كتب الصحافي الاستقصائي غاريث بورتر تقريرا في موقع "ميدل إيست آي"، شرح فيه التغير في الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، الذي بدا عليه ميلا واضحا في مواقف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الجانب الروسي.
ويقول الكاتب إن "التطورات الأخيرة في
سوريا جلبت معها تطورا مقابلا، وهو تحول في سياسة
أوباما تجاه الأزمة السورية، فقد قلب التدخل العسكري الروسي، الذي جاء بسبب انتصارات الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، جبهة النصرة، والجماعات المتحالفة على قوات النظام في العام الماضي، الميزان العسكري رأسا على عقب، وهو ما قاد إلى تراجع الولايات المتحدة عن ثيمتها الداعية إلى خروج الأسد من السلطة".
ويضيف بورتر أن "هذه التغيرات العسكرية الجديدة تركت أثرها على عملية جنيف للسلام، التي ترعاها الأمم المتحدة، وأصبح بإمكان نظام الأسد والقوى المتحالفة معه استثمار المحادثات سياسيا، فيما ستقاطع القوى المسلحة هذه المحادثات في المستقبل القريب".
ويشير التقرير إلى أن الداعمين للمعارضة السورية عبروا عن غضبهم لما يرونه "خيانة أوباما" للمعارضة السورية، مستدركا بأنه يجب فهم التحول في سياسة أوباما، كغيره من قرارات السياسة المتعلقة بالشرق الأوسط، باعتبارها ردا على الأحداث الخارجية التي تفرضها الاعتبارات المحلية.
ويذكر الموقع أن رد إدارة الرئيس أوباما على الغارات الجوية الروسية في تشرين الأول/ أكتوبر وبداية تشرين الثاني/ نوفمبر، كان انتظارا لفشلها، لافتا إلى أنه بعد ذلك بأسابيع كان الرد السياسي على التدخل الروسي يتمحور حول فكرة أن التدخل الروسي يهدف إلى تقوية موقف النظام السوري، وليس هزيمة تنظيم الدولة، مع التأكيد أنه سيفشل. وكانت الإدارة على ما يبدو مصرة على استجابة
روسيا والدول المتحالفة معها لمطالبها بضرورة رحيل الأسد.
ويستدرك الكاتب بأن "هجوم تنظيم الدولة على باريس حرف انتباه الأوروبيين والأمريكيين على حد سواء للمخاطر التي يشكلها التنظيم والحاجة للتعاون مع روسيا لمواجهته. وهو ما قوى مواقف أولئك داخل الإدارة الأمريكية، خاصة هيئة الأركان المشتركة و(سي آي إيه)، الذين لم يدعموا السياسة الأمريكية الراغبة بتغيير النظام في المقام الأول، وفي المرحلة التي تبعت هجمات باريس ضغطوا باتجاه إعادة النظر في موقف الإدارة الأمريكية من رحيل الأسد، كما عبر عنها نائب مدير (سي آي إيه) مايكل موريل".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن تأثير هجمات باريس تعزز بالمكاسب المهمة التي حققها جيش النظام السوري وحلفاؤه، بدعم من الطيران الروسي في مدينتي اللاذقية وحماة، وتركزت الغارات الجوية على قطع خطوط الإمدادات بين المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة والفصائل المتحالفة معها، ومنع وصول الإمدادات لها من الحدود التركية، مشيرا إلى أن هذا تحرك إن نجح فيه النظام فإنه سيكون ضربة قاصمة للمعارضة.
وينوه الموقع إلى النجاحات التي حققها جيش النظام في بداية كانون الثاني/ يناير، عندما حاصر بلدة سلمى في محافظة اللاذقية، التي كانت خاضعة لسيطرة جبهة النصرة منذ عام 2012، وبلدة الشيخ مسكين، التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون للأسد منذ عام 2014، ما أدى إلى استعادة الطريق السريع درعا- دمشق، بالإضافة إلى أن جيش النظام قطع طريق الإمدادات من تركيا إلى حلب، التي تسيطر على جزئها الشرقي جبهة النصرة والجماعات المتحالفة معها.
ويفيد بورتر بأنه "عندما اجتمع كيري مع رئيس وفد المعارضة السورية رياض حجاب في الرياض في 23 كانون الثاني/ يناير، كان واضحا لإدارة الرئيس أوباما أن الموقف العسكري لنظام الأسد أصبح قويا، وأن المعارضة باتت ضعيفة، وفي الحقيقة باتت الفرصة لتحقيق انتصار حاسم ممكنة في ضوء الاستراتيجية الروسية السورية لقطع خطوط الإمداد عن جبهة النصرة".
ويورد التقرير أنه ما قاله كيري لحجاب، كما نشره موقع "ميدل إيست بريفنغ"، عكس الموقف الجديد للإدارة في ضوء الواقع السياسي- العسكري الجديد، مشيرا إلى أن كيري كان واضحا في رفض الولايات المتحدة لشروط مسبقة على المحادثات، وأكد أنه لا التزامات رسمية تؤدي إلى رحيل الأسد في المستقبل القريب، ولكنه لم يكن واضحا حول النتيجة المطلوبة للمحادثات "حكومة انتقالية أو حكومة وحدة وطنية"، وهو ما يعني أن الأسد سيظل في السلطة.
ويعلق الموقع بأن "المعارضة السورية وداعميها عبروا عن صدمتهم من التحول في سياسة أوباما، ولكن يجب أن يندهشوا، فسياسة الرئيس باراك أوباما السابقة والمتعلقة بسوريا قامت في جزء منها على الفرصة السياسية المحبذة، كما وصفتها مراسلة صحيفة (واشنطن بوست) ليز سلاي، فقد كانت السياسة تقوم على (وضع ضغط كاف على قوات الأسد لإقناعه بتقديم تنازلات، لكن ليس بدرجة تدفع نظامه للانهيار السريع)".
وبحسب الكاتب، فإن الفرصة التي رأتها الولايات المتحدة نابعة من العمليات السرية التي قامت بها عام 2013 لتدريب وتسليح المعارضة "المعتدلة"، وتزويدها بصواريخ مضادة للدبابات، ومن الترسانة السعودية، أدت إلى تقوية جبهة النصرة والجماعات المتحالفة معها.
ويورد التقرير أنه بحسب الباحث الأمريكي المتخصص في شؤون سوريا جوشوا لانديز، فقد سيطرت جبهة النصرة على ما نسبته 60-80% من هذه الصواريخ، لافتا إلى أن هذه الصواريخ كانت حاسمة في سيطرة النصرة وجيش الفتح على مدينة إدلب في نيسان/ إبريل 2015، والسيطرة على مناطق في سهل الغاب في حماة، التي تقع حاجزا بين المناطق السنية والمناطق العلوية في محافظة اللاذقية على البحر المتوسط، حيث كانت سيطرة النصرة على هذه المناطق عاملا حاسما في التدخل الروسي في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015.
ويشير الموقع إلى أنه في ضوء المستوى العسكري الجديد، فقد باتت إدارة أوباما تعترف بأن الاستراتيجية السابقة لم تعد مهمة، وحلت محلها استراتيجية جديدة انتهازية الطابع، والفكرة الحالية تقوم على الاستفادة من المصالح الاستراتيجية الأمريكية- الروسية المشتركة، وهي محاربة تنظيم الدولة، والتقليل من هدف تغيير النظام.
ويقول بورتر إن الإعلام الأمريكي أهمل الإشارة إلى فكرة رئيسة في تغطيته للحرب ضد تنظيم الدولة، وهي أن الولايات المتحدة وروسيا تدعمان القوى ذاتها التي تحارب التنظيم في سوريا، وهي قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي يسيطر على مناطق قرب الحدود السورية مع تركيا، مستدركا بأن الحماية الشعبية قاتلت ضد جبهة النصرة والجماعات المتحالفة معها، ولم تخف دعمها للحملة العسكرية الروسية ضد هذه القوى، كما تعاونت الحماية الشعبية وبشكل نشط مع جيش النظام وحزب الله في شمال محافظة حلب. وتعد الحماية الشعبية حليفا مهما للولايات المتحدة، ولكنها مهمة للتحالف الروسي- السوري ضد جبهة النصرة.
ويذكر التقرير أن "الحكومة التركية، عضو الناتو، تعارض، وبشكل قاطع، دعم الولايات المتحدة للحماية الشعبية، وتؤكد أنقرة أن هذه الجماعة إرهابية، ولم توافق الولايات المتحدة على هذه الفكرة، وهي مصممة، على ما يبدو، على استغلال الموقع الاستراتيجي للحماية الشعبية في القتال ضد تنظيم الدولة، وهو ما يكشف عن مستوى من التعاون الأمريكي- الروسي ضد القوى الرئيسة المعارضة لنظام الأسد".
ويختم الكاتب تقريره بالقول: "لم تعد إدارة أوباما تعول على تحول الميزان العسكري لصالح المعارضة ضد النظام، كي يقدم بناء على ذلك تنازلات. ولا يعرف إن كان النجاح العسكري سيكون كافيا بدرجة حاسمة لترجمته إلى حل للنزاع. وفي الوقت الحالي ستظل محادثات السلام السورية متوقفة بشكل تام".