رضخت الحكومة
المصرية لضغوط
روسيا؛ بتراجعها عن قرارها السابق بضرورة خلو شحنات
القمح المستوردة من فطر الإرجوت، قبل ساعات من دخول قرار موسكو بوقف واردات الفاكهة والخضروات من مصر، حيز التنفيذ اعتبارا من 22 أيلول/ سبتمبر الجاري.
وعزا محللون ومراقبون تحدثوا لـ"
عربي21"؛ تراجع نظام عبد الفتاح
السيسي إلى "تخبط" حكومته، مع الرغبة في عدم توتير
العلاقات مع الرئيس الروسي القوي فلاديمير بوتين، وتجنيب الاقتصاد المصري تكبد المزيد من الخسائر في وقت تواجه فيه مصر أزمات اقتصادية متتالية، ومشكلات داخلية لا حصر لها.
روسيا تنتصر لقمحها
في هذا الصدد، قال الخبير في الشأن الروسي المصري، نبيل رشوان، لـ"
عربي21"، إن "مصر هي من رفضت شحنات القمح، واشترطت خلوه من فطر الإرجوت تماما، وكانت روسيا في وضع رد الفعل، وبالتالي اتخذت قرارا معاكسا بمنع استيراد الفاكهة والخضروات".
وأكد أن "روسيا عادة ما تلجأ لحل مشاكلها السياسية عبر أوراق ضغط اقتصادية على الدول الأخرى، وهو حق أصيل لها"، مشيرا إلى أن "غالبية الدول الباردة بها نسبة من الإرجوت، وهي نسبة معقولة، وقد تعرضت مصر لخسائر اقتصادية، بل ودفع تعويضات، كما فعلت مع رومانيا".
وكان وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري قد قرر في آب/ أغسطس الماضي منع دخول القمح المستورد المصاب بأية نسبة من فطر الإرجوت، بعدما كان قد وافق في تموز/ يوليو الماضي بالسماح بالأخذ بالنسبة العالمية المقررة في استيراد القمح، وهي 0.05%.
وبرر رشوان قرار الحكومة المصرية بالتراجع عن قرارها "حفاظا على العلاقات المصرية الروسية، وعلى مصالحها الاقتصادية، ومراعاة أوضاع المزارعين والمصدرين المرتبطين بعقود".
من لا يملك طعامه لا يملك قراره
من جهته، عزا الكاتب الصحفي، عامر شامخ، رضوخ نظام السيسي لتهديدات موسكو، إلى أن عدم شرعية هذا النظام "يجبره على قبول أي شيء، والقاعدة: من لا يملك طعامه لا يملك قراره"، على حد تعبيره.
وقال لـ"
عربي21": "لا يخفى على أحد ما يعانيه البلد من فقر وجدب، والغرب لا يعرف إلا مصالحه ومصلحة الكيان الصهيوني، وتلك فرصتهم للحصول على أكبر المكاسب من هذا النظام" في مصر، مشيرا إلى أن "العسكر قد رضخوا للجميع بعد الانقلاب لإثبات شرعيتهم".
ووصف من من يديرون البلاد بأنهم "ليسوا رجال دولة؛ فهؤلاء سطوا على مؤسسات البلد من أجل مصالحهم ومصالح من أنجحوا انقلابهم، وأيدوا إجراءاتهم الدموية، وكل ما جاء بعد ذلك من تفريط في جزر أو قبول بإطعام الشعب قمحا مسرطنا.. هو فاتورة نجاح الانقلاب، أو عربون لاستمرارهم في الحكم، ومنع وصول الإسلاميين إلى الحكم مرة أخرى"، وفق تعبيره.
"الصاع صاعين"
أما المحلل السياسي، أسامة الهتيمي، فقال لـ"
عربي21"؛ إن "العلاقات المصرية الروسية في عهد السيسي تأسست وفق محددين رئيسيين، أولهما الرغبة في إقامة علاقات قوية ومفتوحة مع البلدان ذات الثقل الدولي؛ لتوسيع دائرة القبول الدولي، فيما تركز المحدد الثاني على استغلال العلاقة مع روسيا وتوطيدها كورقة تتلاعَب بها الولايات المتحدة الأمريكية".
وتابع: "في المقابل فإن الجانب الروسي على وعي تام بما سبق، ومن ثم فروسيا قررت ألا تضيع الفرصة في أن تستفيد من الرغبة المصرية في تحقيق أكبر قدر من مصالحها، ليس على المستوى السياسي، فحسب ولكن أيضا على المستوى الاقتصادي".
وأوضح أنه "ما كان للرئيس الروسي أن يتعاطى مع مصالح بلاده وفق حسابات عاطفية أو علاقات صداقة أو ما شابه، خاصة وأن مصر بالنسبة لروسيا أفضل وأكبر سوق لقمحها، وبالتالي فليس من المستغرب أن ترد روسيا بالتشكيك في سلامة الفواكه والخضروات المصرية، في وقت أشد ما تكون فيه مصر في حاجة إلى العملات الأجنبية".
مصر تخسر الرهان
أما المحلل السياسي، أحمد عبد العزيز، فقد اعتبر أن نظام السيسي خسر الرهان على علاقته بنظام بوتين "عندما ظن أن بمقدور مصر أن توقف استيراد القمح الروسي دون أي إجراءات مضادة".
وقال لـ"
عربي21"؛ إن دولا مثل روسيا "تحركها مصالحها الخاصة، ولا تفكر إلا في مصالح شعوبها"، مؤكدا أن "السيسي أحرص على عدم تضرر علاقته مع روسيا أو أي دولة، ليس لمصلحة شعبه في المقام الأول، بقدر ما هو لصالحه الشخصي"، وفق تقديره.
وأشار عبد العزيز إلى أن نظام السيسي "أخطأ حسابات علاقته بروسيا عندما ظن أن موسكو لن ترد على حظر القمح"، مشيرا إلى أن "مصر في أسوأ أحوالها السياسية الخارجية، فإدارة الخارجية المصرية من خارج الوزارة انعكس بالسلب على واجهة مصر"، معتبرا أن "انتصار روسيا كان متوقعا، وسقوط قرار حكومة السيسي ليس مفاجئا؛ ولا تملك مصر ما تضغط به على أحد".