تحدثت صحيفة "صاندي تايمز" البريطانية عن الدور الذي أداه عميل سابق في الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، في اعتقال المناضل الجنوب أفريقي نيلسون
مانديلا، الذي قضى في السجن 28 عاما.
ويشير التقرير إلى أن "القنبلة"، التي فجرها العميل السابق، حول سجن أشهر سجين في العالم، حيث خرج من سجن روبن آيلاند، ليصبح أول رئيس جمهورية أسود لجنوب أفريقيا في مرحلة ما بعد التمييز العنصري، أدت إلى مطالب كي تقدم "سي آي إيه" توضيحات حول دورها في وضع رجل يحظى باحترام عالمي ورجل دولة في السجن.
وتورد الصحيفة أن رفيقا لمانديلا وصف الأخبار بأنها "مخجلة"، وقال إن الدور الأمريكي، إن صح، فإنه أدى إلى عرقلة الكفاح ضد التمييز العنصري في بلاده، مشيرة إلى أن العميل السابق دونالد ريكارد لم يعتذر عن الدور الذي أدته الوكالة، قائلا إنه عندما تم اعتقال مانديلا عام 1962، كان "أخطر شيوعي خارج
الاتحاد السوفييتي".
ويلفت التقرير إلى أن ريكارد قدم اعترافاته في حوار مسجل مع المخرج جون إيرفين، الذي يقوم بإعادة تصوير الأشهر الأخيرة من حياة مانديلا قبل اعتقاله وتوثيقها، حيث سيتم عرض الفيلم هذا الشهر في مهرجان كان الدولي.
وتذكر الصحيفة أن ريكارد توفي عن عمر يناهز الـ88 عاما، بعد أسابيع من التحدث مع إيرفين، لافتة إلى أن اعترافه يكشف عن لغز عمره 54 عاما، ظل يدور حول الكيفية التي عرفت فيها مخابرات
جنوب أفريقيا مكان اختفاء مانديلا، الذي ظل بعيدا عن أعين المخابرات، ونجح بالتخفي عنها.
وينوه التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه حين اعتقال مانديلا كان هو المطلوب الأول في جنوب أفريقيا، حيث تبنى الكفاح المسلح ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا عام 1960، بعد مذبحة شاربفيل، عندما أطلقت الشرطة النار على حشد من الناس، وقتلت منهم 69 شخصا، مشيرا إلى أنه عندما اعتقل كان يخطط لحملة "تخريب وحرب عصابات وإرهاب وثورة مفتوحة"، بصفته زعيما للمجلس الوطني الأفريقي.
وتكشف الصحيفة عن أن ريكارد، الذي كان يعمل نائبا للقنصل الأمريكي في مدينة ديربان، أخبر إيرفين أنه علم أن مانديلا كان في طريقه إلى المدينة، عاصمة إقليم الناتال، وقال ريكارد إن مانديلا كان "تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي بشكل كامل"، وكان يحاول "تحريض" السكان الهنود في المدينة على تمرد يقوده الشيوعيون ضد نظام التمييز العنصري، وفتح الطريق أمام التدخل الروسي.
وينقل التقرير عن ريكارد قوله إن "ناتال كانت تغلي مثل المرجل في ذلك الوقت، وكان مانديلا سيرحب بالحرب، ولو تدخل الاتحاد السوفييتي بالقوة لكانت الولايات المتحدة تدخلت وتدهورت الأوضاع"، وأضاف: "كنا نسير نحو الهاوية هناك، وكان يجب وقف هذا كله، ووقف مانديلا، وقمت بوقف كل شيء".
وتقول الصحيفة إنه "من الواضح أن ريكارد كان لديه مخبرون زرعهم في المجلس الوطني الأفريقي، وحصل على معلومات قدمها لرجال الاتصال في الشرطة، الذين يتعاون معهم، عن تحركات مانديلا، ورحلته من ديربان إلى جوهانسبيرغ"، مشيرة إلى أن مادنديلا كان يرتدي زي سائق سيارة، ويجلس في المقعد الخلفي لسيارة يقودها رفيق أبيض، عندما أوقفتها الشرطة خارج ديربان.
ويورد التقرير نقلا عن روني كاسريل، وهو أحد قادة المجلس الوطني الأفريقي البارزين، الذي شاهد مانديلا قبل أيام من اعتقاله في ديربان، وأصبح بعد عقود وزيرا للأمن، قوله إن حادث الاعتقال كان "أكبر خيانة مثيرة للخزي" وأضاف أن اعتقال مانديلا المبكر "عرقل في الحقيقة الكفاح ضد التمييز العنصري، ومن الواضح أن النظام ومخابراته تعاونوا مع (سي آي إيه)، ويجب على الأخيرة توضيح موقفها".
وتبين الصحيفة أن الاستخبارات الأمريكية، التي تعاونت مع نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ولسنوات، رفضت الإفراج عن وثائق تتعلق بنشاطاتها هناك.
ويحسب التقرير، فإن ريكارد قد تقاعد من "سي آي إيه" في عام 1978، واعتزل الحياة في منطقة نائية في ولاية كولارادو، وعثر عليه جيمس ساندرز، الذي كان يعمل لصالح أنتوني سامبسون، الذي كان يعد السيرة الرسمية لحياة مانديلا عام 1999، وتعاون أيضا في توفير المادة البحثية لفيلم إيرفين "بندقية مانديلا".
وتفيد الصحيفة بأن ريكارد عندما زاره إيرفين قبل شهرين، تحدث بشكل صريح عن دوره في اعتقال مانديلا، وبرر عمله بأن جنوب أفريقيا كانت مستهدفة من الاتحاد السوفييتي، وقال ريكارد: "وصف مانديلا نفسه بالديمقراطي، لكنه كان يكذب، بل افتخر بكونه شيوعيا".
وتختم "صاندي تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن مانديلا نفى علاقته بالشيوعية، لكن عند وفاته عام 2013 ذكر الحزب الشيوعي لجنوب أفريقيا أن مانديلا "لم يكن عند اعتقاله في آب/ أغسطس عام 1962 عضوا قي الحزب الشيوعي لجنوب أفريقيا، الذي كان يعمل سرا، بل كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب"، وهي رواية رفضها أصدقاء مانديلا.