كشف تورط عشرات القيادات الأمنية، وضباط وأمناء الشرطة، الحاليين والمفصولين بمصر، في قضايا فساد مالي وأخلاقي، عن ضرورة فتح الباب أمام إصلاح المنظومة الأمنية، ومعالجة الخلل في قوانين المحاسبة والردع، بحسب خبراء ومحللين أمنيين.
وفي آذار/ مارس الماضي؛ تورط ثلاثة ضباط وأمينا شرطة بقسم شبرا الخيمة ثانٍ، في قضية سلاح.
وفي قضايا
التعذيب؛ أحيل في الشهر ذاته، ثلاثة ضباط للجنايات بتهمة تعذيب سائق وتزوير تقرير وفاته.
وأما في ما يتعلق بقضايا
الرشوة؛ فقد أحيل ضابط وثلاثة أمناء شرطة للمحاكمة، بتهمة تلقي رشوة لتهريب صقور بمطار القاهرة في شباط/ فبراير الماضي.
وفي قضايا معاونة العصابات المسلحة؛ كشفت قضية "عصابة الدكش" في حزيران/ يونيو الماضي، عن تورط 15 ضابطا بمديرية أمن القليوبية في تسهيل نشاط تجارة المخدرات والأعمال الإجرامية.
غياب الرقابة والإرادة
وفي هذا السياق؛ قال الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ومدرس مساعد علم الاجتماع السياسي بجامعة جورج ميسن الأمريكية، عبدالله هنداوي، إن "علينا أن ندرك وجود تجاوزات في كل دول العالم، ولكن الفرق بين بلد وآخر؛ هو كيفية التعامل مع التجاوزات، ووضع حد لها".
وأضاف لـ"
عربي21": "إذا نظرنا إلى
مصر؛ فسنجد أنه لا توجد إرادة سياسية لوضع حد لتلك التجاوزات، فالنظام المحاسبي والرقابي في مصر؛ لا يتمتع باستقلالية حقيقية تمكنه من محاسبة المتجاوزين في السلطة التنفيذية".
ورأى هنداوي أن غياب الرقابة والمحاسبة في الوقت الحالي "يسهم في زيادة معدلات تجاوزات رجال الأمن، بينما تظل أجهزة الدولة في حالة نفي تام، أو على أقصى تقدير نعتها بالحالات الفردية".
تهديد للأمن القومي
من جهته؛ أرجع الخبير الأمني العميد محمود قطري، ما يشهده الجهاز الأمني من تجاوزات بحق المواطنين، أو استغلال للسلطة والنفوذ، إلى "حالة الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات، وما تبعه من تحول البلاد إلى سوق مفتوح، بلغت أوجها في عهد الوزيرين السابقين حسن الألفي وحبيب العادلي إبان حكم حسني مبارك".
وقال لـ"
عربي21" إنه "للمرة الأولى؛ نشهد منذ عقود قيادات أمنية مليونيرات وأصحاب أموال وقصور وأبراج سكنية، وبعضهم كوّن ثروة بمئات الملايين من الأراضي، ومن التعاون مع رجال عصابات الاتجار في المخدرات والسلاح والتهريب".
وحذر من خطورة تفاقم هذا السلوك، قائلا إن "هذه التصرفات لها دلالات في منتهى الخطورة؛ لأنها تهدد الجهاز الأمني لمصر كلها، وتنبئ عن وجود خلل في منظومة الأمن، وفي صناعة رجل الأمن، وفي تصرفاته"، مؤكدا أنها "ليست حالات فردية، وإنما تحولت إلى شبه ظاهرة".
ورأى قطري أن "كل ما يحدث هو من أجل المال، فلدى رجل الأمن الكثير من السلطة والإغراءات والمال، فعندما يأخذ ضابط رشوة بملايين الجنيهات؛ فماذا يضيره لو تم فصله أو طرده من عمله؟".
إصلاح المنظومة الأمنية
أما الباحث في شؤون الأمن والإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية، أحمد كامل البحيري؛ فقال إن "الأنباء عن القبض على أفراد وقيادات في جهاز الشرطة من حين لآخر؛ هو أمر مقلق من ناحية المنظومة الأمنية، ولكنه صحي من الناحية المنظومة الرقابية".
وأضاف لـ"
عربي21": "في كل قطاع هناك عناصر فاسدة، ولكن عندما يتعلق الأمر بفساد في الجهاز الأمني بجرائم جنائية، بل وبعضها
جرائم إرهابية، كما في حادثة حلوان التي راح ضحيتها ثمانية أفراد شرطة، والمتورط فيها أربعة ضباط شرطة، فالأمر أدعى للتدبر والتحوط له".
ورأى أن "هناك احتياجا لإصلاح منظومة الأمن، لا هدمها وبناءها، وذلك من خلال استحداث إدارات جديدة، وتدريبات جديدة، كما نحتاج إلى تقوية أجهزة الرقابة، بالإضافة إلى ربط الأجور في الجهاز الأمني بطبيعة العمل ومخاطره، لسد الذرائع أمام الرشاوى والفساد".
أخطاء متراكمة
من جانبه؛ قلل مدير مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجية، اللواء علاء بازيد، من تزايد قضايا الفساد في صفوف المنظومة الأمنية، وقال إن هذه القضايا "لا تعبر عن اتجاه عام، ولا يمكن اعتبارها ظاهرة أو منهجا داخل الوزارة".
وأضاف لـ"
عربي21": "لدينا أكثر من نصف مليون فرد شرطة، من بينهم نحو 38 ألف ضابط، وبكل تأكيد لا بد أن تقع أخطاء فردية مع وجود هذا العدد الكبير".
وأكد أنه "قبل ثورة يناير؛ كانت تقع أخطاء ولكن يتم التستر عليها، أما الآن فلا يوجد أي تستر"، مقرّا في الوقت ذاته بأن "الفساد موجود في قطاع الشرطة كما في كل القطاعات، ولكن القانون أحيانا يكون عاجزا وغير رادع، وهو بحاجة إلى تعديل".
وأرجع وجود بعض العناصر الفاسدة إلى أن "التعيين في جهازي الشرطة والقضاء كان بالوساطة والمحسوبية في السنوات السابقة لثورة يناير، والتحق بهما عناصر لا تصلح للعمل" على حد قوله.