كتب أيمن خالد: أميل إلى التوصيف أن الهزيمة
الفلسطينية هي سبب أساسي في تراجع الحالة الثورية العربية، وأميل إلى التوصيف أن الأرض الفلسطينية وعلاقتها بالصراع المباشر مع إسرائيل، هي قادرة على إعادة دفع الربيع العربي باتجاهه الصحيح، وقد يُرى في الكلام مجرد تحميل الفلسطينيين ما لا يحتملون، ولكنه هو هذا الواقع، فالرابط بين الفلسطينيين والشارع العربي، هو استمرار تلك الحالة الفاعلة في فلسطين، وهي وحدها ظلت تقدم انعكاساتها على الشارع العربي، الذي في أوج الفعل النضالي الفلسطيني كان ضاغطاً متفاعلاً على الأرض، مما بدل القناع السياسي للعديد من الأنظمة، فاضطرت للتفاعل معه إيجاباً.
وقد نستطيع توصيف حالتين كانتا تعني للشارع العربي الهزيمة بعينها، الأولى هي الخروج من بيروت، لأن الذين خرجوا من بيروت ليسوا مجرد مقاتلين فلسطينيين وعرب، ولكن لأن بيروت، حالة فلسطينية جعلها الفلسطينيون عربية بامتياز، فالنخب المميزة- ثقافية وسياسية – استوطنت بيروت، وبعد بيروت، لم تعد هناك بوصلة فلسطينية، ولا حتى عربية، فكانت سنوات الضياع، التي انقذها الفلسطينيون بانتفاضتهم، وأما الحقبة الثانية، فهي الهزيمة الفلسطينية نتيجة الاقتتال الفلسطيني في غزة والانقسام الذي تبعه، ولا نزال نعاني آثارها وانعكاساتها على الشارع العربي.
لا يمكن أن نقول إن هموم الشعب العربي ظلت محلية خالصة لا ترتبط بقلب الأمة، ولا يمكن أن نشاهد حالة قمع أو قتل للجماهير العربية من أشخاص ينتمون ـ الآن- أي في الوقت الراهن، لمشروع مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، بل كل ما يحدث، هو قيام جمهرة العسكر، ومن بات في ركابهم، ومشروعهم هو أن تقبل بهم أمريكا وإسرائيل فقط، ويحدث هذا بالطبع فوق جثث الأبرياء، وبما أن المعركة طويلة، ومديدة، فهل يمكن لنا أن نعيد طرح الورقة الفلسطينية من جديد، لعلها على الأقل توقف النزف العربي.
المسألة ليست معجزة، ومسألة ترتيب الشارع الفلسطيني ليس بالضرورة أن تصل إلى الاتفاق الشامل في كل شيء، لكن على الأقل، علينا اختيار الصورة المناسبة التي يمكن أن ننطلق بها ونصل من خلالها إلى ما هو مطلوب.
بداية في هذا الصدد تواجهنا المشكلة الكبرى، أن أغلب قادة الفصائل الفلسطينية أو الذين يجلسون في الصف الأول، هم لا يقرأون، وهم حتى لا يتابعوا أكثر من نشرات الأخبار التي تتم صياغتها بعناية فائقة، تجعل من الفصائل الفلسطينية زبائن دائمة للحضور في وسائل الإعلام العربية، وهنا تغيب مصلحة، وتحضر غيرها، وهنا يمكن أن يكون الحضور الفلسطيني كله حضور دبلوماسي، يحافظ على نسق دبلوماسي محدد، وهو أشبه بصورة المقيم في دولة بلا اقامة، أو المقيم في فندق، ويصعب عليه الاهتداء لطرق وحارات المخيمات التي كان يسلكها في أيام الثورة.
بعيداً عن الاتهام، نحن اليوم بحاجة إلى الفصائل الفلسطينية التي دخلت عصر الرفاهية العائلية، وغادرت زمن المطاردات، حينما كان القائد مجهول الصورة والصوت، كان حدثاً مهماً، ولكنه عندما أصبح ظاهرة تلفزيونية، لم يستطع أن يحافظ على هذه الصورة، بتلك القوة، وتلك الإرادة التي تجعل من اطلالته، تعني للمتلقي أن شيئاً مهماً حصل، بينما الاطلالات التلفزيونية الفلسطينية، هي أصبحت كنوع من أنواع التنوع في التلفزيون، الذي يعرض مختلف الوجوه والاختصاصات، من الفن إلى الرقص، وحتى السياسة، واليوم بالفعل، هناك ساسة عرب، ينافسون فنانات الصف الأول على كثرة الظهور.
نحن بحاجة إلى التخلي عن الإعلام الفظ، وبحاجة منهم، خصوصاً في لبنان، أن يقيموا في مخيمات الشتات، على بؤس تلك المخيمات، لأنها بخطورتها، وصعوبتها، هي بالفعل نقطة القوة والحدث السياسي، الذي يمكن أن يخرج منها، ويصل إلى أطياف الأرض.
أن تكون مراكز الفصائل الفلسطينية في لبنان هي في المدن، هذا الامر لا يعني شيئاً، وأن ينتمي الفلسطينيون إلى بيئة، مختلفة، هي أفضل من أن تتم مصادرتها منهم، على شاكلة المجموعات الإسلامية، التي تريد اعادة انتاج مصدر فلسطيني جديد، لكنه مجهول وغامض، ويقود إلى مزيد من ارهاق الفلسطينيين، تماماً على شاكلة ما يحدث من انقسامات سياسية حادة، ممثلة بظهور التيارات السلفية، التي هي بديل طبيعي أنتجته البيئة المحلية، وهو بديل كارثي، لأن المنطقة لا تستوعبه، ولأنه داخلياً لا يشكل حالة إجماع، ولا يصل بأي من الوجوه الموجودة لأي نوع من الاتفاق. في لبنان التي تنتظر مخيماتها مصير مخيم اليرموك، هناك معنية قيادات المقاومة بالمبيت فيها لحراستها من حصول الكارثة. وفي غزة، معنيون بتوحيد القوى العسكرية تحت مسمى جديد، يعني ذلك وحدة عسكرية ـ فقط- لكامل القطاعات العسكرية، لأننا في السياسة لا نستطيع الاتفاق.
مطلوب من
حماس والجهاد الإسلامي توحيد كامل القطاع العسكري، وأن يقتسموا كسرة الخبز الواحدة معاً في ظل الحصار، ومطلوب من قادة الفصائل أن يقرؤوا ويستمعوا. ومطلوب من النخب الفلسطينية المثقفة أن تتوقف عن التطبيل وأن تضع أصبعها في عين القائد حتى يرى جيداً.
كل ما يدور في محيط فلسطين من ذبح للشعب العربي، هو بسبب فلسطين، فهل يعي الفلسطينيون موقعهم التاريخي، وهل يفعلون أشياء لأجل أن يخففوا من معاناة شعبنا الفلسطيني ثم الأمة.
على كامل الفصائل الفلسطينية أن تغادر موقع الضحية الباحث عن الانصاف، إلى موقع التحمل للمسؤوليات،.. هل من المخيم؟ نعم من المخيم هذا يمكن حمايته، ويمكن إعادة صياغة وجه الامة.
(عن صحيفة القدس العربي اللندنية- 20 أيلول/ سبتمبر 2015)