كشفت الثورة السورية بعدما أجبرها النظام على الانتقال من سلمية الحراك إلى عسكرة الثورة، عن الوجه الحقيقي للمشروع
الإيراني في المنطقة، بعدما اختار نظام الملالي في طهران الاصطفاف إلى جانب النظام السوري القاتل لشعبه، وبعد تمدده خارج جغرافيته ليفرض وجوده وحضوره في عواصم عربية، ليزيد حرائقها المشتعلة اشتعالا وتأججا.
الوجه المذهبي الطائفي لجمهورية إيران الذي بات مكشوفا بشكل فاضح، حمل الكثيرين ممن كانوا يشيدون بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، والمؤازرة لحركات المقاومة الإسلامية، للانقلاب عليها والوقوف في وجه مشروعها الطائفي التوسعي، القائم على ميراث قومي قديم، ألبسته ثوب المذهبية الدينية، بتمسكها الظاهر بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية.
وقد تكاثرت الكتابات المحذرة من المشروع الإيراني التوسعي في العالم العربي، بعدما كشفت إيران عن وجهها الحقيقي، بتدخلها العسكري المباشر في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول العربية الذي بات أمرا يقينيا ثابتا، وبالممارسات الوحشية التي تقترفها المليشيات الشيعية المسلحة الممولة والموجهة من إيران بحق أهل السنة من مواطني تلك الدول.
في هذا السياق، يأتي كتاب "حتى لا يستباح الحرم.. قراءة حالية ومستقبلية في أبعاد المشروع الإيراني" للأكاديمي الشرعي المصري، الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل، والصادر سنة 2016 عن مركز البيان للبحوث والدراسات ليسلط الأضواء الكاشفة على المشروع الإيراني التوسعي، المشبع بالثارات الدينية المفتراة، والمحمل بحمولة المظلوميات التاريخية المدعاة.
الخلفيات المذهبية للمشروع الإيراني
استعرض المؤلف في الفصل الأول ما أسماه "الخلفيات الخرافية للمشروع الإيراني"، أطال فيه النفس لتوضيح العقائد الدينية المؤسسة للمذهب الإمامي الاثني عشري، ولأن "المشروع الإيراني مشروع مذهبي طائفي عنصري"، على حد وصف المؤلف "فقد لزم الإلمام بخلفياته الاعتقادية والتاريخية التي تمثل قوة تحريك جبارة للطاقات العدائية والتحركات التخريبية ضد كل ما يتعلق بالسنة وأهلها".
ومثل المؤلف لذلك بقوله: "فإذا كان التمهيد وبذل الجهود مثلا لخروج مهديهم المنتظر، هو الغاية الأبعد لذلك المشروع وللدولة التي قامت عليه، فليس هناك ما يعطي إيضاحا صريحا وصارخا أكثر من استعراض منظوماتهم الاعتقادية المتعلقة بذلك المنتظر، الذي يعد أيقونة ثورة إيران، ورمز دولتها، وفارس أحلام إعادة إمبراطوريتها".
وتابع قائلا: "وإذا عرفنا أن تلك الشخصية المركزية عندهم ـ ماضيا وحاضرا ومستقبلا ـ لن تهتم حال خروجها المزعوم بمكان أكثر من اهتمامها بمكة والمدينة ومقدساتهما، لا لإعمارهما بل لتخريبهما، ولن تهتم أو تغتم بصنف من الناس حتى تشفي غليلها منهم مثل أهل السنة، لعرفنا كم هو واجب أن نحيط بعقائد القوم وفكرهم، لنعرف أبعاد خططهم ومكرهم".
ووفقا للكتاب فإن المشروع الإيراني التوسعي، ما هو إلا تطبيق عملي لمعتقدهم النظري، ولا بد لمن يريد فهم أبعاد هذا المشروع أن يُلمَّ بمجمل تلك العقائد، ليراقب أثرها المطبق في خططهم وخطواتهم الماضية والحاضرة، ويستشرف تأثيرها في مسيرتهم المستقبلة، حيث يمكننا أن نقول باطمئنان: "إنه لن يفقه حقيقة مشروعهم إلا من فهم معتقدهم.."، على حد قول المؤلف.
تأتي (الإمامة) و(الولاية) في مقدمة المنظومة العقائدية للإمامية الإثني عشرية، وهي عندهم "أصل من أصول الدين، وركن من أركان الإيمان، ومعناها الاعتقاد بأحقية علي بن أبي طالب في الخلافة هو والأحد عشر المنصوص عليهم من ذريته". ويعتقد الشيعة الإمامية بـ"كفر من تولى الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير علي وذريته، ويصرحون بكفر من رضي بذلك وأقروه".
وعدد المؤلف جملة الأصول العقائدية المؤسسة لمذهب الإمامية، فجاءت كالتالي: العصمة، تقديس القبور، كفر معظم الصحابة، كفر عموم أهل السنة، تحريف القرآن، إباحة الكذب (التقية)، الرجعة، وختم التاريخ بالمهدي المنتظر.
وأوضح المؤلف أن مهدي الشيعة ـ طبقا لعقائدهم ـ "سيخرج ثائرا لمقتل الحسين، وأن قتلته بالأمس سيُستدعون من بطون التاريخ وأعماق القبور ليُقتلوا"، واستغرب المؤلف تخصيص قتل الحسين بكل ذلك الغضب، مع أن من هو خير، وهو أبوه علي وعمه حمزة وأخوه الحسن قد قتلوا ـ رضي الله عن الجميع ـ فلم يفعل الشيعة بشأن قلتهم شيئا مما أغراهم به السبئيون...
كيف تحولت الخرافة إلى واقع
ووفقا للمؤلف، فإن تحول تلك العقائد إلى أمر واقع يرجع إلى قيام الثورة الإيرانية، التي تحولت إلى دولة (جمهورية)، ثم تطلعت إلى أن تكون إمبراطورية تطمح لإدارة ما حولها لحسابها، كما كان شأن الفرس أول مرة، وشكك المؤلف في سرعة قيام الثورة وتحولها إلى دولة في شهور، واصفا إياه بالأمر المريب، إذ إنه "لم يعهد في التاريخ الحديث المعروف أن ثورة تفاعلت في أيام، لتتحول إلى دولة في شهور، ثم يذهب بها الطموح لتتحول إلى قوة إقليمية نووية في غضون سنوات، حتى يصل بها الجموح لأن تصير قطبا إمبراطوريا دوليا خلال عقود معدودة..".
وأشار المؤلف إلى أن الشيعة الإمامية يعتقدون أن الإمام "الشرعي" الثاني عشر والأخير قد غاب بإرادة الله، فقد كان لازما أن يبقى مكانه شاغرا تعظيما لهذه الإرداة، إلى أن يخرج بالإرادة الإلهية ذاتها، فيتبوأ المكان الذي لن يستطيع أحد من الخلق مَلْأَه... وقد حدث قيام كيان سياسي للشيعة على يد الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي، الذي أسس الدولة الصفوية في إيران، فحولها إلى المذهب الشيعي الاثني عشري بالقوة والقهر بعد أن كانت سنية تماما.
لكن الدولة الصفوية بعد سقوطها وانتهائها، رجع الأمر كما كان عليه عند الشيعة الإمامية، بإنتظارهم ظهور الإمام الغائب، حتى جاء زعيم الثورة الدينية الإيرانية (آية الله الخميني) فقطع هذا الانتظار الذي رآه سلبيا، ودعا إلى انتظار إيجابي يقوم على تهيئة الأرض لمجيء الموعود، من خلال كيان قوي فاعل على الأرض ومتفاعل معها، وقادر عى توفير المطلوب لبقائها قوية حتى يخرج المهدي، وهنا ربط الخميني بين الزمن الشيعي الماضي والحاضر والمستقبل، وقد صاغ الخميني فكرته تلك بما أسماه "ولاية الفقيه".
وذكر المؤلف أن الخميني ألَّف في الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي كتابه (كشف الأسرار) ليعالج فيه كيفية إقامة دولة للشيعة في إيران، دونما انتظار لمجيء المهدي، ثم ألَّف في الستينيات كتاب (الحكومة الإسلامية)، وفصَّل فيه نظرته ونظريته عن الدور الذي ينبغي أن تقوم به دولة الفقيه نيابة عن الإمام المنتظر، الذي اقترب انتظاره من 1200 سنة.
وبناء على تلك النظرية (ولاية الفقيه)، فإن الخميني استطاع أن يقيم دولة للشيعة، بعد نجاح ثورته، وها هي اليوم تتطلع لأن تكون إمبراطورية قادرة على التحول إلى قطب دولي يجزمون بأنه سيتحول مع مجيء المهدي إلى قطب وحيد له حاكم واحد هو المهدي المنتظر، الذي يجزم علماؤهم اليوم أن عصر ظهوره قد أظلَّ الدنيا.
وبين الكتاب أن "نظرية (أم القرى) التي وضعها محمد جواد لاريجاني، تسعى إلى نقل إيران من
الإمبراطورية إلى العالمية، وهي تأسيس سياسي وتنفيذي لانتقال المشروع الإيراني المعاصر من مرحلة الثورة، ثم الدولة إلى مرحلة الإمبراطورية الإقليمية، ثم "الإمامة العالمية"، حيث يعتبر صاحب النظرية أن من حق إيران، بل من واجبها أن تشيد دولة قوية تجعل العالم الإسلامي كله تحت قيادتها، تكون ممثلة للإسلام الحقيقي في زعمه، والمنطلق في رأيه هو (نظرية ولاية الفقية)..".
ولأجل الوصول إلى تحقيق المشروع الإيراني بهذا المعنى، طرح لاريجاني تصورا للمراحل التي ينبغي أن يمر بها ذلك المشروع:
أولا: نشر ثقافة الانتماء إلى الجماعة الشيعية، باعتبارها في زعمه تمثل الإسلام الصحيح لا غيرها.
ثانيها: إقامة كيانات سياسية على أساس ذلك الانتماء مهما كانت الوسائل، سلمية كانت أو ثورية، مسلحة أو غير مسلحة، بحيث تكون هذه الكيانات مربوطة بالثورة الأم. وثالثها: اندماج الكيانات في الكيان الأصلي في إيران، تحت قيادة (أم القرى) في طهران.
يطرح المؤلف السؤال التالي: "كيف فلسف لاريجاني جعل طهران (أم القرى) بدلا من مكة المكرمة التي نص القرآن على أنها هي دون غيرها أم القرى..؟".
يقول لاريجاني: "إذا ادعت دولة بأنها (أم القرى) فيجب عليها أن ترفع مستوى قياداتها إلى أبعد من حدودها الجغرافية، وأن تجعل القيادة مفضلة لدى كل الأمة، وهذه الصفة لأم القرى لا يمكن أن تكون إرثّا لقوم معينين، بل إنه من الممكن أن تكون أم القرى لقوم ما في مدة ما، وبعد مدة يسقط هذا الوصف لهم ولها".
وقال لاريجاني صراحة عن أم القرى الجديدة التي هي طهران: "سواء أكانت في زمن قيادة الإمام الخميني الذي كان شمس البشرية، أو في الوقت الحاضر الذي هي فيه تحت ولاية ولي الأمر سماحة آية الله الخامنئي، تصبح أم القرى بدون شك هي دار الإسلام، ويصبح عليها أن تقود العالم الإسلامي".
الخطة الإيرانية في استهداف الدول السنية العربية
في الفصل الثالث من الكتاب (المشروع الإيراني واستكمال الهلال) استعرض المؤلف كيفية تحول منظومة العقائد إلى برنامج عمل، وتطلع إيران إلى تقسيم العراق، وبسط نفوذها على بلاد الشام، ولبنان، ورؤيتها لنشر التشيع في الأردن وفلسطين ومصر وغيرها من الدول العربية، والتي حولتها إلى مشاريع تنفيذية لنشر التشيع في تلك الدول تحت مسميات ومشاريع مختلفة.
أما الفصل الرابع من الكتاب فقد جاء تحت عنوان "جزيرة العرب الغاية والنهاية"، ووفقا للمؤلف فإن جزيرة العرب كلها، أراضي وشعوبا وحكومات، تقع في بؤرة الاستهداف الشيعي بوجه عام والفارسي بوجه خاص، وهو ما يتسق ـ ويا للعجب ـ مع الاستهداف الصليبي الصهيوني، ولذلك أيضا فإن المشروع الإيراني يسير نحو ذلك الهدف الأخير بتؤدة وتبصر وتصبر، كحال الضواري المفترسة وهي تتربص بالصيد الثمين، خشية أن تقتنصه منها كواسر أخرى في البر أو البحر أو الجو.
وذكر المؤلف أن الشيعة ـ كما يظهر ـ لا يهمهم أن تطول مرحلة الوصول إلى إحكام الإسار وفرض الحصار حول الجزيرة، في صورة هلال شيعي مشتعل أو حزام زلزالي مدمر، المهم أن يصلوا إلى مبتغاهم، في فرض النفوذ على أرض الحرمين الشريفين، أو على الأقل ينزعونها من أيدي أعدائهم السنة، ولو إلى أيدي أغيار آخرين ، ليسوا سنة ولا عربا.. ولا حتى مسلمين.
تتمثل مجمل الرسالة التي أراد المؤلف إيصالها في كتابه بأن "خط سير الخطة الإيرانية من استهداف البلدان السنية العربية صمم على طريقة الزحف من الأطراف إلى القلب، والأطراف هنا: هي بلدان العراق والشام واليمن، وهو ما أطلق عليه إعلاميا وسياسيا: (الهلال الشيعي)".
"أما القلب فهو جزيرة العرب (دولة الخليج)، وفي قلبها بلاد الحرمين، وفي قلب بلاد الحرمين: الحرمان ذاتهما، فالحرمان الشريفان هما قلب القلب، وغاية الغاية، والهدف الأخير، في المشروع العدائي الفارسي الشيعي"، كما يرى المؤلف.