عام ونصف قضاه
السيسي في موقع الرئاسة، وعامان ونصف مضى على الانقلاب العسكري الذي قام به على أول رئيس منتخب، ورغم ذلك فإن الانجازات التي قام بها السيسي جديرة بالتوقف أمامها!
صحيح؛ لا تستغرب من كلامي هذا، فما يحتاجه أوسع الطغاة ظلما وأكثرهم غباء وأشدهم جنونا من سنوات وعقود لتدمير وطن ومقدراته، نجح السيسي فيه وبامتياز في سنتين فقط، وهو إنجاز سيكتب له بحروف بارزة في تاريخ الديكتاتوريات الفاشلة!
شرقا: إكمال حصار غزة
بعد يوم واحد من الانقلاب العسكري قام جيش السيسي بهدم الأنفاق الرابطة بين سيناء وقطاع غزة، التي ينقل خلالها ما يحتاجه سكان القطاع من سلاح ودواء ومواد غذائية!
هدم الأنفاق ثم إغراقها بالمياه فكرة ألهبت حماس الإسرائيليين، وأثارت إعجابهم، بهذه القدرات غير المسبوقة على التدمير والإهلاك والتمادي في الخيانة إلى مدى غير مسبوق! مما ألقى الغيرة في قلب زميله في الكفاح الصهيوني محمود عباس الذي احتج بأنه صاحب الفكرة!
غربا: منع الثورة الليبية من حسم المعركة
أخذ السيسي يتحين الفرصة بعد الفرصة لضرب الثوار الليبيين الذين يصفهم بالإرهاب، وجاءته الفرصة - أو اصطنعها - بادعاء تنظيم الدولة ذبح أقباطا
مصريين على سواحل ليبيا.
تدخل السيسي بدعم إماراتي غير خفي، لا لضرب تنظيم الدولة الذي ادعى قتل الأقباط، بل لضرب مجلس شورى ثوار بني غازي، ومجلس شورى ثوار درنة الذين يقاتلون داعش التي من المفترض أنها تعادي السيسي!
أمد السيسي خليفة حفتر بالسلاح وبدعم إماراتي واضح، مانعا الثوار من هزيمة التمرد الذي يقوده برلمان طبرق وبواقي جيش القذافي شرق ليبيا! ولولا أسباب خارجية لما توقفت الحرب وتم التوقيع على اتفاق الصخيرات الهش بين طرفي الأزمة الليبية على مضض من القاهرة وأبو ظبي!
شمالا: بيع حقول غاز المتوسط
اتجه السيسي إلى الدول الأكثر فقرا في الاتحاد الأوربي، فاليونان التي كادت أن تتسبب في انهيار منطقة اليورو بسب أزمة ديونها السيادية، كانت محط أنظار السيسي، بالإضافة إلى قبرص الصغيرة، بتوجيه إسرائيلي واضح، وهو حلف لا يجمعه شيء إلا عداء تركيا، فالدول الثلاث ضمن 11 دولة على حافة الإفلاس طبقا لتصنيف مودي، وكذلك التنازل عن حقوق مصر في حقول الغاز في الشمال!
مصر كانت قد رسمت بالفعل حدودا بحرية مجحفة للغاية مع قبرص منذ 11 سنة فى عهد مبارك، حتى جاء برلمان 2012 المنتخب وقراره إلغاء اتفاقية الحدود البحرية مع قبرص، وإعادة ترسيمها بقيادة عضو مجلس الشورى العالم الجيولوجي د. خالد عوده (إخوان مسلمين) الذي حوكم 5 مرات أمام محاكم مدنية وعسكرية!
وبإبرام الاتفاقيات الجديدة التي وقعها السيسي، ستتنازل مصر عن نصيبها في المساحة بينها وبين تركيا لصالح اليونان وقبرص، نكاية فى تركيا! رغم أن المنهوب من تلك الثروات في الجزء الذي يخص مصر وتنازل عنه السيسي أكبر بكثير مما يخص تركيا!
جنوبا: لأول مرة سد على النيل!
وكما ضيع السيسي حقول الغاز في الشمال، ضيع أمن مصر المائي بموافقته على بناء سد على النيل في دولة من دول المنبع!
فلق وقع السيسي بيده على وثيقة مبادئ تعطي لأثيوبيا الحق في بناء سدود على النيل، واقتصرت المطالب المصرية على بعض التفاصيل التافهة التي لا تقدم ولا تؤخر!
ومنذ أيام تم الإعلان رسميا عن تحويل مجرى النيل ليمر لأول مرة عبر سد النهضة الأثيوبي، مما يهدد مصر كلها بأحد الضررين: العطش إذا أغلق الخزان، أو الإغراق في حال انهيار السد!
في الداخل: تغيير عقيدة الجيش واقتصاد على حافة الإفلاس
فعل السيسي ما رفض سلفه حسين طنطاوي فعله إبان حكم مبارك الذي كان يسمى كنز إسرائيل الاستراتيجي، قبل أن يأتي السيسي ليبين لهم أن هذه الكلمة لم تكن دقيقة مقارنة بما يقدمه لإسرائيل!
فوفق وثائق ويكيليكس، رفض طنطاوي تغيير عقيدة الجيش من أن إسرائيل هي العدو إلى محاربة الإرهاب! وباعتراف السيسي نفسه فقد تقدم مبارك إلى الجيش في التسعينات للتدخل في الحرب ضد الجماعات المسلحة في الصعيد في التسعينيات، وأن الجيش رفض هذا الطلب!
أما السيسي فقد فعل هذا وأشد، فأعلن صراحة أن مصر تواجه الإرهاب الذي كان محتملا، ثم سرعان ما تطور الأمر إلى قيام الجيش بأكبر مذبحة في تاريخ مصر، في رابعة العدوية والنهضة، ثم القيام بحرب حقيقية استخدم فيها جميع الأسلحة التي بحوزته – باستثناء السلاح الكيماوي – في حربه ضد أهالي سيناء، التي قصفها بالبر والبحر والجو، وهجر أهلها بإقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع قطاع غزة ولمسافة تمتد داخل العمق المصري مسافة 5كم، مما يعني فعليا إزالة مدينة رفح من الوجود!
اقتصاديا: فقد استولى السيسي على مليارات الخليج التي تجاوزت 50 مليار دولار، ورفع الدعم جزئيا عن البنزين والكهرباء، وشهد الجنيه المصري تراجعا ملحوظا في عهده، وعرفت البلاد أزمة دولار، انعكس بشكل مباشر على ارتفاع كبير في الأسعار، نتيجة انهيار السياحة وتراجع إيرادات قناة السويس، وصارت مصر من ضمن 11 دولة مهددة بالإفلاس!
الخلاصة:
لقد استطاع الغرب تطويق مصر بالكامل من جميع الجهات، حتى لو جاءت حكومة مستقلة ترفض الانصياع لواشنطن وتل أبيب! فلقد كانوا يسابقون الزمن لوضع قيود قوية ودائمة على أي حكومة مقبلة في حال اختفاء السيسي من المشهد، ولا شك أن السيسي ساعدهم كثيرا في ذلك. أرأيتم كيف نجح السيسي في تحقيق الأهداف الموكلة إليه!