هنا البيت الأبيض الأمريكي..
السيسي مر من هنا، ومن هنا أعلن أنه ومصر في خدمة سيد البيت الأبيض
ترامب، سواء كان في مشروعه ضد الإسلام والمعروف إعلاميا بمكافحة الإرهاب، أو في مشروع صفقة بيع قضية فلسطين للأبد.
ومن هنا مر السيسي ليلتقط صورة في مكتب السيد ترامب على غير ما تقتضي البروتوكولات..
لكنه مر وابتسم، وقام جهابذة إعلامه بتقديم تفسيرات إيجابية لأكبر إهانة سياسية يتعرض لها مسؤول في البيت الأبيض.
ليس هناك ثمة ألغاز في زيارة الجنرال السيسي للبيت الأبيض، ولا يتعدى الأمر سوى كونه كلمات متقاطعة يمكن لقارئ الصحف المتمرس أن يحلها في دقائق معدودات.
فلا يتمتع أي من الرئيس الأمريكي أو الجنرال قائد الانقلاب
المصري بأي مصداقية داخل بلاده، فالأول ينظر إليه على أنه عميل محتمل لروسيا، والثاني ينظر إليه على أنه انقلابي بامتياز وعميل للكيان الصهيوني، ولكنه يصلح كعميل محتمل للإدارة الأمريكية، وبشروط قاسية للغاية.
ترامب يعيش تغريبة الحكم في البيت الأبيض، فالفضائح تلاحقه ليل نهار، ورجاله يسقطون الواحد تلو الآخر في فخ إما الإقالات أو الاستقالات أو الاستجوابات والتحقيقات التي ربما تأتي برأس ترامب نفسه على طبق من فضة لتنهي نزوة رجل أعمال متهرب من الضرائب صادفه فشل المؤسسة العميقة فنجح، ولكن تاريخه القديم قد يودي به عما قريب، هذا الرجل الأمريكي يفتعل المعارك الجانبية؛ لكي يهرب من الإجابة على الأسئلة الجوهرية والمهمة، وهي علاقته بروسيا وبالنساء أيضا.
قائد الانقلاب يواجه المصير ذاته، فقد جاء بانقلاب عسكري واضح المعالم لا يشك في كونه كذلك، حتى الذين أيدوه بالأمس استدركوا اليوم وعادوا يقولون ما كنا نقوله نحن في معسكر أنصار الشرعية.
السيسي يفعل ما يفعله ترامب، وهو يواجه أزمة شرعية حكمه، يتهرب من هذا الكابوس بمشاريع قال عنها إنها قومية وعملاقة، وثبت للجميع أنها فنكوشية بجدارة.
يهرب السيسي من استحقاقات المساءلة عن جرائمه باعتقال كل معارضيه وإغلاق كل منافذ التعبير عن الرأي، كما يهرب من استحقاقات الفشل الاقتصادي بالخضوع لشروط صندوق النقد الدولي، ويتهرب من استحقاقات دعم الخليج لانقلابه بالقفز على أحكام القضاء القاطعة الباتة في مصرية الجزر التي أراد إهداءها للسعودية.
ترامب على النهج ذاته؛ كلما ضيقوا عليه الخناق افتعل مصيبة جديدة ليتحدث عنها الإعلام (آخرها قصف قاعدة الشعيرات السورية بتسع وخمسين صاروخا) في محاولة للهروب من السؤال الكبير حول خيانته المحتملة لأمريكا وفضائحه التي يمسك بتلابيب أسرارها فلاديمير بوتين رئيس روسيا رجل المخابرات القديم.
قام ترامب بتعيين صهره في البيت الأبيض، فلما هاجت الصحافة الأمريكية تجاوزها ليعلن عن تعيين ابنته مستشارة بدون أجر في البيت الأبيض، ولكنها كمستشارة ستتمتع بميزات عدة ومنها الاطلاع على معلومات سرية وحساسة في الدولة.
السيسي يواجه غضب الشارع بتعديلات وزارية وتغيير للمحافظين ويأتي بالأسوأ مكان السيئ ليزداد الناس غضبا وينخرطون في حوار حول هذا الوزير أو ذاك المحافظ لتضييع الوقت ولتشتيت الأنظار عن القضية الكبرى وهي الشرعية، سواء شرعية الوصول إلى السلطة أو شرعية الإنجاز، والاثنان معدومان حتى تاريخه.
يعلم ترامب أن تجاوزات حدثت في الانتخابات الأخيرة وأن الاختراقات الروسية ربما تكون قد حسمت الانتخابات لصالحه ولكنه وعوضا عن مواجهة الأمور فإذا به يلف ويدور ويناور تارة يمينا وتارة يسارا ثم يهدد ويتوعد ويطلق صواريخه على القاعدة العسكرية التي تم إخلاؤها من المعدات والعتاد قبل قصفها كما صرح مسئولون روس بأن إدارة ترامب أخبرتهم قبل القصف بساعتين وبالتالي أخبرت روسيا حليفها بشار، وبالتالي كانت النتيجة فشل جديد.
يعلم السيسي أنه أكبر منتهك لحقوق الأنسان المصري والإيطالي أيضا ولكنه بدلا من أن يقدم المجرمين للعدالة يتهرب ويروغ مراوغة الثعلب الماكر ويصل به الأمر إلى الاعتراف بانتهاك حقوق الأنسان ولكنه يطالب الغرب بإطعام شعبه لأن الطعام والشراب جزء مهم من حقوق الأنسان، وكأنه لم يحصل على مليارات ضيعها وثروات أبادها وأفناها، وبدلا من تقديم خطة لتعديل سلوكه تجاه شعبه إذا به يتحدث ليل نهار عن الإرهاب وعن أمن الكيان الصهيوني وعن سلام مزعوم بين كيان غاصب ومحتل وبين حكومات تضطهد شعوبها ولكنها تسعى إلى اعتراف أمريكا بها كحاكم شرعي ولو على جثث وجماجم شعوبها.
يعلم ترامب أن السيسي إلى زوال ولكنه يستخدمه كأداة في معركة - توقعنا أن يخوضها وقد بدأها ولو بشكل بهلواني -في طريقه للبحث عن مخرج لأزمته الداخلية، تماما كما يفعل أي مستبد في أي بلد من بلدان العالم الثالث " للأسف ".
ترامب يريد خوض حرب خارجية على نطاق قد يكون أوسع من ضرب بعيد المدى لبعض المواقع السورية - لعله ينجح في وقف الحرب الداخلية ضده أو عليه، فالأمور تتعقد مع الداخل الأمريكي ووعود ترامب مثل وعود السيسي فنكوش كبير والأوربيون يدركون أن ترامب هو الرئيس الغلط بالنسبة لأوروبا التقليدية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية والتي استقرت على شكل العلاقة مع أمريكا ومع نفسها عبر الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوربي والناتو واتفاقية التجارة العالمية وغيرها.
والسيسي يريد أن يسوق زيارته واستقباله من جانب الرئيس الأمريكي المتهالك على أنها إنجاز تاريخي ولم لا فقد فاز بدعم ترامب شخصيا، ولكنه ولحظه العاثر فقد قام ترامب صديقه المفترض بإعلان الحرب ولو بشكل مبدئي على زميله في الديكتاتورية وقتل مواكنيه بشار الأسد، وفجأة وجد السيسي نفسه في وضع لا يحسد عليه، فالضربة تعني أن ترامب غير مأمون العواقب، ورهانات السيسي على ترامب لحماية الديكتاتوريات العربية ربما ذهبت أدراج الرياح ولو بشكل مؤقت أيضا.
السيسي زعيم منقلب هالك ثبت انتهاء صلاحيته، وترامب رئيس متهالك اقترب موعد نهاية صلاحيته، ولن يخدم الثاني الأول في شيء إلا لفترة قصيرة، وربما تكون نهاية الأول أقرب بكثير مما يتخيل الثاني، خصوصا أن الأول (أي السيسي) لم يعد ما يقدمه، وهذا ما سوف يكتشفه الثاني (أي ترامب) حين يستمع لطبيب الفلاسفة وهو يحدثه عن تجربته العظيمة في إصلاح وتجديد الدين الإسلامي.