قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن معركة السيطرة على
الرقة "ستختبر قدرة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد
ترامب على إجراء الاتفاقات"، موضحة أن العملية تحتاج إلى دبلوماسية دقيقة بجانب العمل العسكري.
وقال محرر شؤون الشرق الأوسط في المجلة، ديفيد كينر، إن "ترامب مؤكد أنه يخطط لإنهاء تنظيم الدولة"، واصفا نفسه بأنه "الزعيم الذي يستطيع أن يوجه ضربة قاسية للمنظمة المتطرفة".
واستدرك الكاتب بأن ترامب سيجبر على التصالح مع وقائع الحرب المعقدة التي لم يرد أن يعترف بها، مشيرا إلى معركة الرقة، العاصمة الفعلية لتنظيم الدولة، التي فشل المسؤولون الأمريكيون في تدميرها.
ومن الحتمي أن يشارك الجيش الأمريكي في المعركة القادمة.. ففي 24 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، أعلن البنتاغون أن جنديا أمريكيا قتل بعبوة ناسفة قرب الرقة، ليكون أول قتيل أمريكي منذ انتشار العمليات الخاصة في
سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2015.
حرب بين الحلفاء
يشار إلى أن الحرب بين حليفي أمريكا الرئيسين في شمال سوريا، تعني أن استعادة الرقة تتطلب أكثر من القدرة العسكرية لواشنطن، بحسب "فورين بوليسي".
ودعمت الولايات المتحدة، عملية تقودها قوات سوريا الديمقراطية لاستعادة المدينة، وأعلنت بدء الهجوم في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، وسيطرت على عدة قرى خارج الرقة.. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن أن الثوار المقربين من أنقرة واصطدموا مع قوات سوريا الديمقراطية، يسعون للسيطرة على الرقة كذلك.
ولا يؤدي تنفيذ الوعدين إلا إلى خسارة جماعية، باستثناء تنظيم الدولة، بحسب كينر.
وأشار التقرير إلى أن القوة المهيمنة في قوات سوريا الديمقراطية، هي "وحدات حماية الشعب" الكردية، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي خاض حرب مدن على مدى عقود ضد
تركيا، ولذلك فإن أردوغان يعتبرها "منظمة إرهابية"، واصفا الدعم الأمريكي لها بـ"الساذج".
وقال أبو يوسف الراعي، مراسل وكالة "سمارت" الموجود في مناطق سيطرة الثوار بعد عملية درع الفرات، إن "كل ما يجري في المنطقة، والاختلافات والصراعات، تساعد داعش على استعادة قوتها وتنظيم جبهاتها".
"حل عقدة"
وبذلك، تتطلب هزيمة التنظيم حل عقدة في التحالف الذي تقوده أمريكا؛ وقال نوح بونسي، كبير محللي "مجموعة الأزمات الدولية" حول سوريا، إن كلا من أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية مهم جدا للقتال ضد تنظيم الدولة.
وفي الوقت نفسه، بحسب بونسي، فإن قرار واشنطن إلقاء كل ثقلها وراء أي جانب، دفع كلا من أنقرة والقوات الكردية إلى التقدم بأسرع ما يستطيعان، وإن كان ذلك سيؤدي إلى احتدام الصراع فيما بينهما.
وأضاف: "هذه الظروف تحفز كل طرف لخلق حقائق واقعية على الأرض، وترفع خطر التجاوز، ما يعني دائرة من التصاعد المشترك بين الأطراف على الحدود السورية التركية".
أما المعركة الحالية بين القوات الكردية وبين تركيا اليوم، فهي معركة الباب، حيث تقدمت كل الأطراف على طول أميال حول الباب، من أجل تحقيق السبق على الأرض الذي يعتبره كل منهما أساسيا لطموحاته الإقليمية.
وقال صالح مسلم، نائب رئيس "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي تنتسب له "وحدات حماية الشعب"، إن "تركيا لا تقاتل داعش"، مضيفا أن "الهجوم في الباب وتوقيته يهدف لمساعدة داعش، بينما نعمل نحن في قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش، بحيث لا يركزون على الرقة، ولا يبدأون معركة أخرى".
وأبدى أبو يوسف الراعي، استياءه من أن الثوار المدعومين من تركيا لا يستطيعون إلقاء ثقلهم العسكري لقتال تنظيم الدولة، لأنهم دائما متحفزون خشية هجوم من القوات الكردية على جبهات أخرى، قائلا إن معركة الباب كان يجب أن تكون "سهلة جدا"، لكن "وجود المليشيات الكردية أجل المعركة وتطلب تخطيطا أكبر".
غضب من أمريكا
وكانت إدارة أوباما توسطت بين الجانبين للحد من عمليات "قوات سوريا الديمقراطية" العسكرية شرقي نهر الفرات، ومنح الثوار المدعومين من تركيا قدرة على التحرك غربيّه، لكن هذه الجهود لم تؤد إلا لتقليل محدود للعداوة بين الجانبين، ورفعت شكوكهم في واشنطن.
وأبدى قادة "قوات سوريا الديمقراطية" غضبهم مما يعتبرونه دعما أمريكيا للهجوم التركي، حيث قدم الجيش الأمريكي مرارا دعما جويا لقوات أنقرة في أول أيام الهجوم التركي في سوريا، بينما تلقى بعض الثوار المشاركين أسلحة أمريكية.
وقالت إلهام أحمد، مساعدة رئيس الجناح السياسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، إن السياسة الأمريكية "ملتوية"، معتبرة أنه "إما أن إدارة أوباما ضعيفة جدا لمواجهة الكرد، أو إنها وصلت إلى تفاق سري مع أنقرة بدعم طموحاتها في الباب، مقابل تنازلها عن عملية الرقة".
وتابعت: "أمريكا تقاتل الإرهاب من ناحية، وتتفق مع أولئك الذين يقاتلون من يقاتل الإرهاب من ناحية أخرى".
ويتقدم كل من حلفاء أمريكا ضد تنظيم الدولة، حيث ساعدت الضربات التركية الثوار على الاقتراب من الباب، بينما ما زالت قوات سوريا الديمقراطية على مسافة من الرقة، وقدرت أحمد أن عملية الاستعادة "ستتطلب شهورا".
لا يمكن تجاهله
وفي حين يتراجع التنظيم، فإن العداء يتصاعد بين الأكراد وأنقرة إلى حد لا يمكن لإدارة ترامب تجاهله، فسيكون عليها إدارة معركة الرقة، وفي الوقت نفسه سيكون عليها أن تتأكد أن نهاية الحرب لن تكون باشتباك هذه الأطرف معا.
وقالت جينيفر كافاريلا، محللة الشؤون السورية في "معهد دراسة الحرب"، إن التحدي لواشنطن سيضع حدا لكل من طموحات أنقرة ووحدات الحماية الشعبية، وسيطور خطة لمستقبل شمال سوريا يتجاوز هزيمة تنظيم الدولة.
وقالت كافاريلا إن "تركيا تضع حدودا على الممكن في شمال سوريا، بينما تحاول تركيا تحقيق مطالب تركيا بدون أن تخسر الأكراد كحليف"، داعية الولايات المتحدة إلى أن "تدرك التأثير الذي تملكه على كلا الطرفين، واستخدامه لإجبارهما على الوصول لناتج يرضي الجميع، بدل ملاحقتهما وهما تسعيان لتحقيق أهداف قصوى".
وكان ترامب أشاد بكل من أردوغان والقوات الكردية، لكنّ كيفية تخطيطه الآن للوصول لتسوية بين القوات المتنافسة لا تزال غامضة.
واختتمت "فورين بوليسي"، بقولها إنه بدون تسوية كهذه، فإن الحرب السورية ستستمر، والفراغ السياسي الناتج قد يمنح تنظيم الدولة فرصة للصعود مجددا، مؤكدة أن "الجانب العسكري في المعركة ضد تنظيم الدولة، هو الجانب السهل".