داخل كوخ خشبي، يختبئ
كتكوت أبو الليل ومعه صاحبه غريب، بعدما استبد الخوف به من تهديدات "الكبيرة".
كتكوت: مادام كده ميت وكده ميت يعني أخاف من إيه؟
غريب: آه تخاف من إيه؟
كتكوت: أخاف من إيه؟ (وهو يصفع غريب)..
غريب: أيوه، تخاف من إيه؟
كتكوت: من إيه؟ من إيه؟ (وهو يواصل صفع صديقه) أنا خارج للفخايده.
غريب: يا كتكوت مالك؟
كتكوت: حاطلع للفخايده بنفسي يا غريب.
غريب: حتتقتل يا كتكوت.
كتكوت: مش أحسن ما أموت يا غريب. أوعه يا غريب (ويخرج من الكوخ) يا فخايده. إني هنا يا فخايده. كتكوت أبو الليل إيلي الناس كلياتها تخاف الليل، إلا كتكوت الليل بيخاف منه.
أني كتكوت أبو الليل إيلي بيمشي بالكفر ينبرمبر بيه المثل. كلمة واحدة مني حاقولها لكم يا فخايده، حقولها لكم فخد فخد. كلمة واحدة ح أرد بيها على إيلي بتعملوه فيا.. بربربربربرتارارارارارا..
في خيمة أكثر اتساعا وفخامة في الفرافرة، وبحضرة عدد ممن ارتضوا تقمص دور "غريب"، قالها
السيسي كلمة واحدة كررها مرات ومرات في مواجهة من أسماهم أهل الشر: أنا مبخافش.. بربربربربرتارارارارارا..
في كل خطاب يحاول قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، أن يصدر لمن يعتبرهم "شعب
مصر العظيم" رسائل تطمين بأنه ثابت في الحكم لا تزعزعه مؤامرات أهل الشر، وهو بالمناسبة توصيف فضفاف يسمح له ولأذرعه الإعلامية بإلصاق تهمة الانضواء تحته لكل معارض قديم أو مستجد بحسب ضرورات اللحظة محليا ودوليا.
وبمجرد الانتهاء من الخطاب أو خلاله تتناهى إلى الأسماع حوادث اعتقالات وأحكام سجن ومحاولات تكميم للأفواه. فعلى مدار سنوات اغتصابه كرسي الرئاسة لم يترك "النظام" المصري القائم مجالا من مجالات الحياة إلا وتلظى بنيران قمعه وتحكمه.
لم يعد الفنانون والصحفيون والساسة قادرين على التعبير عن انتقاد مهما كان بسيطا دون السقوط تحت مقصلة التخوين. ولم يعد بإمكان رجال الأعمال والمستثمرين من سبيل لمواصلة أعمالهم غير الرضوخ لابتزاز النظام وشركاته المنتشرة في كل قطاع.
ولم يعد بإمكان الشعب أن يعلي صوته متظاهرا ومحتجا ولو في مسائل متعلقة بالأرض بل صار ممنوعا عليه الاطلاع على تفاصيل "مشاريعه الكبرى"، حيث يصوم الوزراء عن التوضيح امتثالا لأمر "الزعيم".
بعد كل هذا يطلب السيسي من "شعب مصر العظيم" ألا يخاف ويطمئن لحاضره ومستقبله ما دام لا يسمع لأحد غيره من أهل الشر، وكأني به وزير الصحة في فيلم (النوم في العسل- 1996) لمخرجه شريف عرفة، وهو يوصي المصريين بعدم الالتفات للشائعات.
يقف محسن علاء ولي الدين، أمام المرآة ليردد كلمات وزير الصحة التي أعلنها عبر التلفزيون.
محسن: أنا كويس، أنا زي البومب، أنا زي الحديد.. (ثم يبدأ بالبكاء ويواصل) أنا مش كويس، ولا زي البومب، ولا زي الحديد.. أبدا.
ومثل حال كل الديكتاتوريين، يصير أقرب المقربين موضع شك واتهام دائمين. وكلنا يتذكر كيف كان السيسي ولا يزال يجوب الثكنات العسكرية، وهي فضاؤه الطبيعي، المحفوفة بالحرس الشخصيين.
السيسي يتوجس من أن تأتيه الضربة من أي مكان وعلى يد أي شخص. لأجل ذلك تراه يستعرض عضلاته في إهانة وتوقيف وحبس مؤيديه وأبواقه وقتلهم معنويا وإبعادهم عن دوائر الضوء إسوة بالمعارضين وعموم المواطنين في محاولة لبعث رسائل للجميع أنه قوي بدونهم، وأنه "مبيخافش".
عودة إلى (كتكوت – 2006) لمخرجه أحمد عواض.
في طريقه إلى حلبة الملاكمة المنصوبة في ساحة من ساحات قريته، يستعرض كتكوت أبو الليل "عضلاته" على أبناء القرية المفتونين بـ"عظمته"، حيث يوجه اللكمات يمنة ويسرة دليل قوة وجبروت، فيما يواصل غريب صرخاته في الميكروفون.
غريب: كوت كوت، شد حيلك يا كتكوت..
وبمجرد ظهور الملاكم المنافس على الحلبة، صرخ كتكوت مذعورا..
كتكوت: عفريت علاء الدين يا رجالة، عفريت علاء الدين. اقتلوه.. اقتلوه.
في الواقع، ما يزال هناك كثيرون مستعدون لتنفيذ أوامر القتل، ولا يزال هناك أمثال "غريب" على كثير من فضائيات "العار" يعتقدون أنهم بالتهليل لقائد الانقلاب يقعون خارج دائرة الاستهداف.
أحد مؤلفي أغنية "تسلم الأيادي" كان يعتقد الشيء نفسه قبل أن يرتكب خطيئة التشكيك في قدرات "الذات السيسية" الاستثنائية، بقوله: "السيسي بدون الإعلام، وبدونا إحنا.. كان سقط من زمان.. بس إحنا اللي موقفينه على حيله"، فكان العقاب بالحبس لسنتين مع من أوقفوا في مظاهرات "يوم الأرض" المصري.
سبقه إلى ذلك آخرون مثل توفيق عكاشة ويوسف الحسيني، وغيرهما من "الإعلاميين" المبعدين عن دوائر الضوء كما خرج منها هاربا إلى "العمرة" أحمد الزند ومحمد ابراهيم وكل مجرمي ومنظري ما بعد "ثورة 30 يونيو".
كل هؤلاء كانوا يعملون تحت عباءة النظام الانقلابي مهما اختلفت ولاءاتهم للأجهزة وارتباطاتهم الخارجية بالدول الحاضنة. ولعل في "تجرأ" عبد الفتاح السيسي على المساس بهم، إبعادا على الأقل، رسالة منه إلى من يهمهم الأمر أنه كما قال في خطاب سابق لن يتخلى عنها (مصر/ السلطة).
السيسي: هو انتو فاكرين أني حسيبها يعني ولا حاجة ولا إيه؟ لا والله لا والله. أنا حفضل أبني فيها لغاية ما تنتهي.. يا حياتي يا مدتي.
تساءل الكثيرون عن هؤلاء الذين يحدثهم عبد الفتاح السيسي ويوجه إليهم الرسائل المشفرة خصوصا ما تعلق منها بحياته.
في فيلم (كتكوت) عرف كتكوت أبو الليل أن "الكبيرة" تود التضحية به لإنهاء حالة الثأر المستعرة بين عائلتها وعائلة الفخايده.
كتكوت على الأرض بجانب "الكبيرة" وأعيان العائلة يحفونهما.
الكبيرة: بقا لي ساعة بفهم فيك وانت مخك مش معاك.
كتكوت: مش معايا كيف يعني؟ ح سلفه لحد ولا إيه؟ يا كبيرة، يا كبيرة أنا بدي أعرف دلوقتي، بدي أعرف يا خليفة، أعرف يا كبيرة، أعرف يا خليفة إني دوري اقتل مين؟
الكبيرة: دورك مش تقتل، دورك تتقتل.
كتكوت:ايه؟ اتقتل؟ وشمعنا اني ايلي اتقتل؟ وهما مينقتلوش ليه؟ وميقتلوكيش انت ليه؟ ع الأقل مش حيبان عليكي.
الكبيرة: كتكووووت؟
كتكوت: مكتكوتيشي..
الكبيرة: يا غبي، يا حيوان.
كتكوت: متقوليش حيوان.
الكبيرة: لأ حيوان لأنك لازم تفهم أن ايلي لازم يتقتل هو انت مش حد ثاني لأنك آخر واحد من سلالة البرايصة.
كتكوت: اديكي قلتيها. أني آخر واحد في نسل البرايصة. يعني المفروض تحافظوا ع السلالة. بدل متهجنوني تقوموا تقدموني للموت. كبيرة! أنا مش موافق أنقتل.
عبد الفتاح السيسي يعتقد نفسه كتكوت الذي اختارته الأقدار لينقذ البلد من الإرهاب كما فعل محمد سعد في الفيلم.
يبقى السؤال: سليل البرايصة وعرفنا من يكون، لكن من تكون "الكبيرة" التي وجدت في قائد الانقلاب عبئا وجب التخلص منه يا ترى؟