيديولوجي مع الاتحاد السوفييتي أخذ أولوية على حقوق الإنسان، فمثلا هناك وصف لأنستاسيو سوموزا، ديكتاتور نيكاراغوا في أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، ينسب أحيانا إلى هاري ترومان: "إنه وغد لكنه وغدنا"، وهو تعبير لطالما استخدم لتبرير العلاقات مع أناس سيئين، مشيرا إلى أن ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر قدما التوصل إلى انفراج في العلاقة مع القوة العظمى المنافسة على ترويج حقوق الإنسان.
وتلفت المجلة إلى أن نقطة التحول جاءت عام 1975، عندما رفض الرئيس جيرالد فورد مقابلة أليكساندر سولزهينتسين، الذي فضح شرور معسكرات العمل السوفييتية، واعتبر الجمهوريون المحافظون، مثل ريغان وجاك كيمب وويليام بكلي، واتهموا فورد بالاسترضاء، وكذلك فعل الديمقراطيون، بمن فيهم هنري جاكسون وجيمي كارتر، وأعلن في خطاب له عام 1977، عن العودة الويلسونية، قائلا: "إنه عالم جديد يدعو لسياسة أمريكية خارجية جديدة.. لقد أعدنا تأكيد التزام أمريكا بحقوق الإنسان؛ كونه مبدأ أصيلا لسياستنا الخارجية".
ويستدرك المقال بأنه "مع أن كارتر عانى من دعمه لشاه إيران، إلا أن خليفته رونالد ريغان شاركه الرؤية، حيث وجد الليبراليون والمحافظون شيئا يتفقون عليه، وساعدت حقوق الإنسان في كسب الحرب الباردة، وأدت اتفاقية هلسنكي (بين الشرق الغرب)، التي تغطي حقوق الإنسان، دورا مهما في شرعنة المعارضة في الاتحاد السوفييتي".
وتبين المجلة أن "وضع السياسة الخارجية القائمة على القيم تحسن في تسعينيات القرن الماضي بعد انتهاء الحرب الباردة، وهو ما أسماه توني سميث، المؤرخ في جامعة تفتس، نيو-ويلسونية، حيث يقول إنها تقوم على ثلاث أفكار يشترك فيها المحافظون الجدد والليبراليون الجدد، وكانت (نظرية السلام الديمقراطية) الأولى، التي تنص على أن الديمقراطيات لا تشن الحرب ضد بعضها؛ ولذلك كل ما زاد عدد الديمقراطيات في العالم سيسود السلام أكثر، أما (نظرية التحول الديمقراطي) الثانية فافترضت قوة دفع عالمية باتجاه الديمقراطية، وقامت على أن الغرب بنظامه الاقتصادي القائم على اقتصاد السوق الحر يمكنه تسريع التحول الديمقراطي، حتى في الأماكن التي لا تتمتع باهتمام في المؤسسات، وكانت الثالثة (مسؤولية الحماية)، وجاءت بعد مذابح الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994".
ويذهب المقال إلى أن "هذه الأفكار شكلت الإطار للتدخل في البوسنة وسيراليون وكوسوفو، ووضع توني بلير، وهو من المنادين بالتدخل، أسس التدخل في خطاب له عام 1999، شارك في كتابته السير لورنس، لكن النجاح الأولي للتدخل ولد غطرسة، وعندما دمج ذلك بـ(الحرب العالمية على الإرهاب)، التي شنها جورج بوش بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، فإنه أدى إلى محاولات معيبة (لبناء دول) في أفغانستان والعراق، حيث يقول السير لورنس بأن مسؤولية الحماية (دفعت بنا لفعل أكثر مما نستطيع فعله)".
وبحسب المجلة فإن "باراك أوباما لم يرتد عن أجندة حقوق الإنسان، لكنه أصبح متشككا بمدى فعالية استخدام القوة لدعمها، ولذلك وضع ثقته في تفاعل المجتمع المدني لدفع الأنظمة الاستبدادية نحو ما هو سائد دوليا، بحسب ما قالته غرين، التي عملت في وكالة التنمية الدولية في إدارة أوباما".
ويورد المقال أن "أوباما شعر بأن الشرق الأوسط عبارة عن فوضى يصعب على أمريكا تغييره، لكن ناقديه رأوا تردده في التدخل في سوريا تخليا عن المسؤولية الأمريكية".
وتختم "إيكونوميست" مقالها بالقول: "عكس أوباما فقدان الثقة بالمسلمات لدى الليبراليين الجدد والمحافظين الجدد، وعكس شعور الناخبين المتعبين من الحروب، لكن ترامب يمثل شيئا مختلفا وأكثر ظلامية: رفض استخدام القوة الأمريكية لأغراض عدا خدمة المصالح الأمريكية، وحماسته للغاشمين، مثل ديتيرتي، تطمئن الغاشمين في كل مكان".