نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتب إيال برس، ينتقد فيه قانونا أمريكيا جديدا يتعامل مع منتجات
المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مثل معاملته لأي منتوجات إسرائيلية أخرى.
ويبدأ برس تقريره بالإشارة إلى هدية أرسلها السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر، قبل الكريسماس بقليل إلى البيت الأبيض، وهي عبارة عن صندوق من الهدايا التي تحمل رسالة سياسية مهمة.
في الصندوق كانت هناك أشياء مثل كريمات للجسد وحلوى وزيت الزيتون، وهي مواد منتجة في مستوطنات الضفة الغربية، أو ما يسميها ديرمر "يهودا والسامرة"، وهي التسمية التي يطلقها المتدينون اليهود على الضفة الغربية.
ويعلق الكاتب قائلا: "قد يمكن تبرير ذلك من وجهة النظر التوراتية، ولكن لا يمكن تبريره من منظور قانوني وأخلاقي، كما يوثق تقرير جديد لـ(هيومان رايتس ووتش) بأن الاحتلال الإسرائيلي تحول إلى تجارة مربحة، تستغله الشركات كونه جزءا من منظومة غير شرعية ومسيئة".
ويضيف برس: "تحصل هذه المشاريع، كما يحصل المستوطنون، على محفزات من الحكومة الإسرائيلية، ومعاملة تفضيلية للحصول على الأراضي والمياه وإيجارات رخيصة، ما يجعل من الأراضي المحتلة مقصدا مفضلا، ولكن القصة تختلف بالنسبة للفلسطينيين، الذين تمنع عنهم التراخيص لإنشاء أعمال خاصة بهم بشكل روتيني، وبسبب منعهم من وصول أراضيهم، ومحاصرة القيود لهم، فإن الاقتصاد الفلسطيني يخسر 3.4 مليارات دولار في السنة، بحسب البنك الدولي".
ويقول الكاتب إن "تلك المشاريع التجارية تعمل بشكل غير قانوني في أراض محتلة، وتستخدم مساحة كبيرة من الأرض، فهناك حوالي ألف مصنع في سلسلة مناطق صناعية إسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية. وتتجاوز المساحة التي تشغلها هذه المشاريع التجارية مع مراكز التسوق والمشاريع الزراعية المساحة السكنية للمستوطنات".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى مجادلة بعض المسؤولين الإسرائيليين بأن الفلسطينيين يستفيدون من مشاريع المستوطنات التجارية، حتى أن مالك أحد المصانع يقول إن المصانع تصنع
بضائع للسلام، ولكن الكثيرين يعملون في المستوطنات فقط لأن إسرائيل تخنق الاقتصاد الفلسطيني، وتحرمهم من البدائل، ولأن الحكومة قليلا ما تقوم بالتفتيش على أوضاع العمال، فإن العمال الفلسطينيين يتقاضون أجورا أقل من الأجور الدنيا الإسرائيلية، وإن اشتكى العمال يهددهم صاحب العمل عادة بتلفيق قصة أمنية لهم تتسبب بحرمانهم من تصريح العمل، بحسب تقرير "هيومان رايتس ووتش".
وتعلق الصحيفة بالقول: "رؤية المنتوجات المصنعة تحت هذه الظروف على أنها لا تختلف عن تلك المنتجة في إسرائيل، تحتاج غض الطرف عن تلك الإهانات، وللأسف فإن هذا تشريع جديد، سيجده الرئيس
أوباما على مكتبه قريبا، ستفعله الحكومة بإدخاله تحت عنوان قانون أكبر، عرف بمشروع قانون الجمارك، الذي تم تمريره في مجلس النواب، ويتوقع موافقة مجلس الشيوخ عليه، وبحسبه يلزم المسؤولين الأمريكيين بالتعامل مع منتوجات المستوطنات بالطريقة ذاتها، التي يتعاملون بها مع المنتوجات المصنعة في إسرائيل دون تمييز".
ويلفت برس إلى أن "هذا البند أضيف إلى قانون يتعلق بالتجارة الدولية؛ بحجة محاربة
المقاطعة، وإلغاء الاستثمارات والمقاطعة التي تدعو إليها حملات شعبية في الغرب؛ للضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين، ولكن القانون الأمريكي الحالي يمنع الشركات الأمريكية من المشاركة في مقاطعة لإسرائيل تقودها دول، فتحت ستار فقرة تحارب المقاطعة، ويوفر قانون الجمارك الحماية ذاتها (للمناطق التي تسيطر عليها إسرائيل)، ويقصد بها المستوطنات، لذا يجب على المفاوض التجاري الأمريكي التعامل مع المناطق الصناعية في الضفة الغربية بالضبط، كما يتعامل مع مصنع في تل أبيب، وهذا بالضبط ما يريده المستوطنون المتطرفون".
ويفيد التقرير بأن هذا التغيير المحتمل والصامت في السياسة الأمريكية يأتي في الوقت الذي يقود فيه الإحباط، بسبب تعثر العملية السلمية، والقبضة الإسرائيلية المتنامية على الضفة الغربية، إلى مزيد من الضغط على المستوطنات في إسرائيل، مشيرا إلى أن كنيسة "يونايتد كرايست تشرتش" اتخذت هذا الأسبوع قرارا بعدم الاستثمار في خمسة بنوك إسرائيلية؛ لأنها تمول المستوطنات، وكان الاتحاد الأوروبي قد طالب إسرائيل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بالتمييز بين منتجات المستوطنات والمنتجات الإسرائيلية.
وتورد الصحيفة أن تقرير "هيومان رايتس ووتش" يوضح أن هذه الخطوات تتطابق مع القانون الدولي؛ لأن الشركات التي تتعامل تجاريا مع المستوطنات كلها تشارك في انتهاك حقوق الإنسان، ولذلك يجب عليها التوقف، ولأنه لا يوجد بلد واحد يعترف بحق إسرائيل في الضفة الغربية، فعلى شركائها التجاريين الإصرار على ألا تحمل منتجات المستوطنات عبارة "صنع في إسرائيل".
ويذكر الكاتب أن السلطة الفلسطينية وصفت عملية تمييز البضائع المنتجة في المستوطنات بأنها خطوة مفيدة، حيث إن السلطة تدعم مقاطعة هذه البضائع، ولكن حكومة بنيامين نتنياهو، كما هو متوقع، تخالف الرأي، ففي رسالة السفير الإسرائيلي مع الهدية للبيت الأبيض، ادعى أن ضغوطات الاتحاد الأوروبي لتمييز منتوجات المستوطنات تجعل إسرائيل تبدو وكأنها "دولة منبوذة". مستدركة بأنه نسي أن يذكر وجود عريضة وقعت عليها 550 شخصية إسرائيلية، رحبت بقرار الاتحاد الأوروبي، وطالبت الدول الأخرى بأن تحذو حذوها. ومن بين الموقعين كان الفائز السابق بجائزة إسرائيل في الفلسفة أفيشاني مارغاليت، ورئيس الكنيست السابق أفراهام بورغ.
وبحسب التقرير، فإن إدارة أوباما أوضحت أنها لا تقبل الخلط بين المستوطنات وإسرائيل، وعندما تصل مسودة القانون إلى مكتب الرئيس أوباما، قد يتخذ الخطوة النادرة بأن يصدر بيان توقيع يعارض فيه اللغة المتحيزة للمستوطنات في المسودة.
وتستدرك الصحيفة بأنه "إذا نجحت هذه المسودة في أن تصبح قانونا، فإنها ستشكل انتصارا كبيرا لليمين الإسرائيلي، مع أنه انتصار سيندم عليه لاحقا. فكلما أصبح الخط الفاصل بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية أكثر ضبابية، زاد احتمال أن يشكك بقية العالم لا بشرعية المستوطنات فحسب، بل بشرعية إسرائيل ذاتها".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه على المدى الطويل لن يمنع هذا القانون من تصنيف إسرائيل على أنها دولة منبوذة، ولكنه سيضع بأيدي من يرونها كذلك سلاحا قويا.