صدر عن دار البيان في الرياض؛ كتاب للباحث الفلسطيني المختص في الشؤون الصهيونية، صالح النعامي، يحمل عنوان "الجنرال في أثر الحاخام" يرصد فيه الكاتب معطيات تغلغل المتدينين في جيش الاحتلال، وتداعيات ذلك عسكريا وسياسيا.
ويهدف الكتاب الجديد - وفق مؤلفه - إلى تصحيح منظومة معرفية خاطئة لدى القارئ العربي حول العلاقة بين
الجيش والدولة والدين في "
إسرائيل"، كما أنه يهدف من زاوية أخرى إلى إبراز الفرق بين النظام السياسي الإسرائيلي وبين الأنظمة العربية في ما يتعلق بحقوق المواطنة، فالمتدين في إسرائيل مثل أي "مواطن" له الحق في تقلد أي موقع، وذلك خلاف ما يحدث في الوطن العربي من حرمان المتدينين من تقلد المناصب ومن الخدمة في الجيش، رغم أن المتدينين يمثلون أقلية في المجتمع الإسرائيلي، وأكثرية في المجتمعات العربية.
ويفرق الباحث بين نوعين من المتدينين في دولة الاحتلال، فهناك التيار الديني الحريدي الذين يسمى أتباعه بـ"الحريديم"، وهؤلاء لا يؤدون خدمة الجيش في الغالب، وهناك التيار الديني الصهيوني من الذين يخدمون في الجيش.
ويستند الكتاب إلى معطيات شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي، وتفيد هذه المعطيات بأن نسبة المتدينين من أتباع التيار الديني الصهيوني يمثلون ما يقارب 13 في المئة من المجتمع الصهيوني، ورغم ذلك فإن نسبتهم في الجيش ما بين الضباط القتاليين وألوية الصفوة تتراوح بين 35 و45 في المئة، وفي بعض الوحدات تقفز نسبتهم عن الـ50 في المئة.
ويفسر النعامي هذا التغلغل بأنه جاء بناء على توجه أيديولوجي من قبل مرجعيات التيار الديني الصهيوني لاختراق الجيش؛ بهدف مراكمة التأثير على مسار الأمور في الدولة، والتأثير على مراكز صنع القرار، ويذكر أنه تم وضع آليات لتنفيذ هذه الخطة، من بينها اتباع فكرة "المدارس الدينية شبه العسكرية"، وهي فكرة قدمها الحاخام إيلي سيدان إلى الجيش في أوائل الثمانينيات لمواجهة تراجع دوافع الشباب العلماني للخدمة، إذ أدى تطبيق سياسات اقتصاديات السوق والعولمة إلى تحويل اهتمامات الشباب العلماني نحو أهدافهم الشخصية، ولم يعودوا راغبين في مواصلة المسار العسكري بعد انتهاء سنوات الخدمة في الجيش، رغم أن جميع قيادات الجيش من العلمانيين، وهذا الواقع أوجد ثغرة استغلها المتدينون للنفاذ إلى الجيش، فكانت فكرة "المدارس الدينية شبه العسكرية" التي تستوعب الطلاب المتدينين.
ويتحدث الكاتب عن "المدارس الدينية شبه العسكرية"، مبينا أنها مدارس يشرف عليها التيار الديني الصهيوني، وتموَّل من قبل الجيش، وتستوعب الشباب المتدين، وتعدّهم للخدمة العسكرية، ويشرف على فترة الإعداد المرجعيات الدينية والحاخامات الأشد تطرفا، فيصبح الشاب قبل التحاقه بالجيش معبأ عقائديا بطريقة بالغة القتامة، وهو ما يؤثر على سلوكه أثناء القتال ويزيد دافعيته. ومثلت هذه "المعاهد شبه العسكرية" دفيئة للإرهاب، ووسيلة لمأسسة اختراق الجيش من قبل التيار الديني الصهيوني.
ويرصد الباحث أثر اختراق المتدينين للجيش الإسرائيلي في الحروب والحملات العسكرية، ويضرب مثالا على تأثير تغلغل هذا التيار بحرب عام 2014 على غزة، إذ تم تقسيم قطاع غزة بين الألوية الأربعة لجيش الاحتلال، وكانت منطقة جنوب قطاع غزة من نصيب لواء جفعاتي الذي يقوده العقيد عوفر فينتور، وهو خريج مدرسة دينية شبه عسكرية، وكان تحت إمرته اثنان من قادة الكتائب من أصل ثلاثة من المتدينين، و10 من قادة السرايا من المتدينين. ومع بدء العملية العسكرية أعطى فينتور أمرا قتاليا للوائه، وكان أمره القتالي مستوحى من التلمود، ومتأثرا بقصة يوشع بن نون وحروبه مع العمالقة، وكان مما قاله لجنوده: "إنكم الآن متجهون إلى الذين يسبون آلهة إسرائيل".
وقد تجلى تأثير الدوافع الدينية في الحرب الأخيرة على غزة؛ في ارتفاع نسبة جرائم جيش الاحتلال بمنطقة رفح وخانيونس التي عمل فيها لواء جفعاتي، إذ إنه تم تدمير قرية خزاعة بخانيونس، وشهدت مدينة رفح "الجمعة الأسود" الذي شهد هجمات جوية وبرية شنها الجيش الإسرائيلي على المدينة؛ أدت إلى مقتل 135 مدنيا على الأقل، ووصفتها منظمة العفو الدولية بأنها ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.
وفي السياق ذاته؛ يذكر النعامي أنه تم بث صور في القناة العاشرة للعقيد فينتور وهو يقف على ركام أحد المساجد، كما أنه ينقل عن فينتور تأثره بـ"قصص المعجزات" بحديثه أنه في إحدى المرات تأخر الجيش أثناء عملية استهداف "مخربين من حركة حماس" وخشي الجنود من طلوع الشمس قبل انتهاء العملية، وفجأة امتد الظلام حتى أنهوا العملية، وذلك في استلهام لقصة يوشع بن نون حين تأخر غروب الشمس له أثناء القتال.
ويذكر المؤلف أن الجانب الأخطر لتغلغل تيار المتدينين في الجيش الإسرائيلي؛ يتعلق باعتماد دولة الاحتلال على الجنرالات، ليس أثناء الخدمة العسكرية وحسب، وإنما يتحول هؤلاء الجنرالات بعد التقاعد إلى نجوم، وتتم استمالتهم من قبل الأحزاب الإسرائيلية، مشيرا إلى أنه "في حال بقاء الوتيرة على هذا النحو؛ فإن أكثر من 70 بالمئة من هيئة الأركان الإسرائيلية ستكون من أتباع التيار الديني الصهيوني في عام 2027".
وبحسب الكاتب؛ فإن من جوانب تأثير تيار المتدينين في الجيش الإسرائيلي؛ أنهم يحتكرون التقدير المهني الذي يقدم للمستوى السياسي لمساعدته في اتخاذ القرار، وأن الحكومة تعتمد على المادة المهنية المقدمة من الجيش، فإذا كان صاحب التقدير المهني مؤدلجا وصاحب مواقف مسبقة؛ فسيؤثر ذلك على التقدير المهني الصادر عنه، وهو ما حدث فعلا مع رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات يعكوف عامي درور، الذي كان متدينا، وكانت تقديراته المهنية متأثرة بأفكاره الدينية.
ويخلص الكتاب إلى أن خطوة تغلغل تيار المتدينين لا تتمثل في كونهم قادة الجيش وحسب، بل في أنهم صناع القرار السياسي مستقبلا، ويقرأ النعامي هذه الظاهرة بأنها تعكس الانزياح من طرف التطرف إلى جنون التطرف، وأن تفاقم هذا التيار لا يمكن تشبيهه بطبيعة الخلاف بين الليكود والعمل مثلا، فأتباع هذا التيار يتعاملون مع السياسة من منطلق عقائدي، وتوليهم مواقع القيادة في الجيش يشكل مقدمة لصبغ القيادة المستقبلية لدولة الاحتلال في اتجاه مزيد من الحروب والتشدد، وهو ما ينسف أي أحلام وردية بإمكانية التسوية السياسية.