نشرت صحيفة المانيفستو الإيطالية تقريرا حول تعرض الطالب الإيطالي جوليو ريجيني للاختطاف والتعذيب، تحدثت فيه عن ظاهرة
الإخفاء القسري التي تمارسها الأجهزة الأمنية في
مصر، وقالت إن هذه الظاهرة تمثل السلاح الفتاك لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ضد كل معارضي النظام العسكري.
وأوردت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، عدة أسماء لنشطاء من الثورة المصرية تعرضوا للإخفاء من قبل الأجهزة الأمنية، على غرار أسماء خلف وإسراء الطويل وعمر علي وصهيب سعد.
وقالت إن هؤلاء هم فقط عينة من المصريين الذين اختفوا، حيث شملت هذه الظاهرة الطلبة والصحفيين والنشطاء وحتى الأطباء، الذين توجه لهم تهمة الانتماء للإخوان المسلمين بسبب معارضتهم للنظام، وهي الذريعة ذاتها التي بموجبها يتعرض مواطنون عاديون أيضا للاختفاء الفجائي، بينما هم يسيرون في الطريق أو ينامون في بيوتهم.
وذكرت الصحيفة أن الربع الأول من سنة 2015 شهد، بحسب اللجنة المصرية للحقوق والحريات، حوالي 1250 حالة اختفاء لمواطنين مصريين، ثم تبعها اختفاء 163 شخصا بين شهري نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو، ثم 340 حالة أخرى بين آب/ أغسطس وتشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته، ما يعني وقوع 1700 عملية إخفاء قسري خلال 11 شهرا، بمعدل أربع حالات في اليوم، وهو ما يؤكد أن هذه ليست مصادفة أو حادثا عرضيا، بل هي سياسة ممنهجة ومنظمة يستعملها النظام الحاكم في مصر ضد معارضيه، بحسب الصحيفة.
كما أشارت المانيفستو إلى أن إسراء وعمر وصهيب، وهم كلهم شباب مصريون في العشرينات من عمرهم، اختفوا يوم 1 حزيران/ يونيو في القاهرة أثناء توجههم لتناول العشاء مع بعضهم، وبعد بحث طويل وجهود مضنية قامت بها عائلاتهم تبين أنهم في السجن، ولم تنجح كل محاولات المنظمات الحقوقية للإفراج عنهم.
وقالت الصحيفة إن كل المراقبين للوضع المصري يؤكدون أن الإخفاء القسري هو سياسة يعتمدها السيسي، وهي تمثل بقايا سياسات النظام السابق، الذي قاده حسني مبارك طيلة 30 سنة من الدكتاتورية، والذي كان يفترض أن تكون قد أسقطته ثورة 25 يناير 2011.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس محمد مرسي، بعد فترة قصيرة من فوزه في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها مصر، شكل لجنة للتحقيق في عمليات الإخفاء التي قامت بها الأجهزة الأمنية ضد نشطاء الثورة المصرية، وقد تم توثيق أكثر من 1200 حالة في سنة 2011 فقط، تعرض أغلبهم للقتل من قبل الجيش المصري، وانتهى بهم الأمر في مقابر جماعية.
ونقلت الصحيفة عن محمد لطفي، مدير المركز المصري للحقوق والحريات، قوله إن هذه الظاهرة يتعرض لها نشطاء حقوقيون ومحامون وصحفيون مستقلون، حيث تتم الاعتقالات بشكل عشوائي ويخضعون للاحتجاز المطول دون محاكمة، ثم يتم إصدار أحكام قاسية في حقهم دون ضمانات لمحاكمة عادلة، بعد أن يتعرضوا للتعذيب ويتعرض بعضهم للقتل في سجون النظام المصري.
كما لم يُخف محمد لطفي تخوفه هو أيضا على سلامته الشخصية، وعلى الناشطين في منظمته، والمحامين الذين يقدمون الدعم القانوني والاستشارة لعائلات الضحايا.
في المقابل، أوردت الصحيفة أن ضغوطات المجتمع المدني حققت بعض النجاحات النسبية في عدد من الحالات؛ ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، اضطر المجلس الوطني لحقوق الإنسان التابع للنظام المصري للاعتراف بوجود 191 حالة إخفاء قسري، وطلب من وزارة الداخلية تقديم توضيحات حول مصير هؤلاء. ورغم أن الداخلية امتنعت عن الاستجابة في البداية، فإنها اعترفت لاحقا بامتلاكها معلومات حول 117 من بين هؤلاء المختفين، وقالت إن 99 منهم في السجن، و15 تم الإفراج عنهم، وثلاثة هربوا، ولكنها ظلت مصرة على أنه لم يتعرض أي منهم للإخفاء القسري.
وقالت الصحيفة إن أكثر من ألف ضحية آخرين لا يزالون مختفين دون معرفة أي معلومات عنهم، وتضطر العائلات في أغلب الأحيان إلى بذل مجهودات ذاتية ودفع الرشاوى لمسؤولين في النظام المصري، لمجرد الحصول على معلومات حول مكان احتجاز أبنائهم، كما يحاولون الاتصال بمعتقلين سابقين علهم يمتلكون معلومات حول أبنائهم الذين يقع اختطافهم من جهاز المخابرات أو الشرطة أو الجيش.
وأضافت الصحيفة أن هؤلاء المختطفين يتم احتجازهم دون محاكمة في عدة سجون، من أسوئها سجن العازولي، الذي لم يتم الكشف عنه إلا قبل سنة واحدة. كما يُعتقد بوجود 400 محتجز آخر في سجن معسكر الجلاء في الإسماعيلية لم يتم تقديمهم للمحاكمة، ولم يتمكنوا من مقابلة أي محام، بعد أن تم اختطافهم من أحيائهم ومنازلهم وتعرضوا للتعذيب وحرموا من الرعاية الطبية، وأُجبروا على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، بحسب تأكيدات كل السجناء السابقين الذين أسعفهم الحظ للخروج من هذا الكابوس.
وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أن التحالف المشبوه بين قوات الجيش المصري وجهاز الاستخبارات والسلطة القضائية في مصر، يمثل سبب سطوة الأجهزة الأمنية وغياب حرية التعبير وتحول مصر إلى دولة بوليسية.