لم تقتصر الأزمات في قطاع
غزة جراء
الحصار الإسرائيلي على إغلاق المعابر فحسب، بل شملت جميع القطاعات الحيوية فيها، ليس آخرها موضوع
الكهرباء، وتقليص ساعات وصول التيار الكهربائي إلى المواطنين ست ساعات يوميا، وما لذلك من تأثيرات على الحياة اليومية للفلسطينيين.
وقد سيطرت أزمة الكهرباء في غزة على حديث الشارع
الفلسطيني في الأيام الأخيرة، عقب وقوع كارثة أصابت عائلة الهندي بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وأودت بحياة ثلاثة من أطفالها حرقاً؛ جراء استخدام الشمع كوسيلة للإنارة بعد انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة لمدة تزيد عن 12 ساعة في اليوم.
أثارت هذه الكارثة العديد من ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة والمنددة بسياسات السلطة الفلسطينية تجاه هذه الأزمة، ووصف البعض موقفها بالمتفرج، تجاه ما يعانيه سكان القطاع من أزمات منذ ما يزيد عن عشر سنوات.
وفي هذا السياق، قال رئيس اللجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي الفلسطيني، عاطف عدوان، لـ"
عربي21"، إن "رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحكومة التوافق الوطني برئاسة رامي الحمد لله يتحملان مسؤولية ما جرى بحق عائلة الهندي، نظرا لتنصلهما من المسؤوليات المفروضة عليهما تجاه المواطنين في غزة، ووقوفهما موقف المتفرج تجاه ما يحدث من نكبات في القطاع"، وفق تقديره.
ورأى في المقابل أن "حماس وباقي الفصائل الوطنية في غزة "قامت بجهود كبيرة وعلى أعلى المسؤوليات لحل أزمة الكهرباء المستفحلة، وقُدمت العديد من المبادرات من الأشقاء في قطر وتركيا لحلها، لكن السلطة الفلسطينية والأطراف الإقليمية تضع العراقيل أمام هذه المبادرات الإنسانية"، كما قال.
وتعود بدايات أزمة الكهرباء في غزة إلى العام 2006، بعد قيام الاحتلال الإسرائيلي بقصف محطة الكهرباء الوحيدة في غزة، كرد فعلٍ على أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وسرعان ما تطورت هذه الأزمة لاحقا بعد تشديد الأطراف الإقليمية من الحصار المفروض على غزة، وإغلاق المعابر وتقليص كميات السولار الواردة للمحطة، وقيام السلطة الفلسطينية بفرض ضريبة خاصة تعرف بضريبة "البلو" على الوقود الخاص بتوليد المحطة، وتبلغ قيمتها 138 في المئة.
واطلعت "
عربي21" على تقرير لسلطة
الطاقة الفلسطينية؛ ورد فيه أن احتياجات قطاع غزة من الكهرباء تصل 450 ميغاواط، وترتفع الحاجة في ذروة الأحمال في فصلي الصيف والشتاء إلى 600 ميغاواط، لكن يصل القطاع منها 250 ميغاواط فقط، بعجز يصل 200 ميغاواط في الأوقات العادية، أي بنسبة 45%.
وتنتج محطة الكهرباء في غزة في الوقت الراهن 60 ميجاواط فقط، بنسبة 22 في المئة من الاستهلاك الحالي، في حين يغذي الجانب الإسرائيلي القطاع بـ120 ميجاواط من خلال عشرة منافذ ممتدة على طول القطاع، ويغذي الجانب المصري مدينة رفح بـ25 ميجاواط.
وذكر مدير مركز المعلومات في سلطة الطاقة الفلسطينية، أحمد أبو العمرين، أن محطة الكهرباء في غزة كانت تعمل على وقود الغاز الطبيعي، ولكن بعد قصف الطائرات الإسرائيلية لها، تحول الوقود التشغيلي للمحطة إلى السولار، ما تسبب برفع تكلفة الكهرباء.
وقال لـ"
عربي21": "اليوم تعمل شركة الكهرباء بربع الطاقة الإنتاجية، بسبب عدم سماح الجانب الإسرائيلي بإدخال معدات الصيانة التي تسمح للشركة بإعادة ترميم ما دمره قصفها".
وأضاف: "سلطة الطاقة الفلسطينية قامت بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية في الدول الصديقة على تمويل ودعم مشاريع الطاقة الشمسية للتخفيف من معاناة انقطاع الكهرباء على القطاعات المهمة، مثل المستشفيات والمراكز التعليمية؛ لكن الاستجابة لهذه المشاريع كان متدنياً، في حين ما يتم تداوله حول سفينة الكهرباء التركية داخل سواحل غزة؛ (مجرد) أحاديث إعلامية حتى الآن، رغم أن سلطة الطاقة جاهزة للتعاون مع أي طرف لإيجاد حل لهذه الأزمة"، كما قال.
ووصلت ساعات انقطاع الكهرباء في غزة 2300 ساعة خلال عام 2015، فيما لم يتجاوز الانقطاع في الضفة الغربية 30 ساعة.
ضحايا الكهرباء
وقد تسببت معاناة الفلسطينيين في غزة بسبب انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 12 ساعة يومياً منذ ما يزيد عن عشر سنوات فقط، بوفاة العديد من المواطنين. فقد أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان قبل أيام تقريرا، حصلت "
عربي21" على نسخة منه، جاء فيه أن عدد الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم حرقا أو اختناقا من جراء استخدام الشموع للإنارة في غزة منذ 2010؛ بلغ 29 شخصا، منهم 24 طفلا.
من جانبه، قال أحمد مصطفى، أحد ضحايا أزمة انقطاع الكهرباء في غزة، إن أزمة انقطاع التيار الكهربائي تسببت باحتراق اثنين من أبنائه، وهما لا يتجاوزا السادسة من العمر، جراء استخدام الشمع للإنارة، إلى جانب احتراق أثاث البيت الذي كان يؤويه، وفق قوله لـ"
عربي21".
جهاد راضي، مواطن آخر التقته "
عربي21"، قال إنه يعاني منذ ست سنوات من تلف في الرئتين نتيجة استنشاقه كميات كبيرة من الدخان السام الناجم عن مولدات الكهرباء في أحد أزقة مخيم البريج، وسط قطاع غزة، ما تسبب له في مشكلات صحية.
خسائر اقتصادية
وينبه الدكتور محمد مقداد، عميد كلية التجارة في الجامعة الإسلامية، إلى أن انقطاع التيار الكهربائي عن غزة لساعات طويلة أثر بشكل واضح على عمل كثير من المصانع، ودفع الكثير منها للإغلاق لعدم قدرتها على تحمل تكاليف شراء وتشغيل المولدات، ما تسبب بتسريح عشرات آلاف من العمال.
كما أدى انقطاع التيار الكهربائي، بحسب قول المقداد لـ
"عربي21"، لخفض نشاط المبيعات والتسويق لكثير من القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والخدمات، وخفض صادراتها.
وأضاف: "هناك ضرورة ملحة للبحث عن مصادر طاقة بديلة؛ تخفف من الأحمال على شركة الكهرباء نظراً لتقادمها، والبحث عن مساعي لإيجاد بدلاء عن الخطوط المغذية للقطاع سواء من الجانب المصري، أو الاستعانة بشركات كهرباء خاصة من الخارج".
ومع اقتراب الصيف، حيث يبلغ استهلاك الكهرباء ذروته، تبرز مطالبات بحلول مؤقتة على الأقل لتغطية احتياجات القطاع من الطاقة، بانتظار حلول دائمة لا تبدو أنها قريبة.