نشرت صحيفة البايس الإسبانية تقريرا حول مآل
الربيع العربي، وقالت إن بعض الأنظمة الدكتاتورية سارعت لإجهاض مسار الثورات عبر استعمال العنف والدفع نحو انتشار التطرف والإرهاب، واستهدفت بشكل خاص حركات الإسلام السياسي المعتدل التي قدمت بديلا عن أنظمة الحكم الدكتاتوري.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن العالم العربي قبل خمس سنوات بالضبط؛ شهد انتفاضة فتحت الباب أمام جميع الاحتمالات، وشاهد العالم الغربي الشعوب العربية على الضفة الأخرى للمتوسط وهي تثور على الواقع الاستبدادي، ما أجبر الرئيس السابق زين العابدين بن علي وعائلته على الهروب من
تونس، للعيش في منفاه الملكي في مدينة جدة السعودية.
وأضاف التقرير أن الدول الغربية لم تدرك في البداية أن ما يحدث هو ثورة حقيقية؛ لأنها لم تكن على وعي بحالة الغضب والغليان التي تعانيها الشعوب العربية بسبب الفقر وانعدام الحرية والعدالة الاجتماعية، وأن الوقت قد حان لتقف هذه الشعوب وتقول "هذا يكفي!".
وأشار التقرير إلى أن مرحلة الغضب والحراك في العالم العربي انطلقت قبل تاريخ 14 كانون الثاني/ يناير بكثير، ولكن بشكل صامت وعلى فترة طويلة، عبر سلسلة من الإضرابات والمظاهرات والحراك المدني، وجهود المؤسسات الحقوقية التي عملت على تقويض الحكم الشمولي وفضح ممارساته، على مدى العشرية التي سبقت اندلاع الربيع العربي.
وخلال أسابيع قليلة من شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 2011، شاهد العالم حشودا من المواطنين تحتل شوارع تونس والقاهرة وصنعاء والدار البيضاء والمنامة، في استعراض ضخم وغير مسبوق، دحض الاعتقاد السائد بأن العرب مستكينون للاستبداد، حين علت هتافاتهم بشعار: "الشعب يريد إسقاط النظام".
وذكر التقرير أن بعض رؤوس الأنظمة الدكتاتورية مثل بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي سقطوا سريعا أمام الهبة الشعبية، ولكن البعض الآخر مثل بشار الأسد وآل خليفة في البحرين نجحوا في المقاومة، وأطلقوا آلة الثورة المضادة، ولذلك فهم يمكن تحميلهم مسؤولية تحول هذا الربيع إلى كابوس، كما تقول الصحيفة.
واعتبر التقرير أن هذه الثورة المضادة اعتمدت أسلوبا لطالما تم استعماله في فترة ما بعد الاستعمار، وهو الإرهاب والعنف والفوضى، حيث سجلت المنظمات الإرهابية صعودا سريعا بفضل ما تتلقاه من دعم خفي من الأنظمة الاستبدادية، وقد لعب نظام بشار الأسد دورا حيويا في صنع هذا الوضع الكارثي وتمدد تنظيم الدولة، عبر نشر حالة من اليأس والنقمة لدى شعبه بسبب رده العنيف على المحتجين السلميين وجرائم الحرب التي ارتكبها ضد المدنيين.
ورغم توجيه العديد من الباحثين أصابع الاتهام لهذه الأنظمة في تفاقم الظاهرة الإرهابية، يواصل زعماء الدول الغربية على غرار، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون ورئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي؛ تركيزهم على المصالح والحسابات الاقتصادية.
واعتبر التقرير أن هذا التعاون الخفي بين الأنظمة الدكتاتورية وتنظيم الدولة؛ يخفي وراءه أيضا خوفا مشتركا لدى كلا الطرفين من صعود الإسلام المعتدل، حيث إن هذه الأنظمة أصبحت تخشى خسارة كل شيء، وتجريدها من الشرعية الدينية أو القومية التي تتذرع بها، بعد أن شعرت بأن الشرق الأوسط مقبل على زلزال سياسي وتغيير جذري.
وأضاف أن "الإسلام الديمقراطي"، الذي تمثله حركة النهضة في تونس والإخوان المسلمون في
مصر، كان هو المستهدف الأول، من خلال المؤامرات التي نجحت في سنة 2013 في تنفيذ الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، لتحقق بذلك آلة الثورة المضادة أهم وأكبر انتصار لها.
وقال التقرير إن الشعارات المرفوعة خلال المظاهرات التي شهدها العالم العربي في سنة 2011؛ تؤكد أن الانفتاح السياسي والديمقراطية تسير جنبا إلى جنب مع "الإسلام المعتدل". ورغم أن أوروبا تتجاهل هذا الأمر بسبب ما أحدثه تنظيم الدولة من تشويه للإسلام، وتحاول التركيز على حربها على الإرهاب، فإنه يتوجب عليها أن تعلم أنه بدون الإسلام المعتدل والديمقراطية في الدول العربية لا يوجد أي مخرج من المأزق الحالي، ولن ينعم العرب بالاستقرار، كما أن أوروبا لن تجد حلا لمسألة تدفق المهاجرين والتهديدات الأمنية.