"رحم الله الإمام
حسن البنا.. لو كان حيا لفعلها، لأخذ خطوة إلى الوراء وحافظ على الجماعة والوطن في آن واحد، ما كان ليفصل أحدهما عن الآخر".. كانت هذه صرخة من خلف قضبان الانقلاب في
مصر؛ أطلقها المعتقل
عيد البنا، مطالبا جماعة الإخوان المسلمين بالخروج من المشهد السياسي لإنقاذ آلاف الشبان المعتقلين.
وتتزامن دعوة المعتقل البنا مع الكشف عن وثيقة داخلية لجبهة القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمود عزت، صادرة بتاريخ 2 أيار/ مايو الحالي، تؤكد تخليها عن مبدأ عودة الرئيس الشرعي محمد مرسي لمنصبه، وهو ما عدّه محللون تراجعا عما تمسكت به الجماعة على مدار أربع سنوات من الانقلاب العسكري.
صرخة عيد
وصاحب الرسالة هو "عيد عبدالغني حسن البنا" من مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، وكان قد حكم عليه غيابيا بالسجن لمدة ست سنوات في 2015، بعد اتهامه بقضيتي "تظاهر" و"تعطيل الانتخابات الرئاسية".
ونجح عيد بتقدير امتياز بالفرقة الأولى في كلية العلوم الشرعية بجامعة القاهرة خلال فترة حبسه.
وفي رسالته التي نشرتها الأربعاء "
عربي21"، طالب المعتقل عيد البنا جماعة الإخوان بخطوة للوراء، وقال: "قد فعلها (مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا) في عهد الملك فاروق، وكان من أدبياته: (لسنا حزبا سياسيا، وإن كانت السياسة جزءا من فكرتنا)".
وخاطب المعتقل قيادات الجماعة بقوله: "رحم الله الإمام البنا، لو كان حيا لما رضي أن يكون عشرات الآلاف من أبناء دعوته ومن ناصروهم قابعين في
السجون وهو لا يملك رؤية لإخراجهم".
وأضاف: "لو كان البنا حيا لما استعلى على المبادرات التي تُطرح من أول يوم، ولما سارع برفضها واستنكارها، ولقرأها بعين الوطن الذي يتآكل، والشباب الذي ينهار، ولأمسك بطرف أحدها دون مكابرة أو استعلاء".
ويقبع في سجون مصر أكثر من 60 ألفا من المعارضين من جميع التيارات السياسية، ولكن أكثرهم ينتمون إلى جماعة الإخوان، ويعيشون جميعا أوضاعا تصفها المنظمات الحقوقية بـ"الصعبة وغير الإنسانية".
من يضمن النظام؟
وحول رسالة المعتقل البنا؛ قال الكاتب الصحفي خالد نور، إن "بعض الشباب في السجون أصابهم اليأس، بسبب ضيق الأفق، وانعدام الرؤية، وحرق المستقبل أمام أعينهم، لذلك هم يطالبون بالرجوع خطوة إلى الخلف حتى يخرج المعتقلون".
وأضاف نور عبر صفحته في موقع "فيسبوك" أن "حلم الخروج من السجن مشروع، لكن يمكن أن تؤدي توابعه إلى إبادة للحركة الإسلامية كلها، وضياع حلم مصر في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، مطالبا المعتقلين بـ"الصبر".
مقايضة ابتزازية
من جهته؛ أبدى الكاتب الإعلامي المقرب من جماعة الإخوان، حازم غراب، تعاطفه مع ما يعيشه المعتقلون وأسرهم، معترضا في الوقت نفسه على طرح المعتقل البنا.
وقال لـ"
عربي21" إن "الموضوع لا يمكن معالجته بهذا القدر من التبسيط، ولا أقول التسطيح، أو المقايضة الابتزازية".
وحول الدعوة إلى خروج "الإخوان" من المعترك السياسي المتشابك والمعقد لحلحلة الأزمة؛ رأى غراب أن "السياسة تتداخل علميا ومجتمعيا ودينيا، بدءا من مفهوم إماطة الأذى عن الطريق والرفق بالحيوانات الضالة، وانتهاء بكلمة حق عند سلطان جائر.. و(من مات دون ماله وعرضه فهو شهيد) كما في الحديث النبوي الشريف".
معادلة غير متوازنة
من جانبه؛ رأى المحلل السياسي محمد الزواوي، أن "المشكلة الآن ليست في خطوة من جماعة الإخوان، أو خطوات إلى الوراء، بقدر ما هي قضية معادلة أصبحت غير متوازنة"، مستدركا بأنه "مع تراكم الأخطاء والإخفاقات؛ بعُدت الجماعة عن قدرتها على التأثير".
وتساءل الزواوي: "حتى لو عرض الإخوان مصالحة؛ فما الذي يجبر النظام على قبولها، لا سيما في ظل حاجة النظام إلى (أهل شر) لتجييش المجتمع خلفه وتخويفهم دائما من البديل؟".
وأضاف: "كان يمكن اتخاذ خطوات للوراء في مناسبات عديدة قبل وقوع الانقلاب العسكري، وقبل تمكن النظام الانقلابي من إحكام سيطرته على كل مفاصل الدولة بالحديد والنار".
وأكد أن "أية عملية تفاوض يمكن أن تجرى مع النظام حاليا؛ ستكون مؤلمة لجماعة الإخوان التي باتت لا تملك أدوات للتأثير في المعادلة الداخلية، فضلا عن وضعها الإقليمي والدولي، حيث باتت تحت مقصلة وسمها بأنها إرهابية".
وتابع الزواوي: "إلى جانب تمزقها الداخلي، ومحنة أعضائها في السجون؛ فإن خيارات الجماعة تتقلص يوما بعد يوم، وهذا نتيجة بطء الحركة من البداية، وعدم وضوح الرؤية الاستراتيجية لقادتها".