مصر تعيش أزمة اقتصادية حادة بارتفاع أسعار السلع والمواد الصناعية - الأناضول
يوما ما كانت في سيناء (شمال شرقي مصر)، قبل أن تتجمع تلك الحبات الرملية، في أيدي عمال مهرة بالإسكندرية (شمال)، ينفخونها بوسائل بدائية عبر نار ملتهبة، فتتحول إلى زجاج لامع، يستخدم كتحف فنية.
حرفة صناعة الزجاج، التي ما يزال أصحابها في مصر يتمسكون بطريقتهم البدائية، واحدة من أقدم المهن في البلاد.
ورغم التطور الواسع في التكنولوجيا، إلا أنها أبت الانكسار، ككثير من المهن والحرف القديمة، تدخل منتجاتها في كل بيت ومصنع مصري، وفق صناع.
فعلى امتداد ألف متر، يتجمع عشرات العمال، في مصنع بحي محرم بك، بالإسكندرية، لإنتاج الزجاج بأشكاله المتعددة، يغلب تصنيع مكونات مرتبطة بشكل كبير بالأدوات والتحف الكهربائية، على إنتاجهم.
مدير مبيعات المصنع كريم عبد العزيز، تحدث عن مهنة صناعة التحف والمواد الزجاجية، التي تتوارثها عائلته منذ عشرات السنين.
الشاب الثلاثيني، يقول إن "صناعة الزجاج من الصناعات العتيقة في مصر عامة والإسكندرية خاصة، ومصدر رزق للكثيرين بالحي الذي يقام عليه المصنع المذكور".
يعمل بالمصنع المشيد منذ ستينيات القرن الماضي، نحو مائة عامل، من الجنسين، كل حسب دوره، دون الاعتماد على أطفال، بسبب تخوف أصحابه من تأثير حرارة المكان الذي تستخدم فيه نيران تصل درجة حرارتها نحو 4 آلاف درجة مئوية، بجانب خطورة بواقي الزجاج (المكسور).
يُصنَّع الزجاج بشكل أساسي من الرمال، وفي المصنع المشار إليه، يأتون بتلك الرمال من سيناء.
وتمر صناعة الزجاج بعدة مراحل، تبدأ بتجميع كيماويات الخلطة، وهي عبارة عن رمال، كربونات الصوديوم، الملح، الحجر جيري، وأغلبها مواد مستوردة، باستثناء الرمال.
وبحسب عمال المصنع، فإن المواد الأساسية التي تستخدم في تصنيع الزجاج، هي الرمال التي تحتوي على حمض السيليكون، الصوديوم الذي يساعد في تقليل درجة انصهار الزجاج، وبالتالي المساعدة في التحكم بتشكيله، وأكسيد الكالسيوم والذي يعطي الزجاج صلابته.
وتقوم طريقة التصنيع على نفخ الخليط في النار، بدرجات حرارة عالية تتراوح ما بين 3 و4 آلاف درجة مئوية، ووضع تلك الخلطة في الفرن لمدة من 4 إلى 5 ساعات، حتى تأخذ درجة الانصهار المناسبة، للبدء في تصميم الأشكال والكميات المطلوبة.
وفي هذه المرحلة يرتدي العمال قفازات مخصصة ويمسكون بعصا حديدية طويلة لحماية أيديهم من لهيب النار، ثم يقومون بتحريك قطع الزجاج فوق النار بخفة ملحوظة، لتوزيع النار بشكل متساو على جنبات القطعة الزجاجية المراد تشكيلها.
بعد استخرج الخليط من الفرن يتم وضعه في آلة تسمى "التمبرة"، وفائدتها تقوية الزجاج، ومنحه صلابة أكبر، ثم تبدأ مرحلة التحميص وتحويل الزجاج من سادة أبيض إلى مسنفر (أكثر لمعانا).
وعقب سنفرة الزجاج، تبدأ رحلة زخرفة كل قطعة زجاجية على حدة، بوضع الرسومات عليها، وفق الشكل المطلوب.
ويشير مدير مبيعات المصنع، إلى أنهم ينتجون نحو 5 آلاف قطعة يوميا تقريبا، تحتاج نحو ألف عامل يقسمون على المهام المختلفة، وقد يكون من بينهم فتيات للتعبئة.
يبيع المصنع القطعة الواحدة للتجار مقابل نحو 7 جنيهات (نصف دولار تقريبا)، إلى أن تصل للمستهلك بسعر يقترب من الضعف.
يحصل العاملون بالمصنع على مقابل مادي يتراوح ما بين 70 و100 جنيه (3.5 إلى 5 دولارات تقريبا) يوميا، حسب دور كل واحد منهم.
تأثرت إنتاجية المصنع بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار في مصر، كغيره من مصانع عاملة في البلاد، ولم يعد يُصدِر إلى الخارج، كما كان في السابق، نتيجة المنافسة الشرسة، بحسب مدير مبيعاته.
ويوضح كريم أن "ارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة أجر العمالة، أثرت بشكل كبير في الكمية المنتجة، التي لم تعد تكفي حاجة السوق".
وتعيش مصر حاليا أزمة اقتصادية حادة تعترف بها الحكومة، حيث ارتفعت أسعار سلع إستراتيجية ومواد صناعية بصورة غير مسبوقة، مع ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه.
وقررت مصر في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية ليخضع لقواعد العرض والطلب ورفع أسعار الوقود، ولامس الدولار 20 جنيها في السوق المصري.
ولا توجد أرقام رسمية بعدد مصانع الزجاج في مصر، غير أن تقريرا حكوميا صادرا عن شعبة الصناعة والتعدين في العام 2002، رصد أن هذه الصناعة دخلت طورها الحديث في البلاد عام 1932 بإنشاء مصانع شركة النصر للزجاج والبلور (حكومية)، وقد بلغ عدد الشركات المنتجة لجميع أنواع الزجاج نحو 20 شكرة كبيرة، بالإضافة إلى الكثير من الورش الصغيرة المملوكة لأفراد.
ووفق عاملين بالمهنة، يقدر عدد المصانع التي تُدار بطريقة بدائية حاليا بالمئات، أغلبها في محافظات الوجه البحري (شمالي مصر).
ويعد تشكيل الزجاج عبر نفخه، الاختلاف الأبرز بين الطرق التقليدية والحديثة، حيث تتم عملية صب المصهور والنفخ آليا.
فيما تتميز الطرق الحديثة باستخدام آليات أكثر أمانا من التقليدية، من بينها المداخن ومنافذ التهوية الضخمة، والتي لا يعتمد عليها يدويا، وفق مصنعي الزجاج.
وتتميز سيناء، بالرمال البيضاء، التي ترتفع فيها نسبة أكسيد السيليكا، الذي يدخل في صناعة الزجاج، وتتعدد استخدامات الرمال في صناعات السيراميك والموصلات الكهربائية والكريستال والخلايا الضوئية والعدسات وصناعة الزجاج وصناعة الأسمنت الأبيض.
أحمد الصباغ مدير معهد بحوث البترول (حكومي)، قال إن "رمل السيليكا له درجة نقاء عالية، وهو واحد من المعادن الصناعية الهامة في سيناء والذي يعتبر من أجود أنواع الرمال في العالم".
وأشار في تصريحات صحفية، في وقت سابق إلى أن احتياطيات هذا النوع من الرمال الموجودة بسيناء قد تصل إلى 27 مليون طن وهو المكون الرئيسي لجميع أنواع الزجاج القياسية والخاصة.