كان شيوخ السلفيين يتصدرون المشهد في مجال الدعوة الإسلامية بمصر، قبل وبعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، ويعلقون على كل ما له علاقة بالعقيدة أو الشريعة الإسلامية، إلا أنهم انسحبوا من المشهد في أعقاب انقلاب تموز/ يوليو 2013، وأصبحوا نادرا ما يعلقون على القضايا الدينية المثيرة للجدل، بحسب مراقبين.
وأضاف المراقبون أنه على الرغم من إصدار نظام قائد الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، العديد من القوانين التي تضيق على السلفيين، ومن بينها قانون منع الاعتكاف في المساجد إلا بتصاريح أمنية، ومنع الخطابة دون تصريح من "الأوقاف"، وحظر إصدار فتاوى دينية؛ إلا أن السلفيين التزموا الصمت التام تجاه هذه القوانين، ولم يعترضوا على أي منها.
وأوضحوا أنه مع مرور الوقت، توارى مشاهير السلفيين من الشيوخ والدعاة وقيادات
حزب النور، أمثال ياسر برهامي، ويونس مخيون، ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وأبي إسحاق الحويني، حتى كاد الشعب ينساهم؛ بسبب غيابهم الطويل عن الظهور على الشاشات، بعد أن كانوا ضيوفا دائمين على البرامج اليومية.
بيان متأخر
لكن "ظاهرة الصمت السلفي" برزت كثيرا في الأسابيع الأخيرة، خاصة مع تزايد تصريحات الإعلاميين والسياسيين وغيرهم من العلمانيين، التي تشكك في العقيدة الإسلامية، وتنتقد ثوابت الدين الإسلامي ورموزه.
وبعد مرور أكثر من أسبوع على الضجة التي أثارتها تصريحات وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، الشيخ سالم عبدالجليل، التي كفّر فيها
الأقباط، أصدرت
الدعوة السلفية بيانا متأخرا الأربعاء، أعلنت فيه تأييدها لهذه التصريحات.
وقالت "الدعوة السلفية"، في بيانها، إن "المسيحيين واليهود كفار، وإن هناك فرقا بين أمر العقيدة وأمر المعاملة"، منتقدة "الجماعات الإرهابية" مثل "داعش" ومن على شاكلتها "التي تخلط بين الأمرين".
وأكدت أن "الله وفق الدعوةَ السلفية بالتطبيق العملي لهذا الفهم في مناسبات عديدة، من أبرزها حماية الأقباط في فترة الانفلات الأمني أثناء ثورة كانون الثاني/ يناير، رغم الإقرار بكفرهم".
تبعات فض رابعة
وقال الباحث السياسي، جمال مرعي، إن "شيوخ السلفيين وقيادات حزب النور انتهوا سياسيا منذ عزل مرسي والإخوان المسلمين في تموز/ يوليو 2013، بعد أن فقد المواطن العادي ثقته فيهم"، مؤكدا أنهم "لم يعودوا مثيرين للجدل كما كانوا في وقت حكم مبارك، أو بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011".
وأوضح أن "متابعة الناس لبرامج مشاهير السلفيين، أمثال محمد حسان وأبي إسحاق الحويني، قلّت كثيرا عن ذي قبل، حيث إنهم فقدوا جاذبيتهم التي اعتادوا عليها في الماضي، على الرغم من استمرارهم في إصدار الفتاوى الدينية الشاذة، كما يفعل الشيوخ المتطرفون منهم، أمثال ياسر برهامي، لكنهم لم يعد لهم تأثير على الناس"، على حد قوله.
وأشار إلى أن "تجربة الإخوان أساءت لكل جماعات تيار الإسلام السياسي، بما في ذلك السلفيين، ما جعل شيوخ الأزهر يتصدرون شاشات الفضائيات حاليا"، مبينا أن "الإسلاميين عموما، والسلفيين على وجه الخصوص، أصيبوا بصدمة نفسية عميقة بعد أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، تسببت في شرخ بينهم وبين المجتمع، ولم يعد لديهم الحماس أو الاستماتة في توصيل الرسالة الدينية كما كانوا من قبل".
خلافات سياسية
القيادي بحزب النور، أحمد خليل، قال إن عددا كبيرا من شيوخ السلفيين وقيادات الحزب أصبحوا يتجنبون التعامل مع وسائل الإعلام؛ بسبب تعمدها تحريف تصريحاتهم، واجتزاء كلامهم؛ حتى يشوهوا صورة السلفيين، متهما وسائل الإعلام بالبحث عن إحداث فتنة في المجتمع بين الأقباط والمسلمين، بهدف توريط السلفيين فيها، والقول بأن السلفيين يكفرون الناس.
وحول الأزمة الأخيرة التي أثارتها تصريحات الشيح سالم عبد الجليل، قال خليل، لـ"
عربي21" إن حزب النور موقفه ثابت في هذه القضية، حيث يرى أن الأقباط إخواننا في الوطن، ومعركتنا ليست معهم، مشددا أنه لا يوجد أحد من السلفيين يتمنى أي أذى للأقباط؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال في حديثه: "من آذى ذميا فقد آذاني"، والأقباط أهل ذمة، وواجب علينا احترامهم؛ لأنهم شركاء في الوطن، وهذا لا جدال فيه، والجميع يعلم مواقف حزب النور وعلاقته القوية بالأقباط، حتى أن هناك أقباطا صوتوا لنا في انتخابات البرلمان الأخيرة.
من جهته؛ قال الباحث السياسي محمد شوقي، إن "كثيرا من قيادات السلفيين والدعاة الإسلاميين الذين كانت لهم شهرة كبيرة أيام مبارك، اختفوا عن الساحة، ولم يعد لهم تأثير في المجتمع، بسبب ما حدث في أعقاب ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 من خلطهم بين الدين والسياسة".
ولفت إلى أن "عددا كبيرا منهم فقد شعبيته بسبب الخلافات السياسية، ومهما استمروا في الظهور الإعلامي، فلم يعد لديهم القدرة على الحشد أو التأثير في المجتمع كما كان يحدث في السابق".