قالت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها إن الجهاد العنيف سبق أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وسيبقى بعد ذهاب
تنظيم الدولة، بينما يقزم تنظيم الدولة تنظيم القاعدة اليوم، مستدركة بأنه حتى لو تمت هزيمة التنظيم عسكريا، فإنه لن يتم القضاء على التطرف العنيف.
وتشير الافتتاحية إلى أنه بينما يقوم التنظيم بتدريب المزيد على أساليب الإرهاب في مخيمات التدريب الواقعة في المساحات التي يسيطر عليها، يصبح السؤال حول كيفية تقليص مساحة نفوذه سؤالا ذا أهمية عالية. مبينة أن هذا السؤال لا علاقة له بالطائرات دون طيار والقنابل، ولكن بالقلوب والعقول.
وتبين الصحيفة أن تنظيم الدولة مثله مثل أي تنظيم إرهابي "جهادي"، يحاول تقسيم العالم إلى مؤيدين وغيرهم، مشيرة إلى أن هذه الحملة تهدف إلى تدمير التعددية الثقافية أينما وجدت. ويهدف التنظيم من خلال الإرهاب إلى زرع انعدام الثقة والكراهية في المجتمعات.
وتلفت الافتتاحية إلى أن "الإرهابيين أنفسهم في العادة متعلمون، ومنحدرون من عائلات حالتها المادية جيدة، ولكن رسالتهم قد تكون جذابة لأولئك الذين يشعرون بالتهميش. ومع أن هذا ليس هو لب الأمر، ولكن لإحباط محاولة إشعال حرب ثقافات، يجب التعامل مع هذا الشعور بالظلم. وهذا يعني معالجة تجربة المسلمين، التي يشترك فيها
المسلمون في أنحاء أوروبا، التي عادة ما تتلخص في الآتي: عدم التفوق في المدارس، وصعوبة تحصيل وظيفة، والمعاناة لأجل الحصول على ترفيع في الوظيفة، وقلة القدوات الناجحة".
وتجد الصحيفة أنه "انطلاقا من هذا الشعور بالظلم المشترك تنشأ هوية مشتركة، قد يدعمها، ولكنه ليس مسببا لها،
الدين، كما يفهم تقليديا. وقد يضاعف من هذا فقدان الصوت في الحكومة، وغياب أي تفاعل بناء؛ ففي
بريطانيا تشكو المجتمعات الإسلامية من غياب اتصال دائم بين قياداتها والوزراء، بينما تعد استراتيجية الوقاية التي تتبعها وزارة الداخلية عبارة عن وسيلة للتمييز العنصري ضد المسلمين، بالتجسس على أنشطتهم البريئة".
وتفيد الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، بأن مصطلح الإدماج يعني التواصل مع المجتمعات كلها، مثلا تشجيع ورصد التنوع في القطاعين الخاص والعام. مستدركة بأنه يعني أيضا الاعتراف بأن المجتمعات المسلمة هي الأفقر والأقل مشاركة في الحياة العامة.
وتذكر الصحيفة أنه من أجل تحديد الأسباب وراء ذلك، قامت منظمة "ستزن يو كي" الشعبية بإنشاء لجنة لتتبع العقبات التي تحول دون مشاركة المسلمين في الحياة العامة، وسيرأس اللجنة المدعي العام السابق دومينيك غريف، كما تضم اللجنة رئيسا سابقا للاستخبارات العسكرية الخارجية (MI6) وقائدا سابقا للقوات البرية البريطانية.
وترى الافتتاحية أن نظرة الحكومة البريطانية لمكافحة التطرف ضيقة الأفق، وتحاول تصنيف المسلمين بمقياس من "متطرف" إلى "معتدل"، وتكافئ المعتدلين، بينما تعاقب المتطرفين. ولا تفهم أن أي منظمة تأخذ أموالا ودعما حكوميا تسقط في عيون الناس، الذين هم هدف التأثير.
وتوضح الصحيفة أن الحديث عن "التطرف" في هذا السياق قد يصبح محيرا ومضرا أيضا. فتسمية الجهاديين، "الذين هم في الغالب يكونون جاهلين في الدين عند تجنيدهم"، مسلمين متطرفين توحي أيضا بأنهم مسلمون ملتزمون. بينما هناك مسلمون كثيرون متدينون ومتحمسون، ويفسرون دينهم على أنه لا يطلب منهم أكثر من السلام والتضحية.
وتورد الافتتاحية أن "الحكومات الغربية تواجه مهمة صعبة، بينما تسعى إلى طمأنة الغالبية من شعوبها دون تنفير، أو التعامل بفوقية مع جمهور آخر مهم أيضا. فالقول بأن الإسلام (دين سلام) يبدو محاولة بدائية لتوجيه الخطاب للجمهورين في آن واحد. وأيضا محاولة الدعوة إلى (القيم البريطانية). يجب على المدارس تعليم التسامح وانفتاح العقل، ولكن هذا يتم بالمثال وبالثقافة وليس بالشعارات. والناس المطلوب منهم إثبات أن الإسلام قادر على إثراء القيم البريطانية هم المسلمون أنفسهم في حياتهم العادية. ولن يفعلوا ذلك بأن يدفعوا بغطرسة إليه، ولكن بدافع شعورهم بالربط بين السلام وعمل الخير الذي يمارسونه في حياتهم، كونهم بريطانيين ومسلمين في آن واحد".
وتنوه الصحيفة إلى أن هناك حاجة لإعطاء فسحة معترف بها للمجتمعات الدينية في مجتمع علماني، دون التنازل عن القيم الأساسية أو حقوق الإنسان والمساواة. مثلا قامت بعض المدارس الابتدائية في شرق لندن بمنع الصيام خلال شهر رمضان، وكان هذا فعلا غير مناسب وغير ضروري؛ لأنه ليس من المطلوب من الأطفال الصغار الصيام على أي حال.
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالإشارة إلى أن الأكثر تعقيدا هو الحاجة لإدراك أن بعض قرارات السياسة الخارجية السلبية أو الإيجابية تشكل رأيا لدى المسلمين. وهذا لا يعني اتخاذ قرارات مغايرة، ولكن يعني الحاجة إلى وعي أكثر. مبينة أن ذلك يعني أن أقوى سلاح ضد الجهاديين والسلاح الذي يخشونه أكثر من أي سلاح هو التضامن.