نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا حول التقارب غير المسبوق في
روسيا بين الكرملين والكنيسة الأرثوذكسية، في إطار مساعي الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين لضمان تعاطف الروس المتدينين، وحشد الدعم لسياساته العسكرية، والتسويق لحروبه في الخارج.
وذكرت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، أن بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية
كيريل الأول، حضر اجتماعا في وزارة الدفاع الروسية في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2015، مع الرئيس بوتين، لتأييد فكرة دعم الترسانة النووية الروسية والجيش الروسي، في جهوده الرامية "لتدمير الأعداء الذين يحاولون تهديد القوات الروسية في
سوريا".
وأشارت إلى أن البطريرك ذهب لزيارة
الكاتدرائية، التي تم افتتاحها منذ وقت قصير في مبنى وزارة الدفاع، في خطوة تؤشر على التقارب غير المسبوق بين
الكنيسة الأرثوذكسية والسلطة السياسية في موسكو، لم تشهدها البلاد منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.
ولفتت الصحيفة إلى أنه خلال الحرب الدموية التي دارت في أوكرانيا؛ فضّل بطريرك موسكو التزام الصمت، ولكن مع انطلاق الحرب في سوريا؛ عبّرت القيادة
الدينية، بدون أي تحفظ، عن دعمها الكامل للعمليات الروسية في الخارج، كما أنها قدمت خدمات أخرى لبوتين أُثناء الأزمة بين موسكو وأنقرة، على خلفية إسقاط الطائرة الروسية، حيث قدمت الكنيسة الأرثوذكسية ما اعتبرته "ظروفا استثنائية وقاهرة"، وقررت إجبار المجلس الأرثوذكسي العالمي على نقل أشغاله السنوية من حي الفنار التاريخي في إسطنبول، الذي يقع فيه مقر البطريركية القسطنطينية المسكونية، إلى جزيرة كريت في اليونان.
وقالت "لوموند" إن ظهور الرئيس بوتين، وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية؛ تكرر في عدة مناسبات أمام وسائل الإعلام، وكان آخرها في 1 شباط/ فبراير الماضي، في ذكرى تنصيب كيريل الأول كبطريرك للكنيسة، مضيفة أن الرئيس البالغ من العمر 63 عاما، والقائد الديني البالغ من العمر 70 عاما، افتتحا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، معرضا مخصصا للحربين العالميتين، في مبنى "ماناج" الشهير القريب من الساحة الحمراء في موسكو.
واعتبرت أن المظاهرات التي اندلعت ضد حكم بوتين للمطالبة بالحرية والديمقراطية في عامي 2011 و2012، وتعمُّق القطيعة بين موسكو والدول الغربية خلال الصراع الأوكراني، سرع من وتيرة هذا التقارب بين الكرملين والكنيسة، حيث إن بوتين قرر أن يعتمد بشكل متزايد على "القيم الروحية الروسية" في مواجهة الدول الغربية والأزمة الاقتصادية.
وفي هذا الإطار؛ يقول "فسيفولود تشابلين" الموصوف بأنه أحد أكثر رجال الدين تشددا في روسيا، إن "الفرق بيننا وبين الغرب؛ هو أننا نهتم بالجانب الروحي، بينما هم يهتمون أكثر بالاستهلاك والرفاهية".
وقالت الصحيفة إن بوتين "ذهب إلى أبعد من ذلك في استغلاله للدين، حيث إنه برر ضم شبه جزيرة القرم، بقوله إن أهميتها لدى الروس كأهمية جبل الزيتون لدى المسلمين واليهود".
وبينت أن هناك تساؤلات حقيقية في الشارع، حول ما إذا كان بوتين يؤمن فعلا بالدين، وهو الذي تتلمذ في المدرسة السوفيتية الشيوعية، كما يدور حديث في موسكو حول أن رجل الدين الأكثر قربا لبوتين وكاتم أسراره، والذي عرّفه على زوجته السابقة "لودميلا بوتينا"، وهو الأب "تيخون شيفكونوف" الذي تم تعيينه مؤخرا كأسقف، يُعد في الوقت ذاته الأكثر ارتباطا بالمخابرات الروسية والأجهزة الأمنية السرية، وبالتالي فإن قربه من بوتين ليس أمرا مفاجئا بالنسبة لكل المراقبين.
وذكرت الصحيفة أن المرة الوحيدة التي تغيب فيها البطريرك كيريل عن المناسبات الهامة، كانت في 18 آذار/ مارس 2014، في احتفالات الإعلان الرسمي عن ضم شبه جزيرة القرم؛ لأن الكنيسة الأرثوذكسية التي يعيش ثلث أتباعها في أوكرانيا، لا يمكنها أن تجازف بالظهور في مناسبة فيها الكثير من الإهانة للجيران "السلاف".
ونقلت "لوموند" عن الأب كوراييف، الذي يدير موقعا على الإنترنت ينتقد الأوضاع في روسيا، قوله: "في كل سنة يزيد ارتباط الدين والسياسة في روسيا، لأن الدولة في حاجة للكنيسة للدفاع عن سياستها التي لم تجلب لروسيا إلا العزلة، والكرملين يحتاج إلى أيديولوجيا لجعل الناس يتقبلون فكرة دخوله في عدد من الحروب، حيث تعمد الكنيسة إلى الوقوف ضد من ينتقدون السياسات العدائية لروسيا وتدخلها في سوريا، ويرفع رجال الدين شعار (نحن الروس فقراء؛ لأن العالم يقف ضدنا، ولأننا تقاة)".
أما عن علاقة الشعب الروسي بالدين؛ فقد ذكرت الصحيفة أن 92 بالمئة من الروس تم تعميدهم في الصغر، إلا أن أكثر من ثلثهم لا يذهبون للكنيسة، "كما تشير الإحصائيات التي قام بها معهد ليفادا المستقل في روسيا، إلى أن 59 بالمئة من الروس يرون أنفسهم غير متدينين".
ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن "ناتاليا زوركايا"، مديرة قسم الدراسات الاجتماعية في معهد ليفادا، قولها: "تبدو الكنيسة منشغلة أكثر في التشريع للنظام السياسي، وهي تمارس ضغطا على المجتمع، ولكنها رغم ذلك تبقى مؤسسة رمزية، وليس لها أية سلطة حقيقية على الناس".
واعتبرت "لوموند" أنه في مقابل استغلال الكرملين للكنيسة؛ فإن الكنيسة أيضا تسعى للاستفادة منه، حيث حظيت بتبرعات سخية من الدولة، وهي تقوم الآن بأشغال مكلفة لتشييد كاتدرائية روسية ضخمة في باريس على ضفاف نهر السان، كما منح ذلك الجرأة لبعض الأصوات من المتشددين الأرثوذكس، للمطالبة بإلغاء العلمانية من الدستور الروسي، وأصبحوا يتدخلون في بعض المسائل الحساسة مثل قضية الإجهاض.