نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين بيتر بيكر ورامي نزال، يقولان فيه إن رئيس السلطة
الفلسطينية محمود
عباس أراد أن تكون مشاركته في جنازة الرئيس
الإسرائيلي شمعون
بيريز بادرة احترام لـ"رجل سلام"، لم يعد عليه بالسلام في وطنه.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه كانت لزيارة عباس القصيرة للقدس، لحضور جنازة بيريز، الرئيس ورئيس الوزراء السابق لإسرائيل، ومصافحته لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو ردة فعل غاضبة من كثير من الفلسطينيين، الذين أطلقوا على هذا الفعل خيانة من زعيم فقد صلته بشعبه.
ويذكر الكاتبان أن حركة شبيبة
فتح أعلنت في إحدى الجامعات أن عباس "ارتكب جريمة"، ودعته إلى الاعتذار والاستقالة، مشيرين إلى أن أحد الضباط العسكريين انتقد عباس على موقع "فيسبوك"، فذهبت قوات الأمن إلى بيته، وقامت باعتقاله، بالإضافة إلى أن الفلسطينيين الغاضبين استخدموا هاشتاغات عربية، مثل
#خيانة، و
#تعزية_السفاح، و
#عباس_لا_يمثلني.
وتنقل الصحيفة عن عامل الكهرباء في رام الله أبي سماح (52 عاما)، قوله: "مشاركة أبي مازن في الجنازة شكلت عارا للشعب الفلسطيني"، فيما اشتكى سائق التكسي أبو نضال، البالغ من العمر 36 عاما، من مشاركة عباس في مناسبة إسرائيلية، في الوقت الذي تستخدم فيه إسرائيل القوة ضد الفلسطينيين لتدير الاحتلال في الضفة الغربية، وتستمر في بناء المستوطنات على أراض فلسطينية، وتساءل أبو نضال: "لم تكرم رجلا مسؤولا عن قتل شعبك، ثم تصافح العدو الحالي المستمر في تعذيب شعبك؟.. عار عليك يا أبا مازن".
ويلفت التقرير إلى أن ردود الفعل لحضور عباس جنازة بيريز كشفت عن نظرات متباينة لبيريز، ففي إسرائيل وأمريكا والكثير من دول العالم يحترمه الكثيرون؛ لدوره في التفاوض للوصول إلى اتفاق أوسلو، الذي كان سببا له بالفوز بجائزة نوبل للسلام، مشيرا إلى أنه في الضفة الغربية وغزة وغيرها من الأماكن في العالم العربي، ينظر لبيريز على أنه أحد صقور إسرائيل الأمنيين، الذي أدى دورا مهما في بناء القوة العسكرية الإسرائيلية، وشجع الاستيطان على الأراضي الفلسطينية، كما أنه قام بهجوم عسكري على حزب الله عام 1996، وقامت المدفعية الإسرائيلية خلال هذا الهجوم بضرب قاعدة تابعة للأمم المتحدة، متسببة بمقتل عدد كبير من اللاجئين اللبنانيين، كثير منهم أطفال.
ويبين الكاتبان أن "موجة الانتقادات تعكس الموقف المحلي الضعيف لعباس وفريقه، بعد أكثر من عشر سنوات في السلطة الفلسطينية، ولكون العملية السلمية مجمدة، فليس هناك ما يظهره عباس مقابل تعاونه الأمني مع إسرائيل، بحسب ما يقوله الكثير من الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث يرى هؤلاء قياداتهم عملاء إسرائيليين".
وتورد الصحيفة أن منتقدي عباس يرون أنه لا يهتم بشعبه المحلي بقدر اهتمامه بالمجتمع الدولي، وبالذات واشنطن، مستدركة بأنه رغم ذلك، فإن رعاته الدوليين يرون أنه فقد مصداقيته الضرورية لمنح أي عملية سلمية فرصة في النجاح، إن تمت إعادة المحاولات للعودة إلى عملية السلام.
ويفيد التقرير بأن عباس حظي بمديح من زعماء العالم لحضوره الجنازة، في الوقت الذي قاطعها زعماء عرب آخرون، لافتا إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما شكره في كلمته التي ألقاها في الجنازة، ونشرت وكالات الأنباء الفلسطينية الرسمية مقابلات يمدح فيها عباس على تصرفه بصفته رجل دولة، حيث خلق فرصا جديدة للمفاوضات.
وينقل الكاتبان عن مستشار عباس، محمد المدني، الذي حضر الجنازة معه، قوله إن قرار الذهاب للجنازة يساعد القضية دوليا، وأضاف المدني في إذاعة تابعة لحركة فتح: "استحسن زعماء العالم الحاضرون كلهم مشاركة الرئيس، وصافحه 90% ممن حضروا.. لقد كان تحركا سياسيا، وليس مجرد مشاركة في جنازة"، وقال محمود الهباش، الذي خدم لسنوات عديدة مستشارا للشؤون الدينية لعباس، إن رئيس السلطة الفلسطينية قام بما يمليه عليه دينه، فقد شارك الرسول "صلى الله عليه وسلم" في جنازة جاره اليهودي.. و"بيريز جارنا".
وتنوه الصحيفة إلى أن مشاركة عباس كانت منتقدة جدا في لبنان، حيث قتل عدد من اللبنانيين عام 1996 عندما ضربت القوات الإسرائيلية قاعدة تابعة للأمم المتحدة لجأ إليها مدنيون لبنانيون، وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية في افتتاحيتها: "ليس أسوأ من موت الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، موتًا هادئًا على أرض فلسطين المحتلة، سوى الحج العربيّ والفلسطينيّ الرسمي للمشاركة في جنازته"، وعنونت صحيفة السفير اللبنانية مقالا حول مشاركة عباس بـ"مصافحة القاتل في جنازة قاتل".
ويجد التقرير أن هذا القرار أعطى أعداء عباس في حركة
حماس ذخيرة جديدة ضده، حيث قال محمود الزهار، أحد مؤسسي حركة حماس، لقناة إيرانية إنه في الشريعة الإسلامية، فإن عباس الآن أصبح بحكم اليهودي، وأضاف: "أدعو الله أن يجمعه ببيريز في جهنم".
ويشير الكاتبان إلى أن النقد انتشر إلى داخل حزب عباس "حركة فتح"، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تمت مشاركة رسوم كاريكاتيرية تسخر من مشاركة عباس، لافتين إلى أن أحد تلك الرسوم يظهر عباس يضع إكليلا من الورد على بسطار "يمثل بيريز"، وعلى مؤخرة عباس طبعة من قاع ذلك البسطار، وحظي فيديو على "فيسبوك" لأحد نقاد عباس بأكثر من 330 ألف مشاهدة يوم الأحد.
وبحسب الصحيفة، فإن الجنازة أقيمت في الوقت الذي استمر فيه العنف أو الخوف منه، فبحسب المصادر الإسرائيلية، فإن شابا فلسطينيا قام بطعن جندي يوم الأحد على حاجز قلنديا، ورد الجيش بإطلاق النار عليه، فأرداه قتيلا، بالإضافة إلى أن سلطات الاحتلال قامت بإغلاق المعابر كلها؛ بمناسبة رأس السنة العبرية، كما تفعل في العطلات اليهودية كلها.
ويكشف التقرير عن أن السلطة الفلسطينية ردت بحدة على بعض الانتقادات، فبالإضافة إلى اعتقال الضابط الفلسطيني، الذي كتب على "فيسبوك" أن "عباس أخطأ بموافقته على المشاركة في جنازة قاتل شعبنا"، قامت السلطة بإغلاق موقع حركة شبيبة فتح في جامعة بيرزيت، الذي انتقد عباس "لخيانته"، كما أشارت التقارير إلى اعتقال عدد من الطلاب.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول إنه "يبدو أن رد فعل عباس على الانتقادات الموجهة إليه جاء على شكل موقف قوي من إسرائيل بمجرد عودته، حيث وعد بأنه سيحطم الاحتلال الإسرائيلي خلال حفل وضع حجر الأساس لمصنع في بيت لحم، فقال بحسب التقارير الصحافية: (صحيح أننا دولة تعيش تحت احتلال يضطهد، ويظلم، ويصادر الأراضي قطعة قطعة، ويطارد شبابنا، ويدمر بيوتنا.. فليفعلوا ما يشاؤون وليبنوا ما يشاؤون، لكننا سنبني وطننا، وسنقيم دولتنا المستقلة)".