بنت
مصرية، شاطرة، مجتهدة، درجات عالية وتفوق، طول عمرها الدراسي، فجأة، صفر في الثانوية العامة، صفر، أحدهم سرق ورقها، بدلوه، أهلها وقفوا معها، تعاطفوا، لم يخبرها الأب أنها خايبة، وفاشلة، و"مش نافعة"، رفعوا قضية، اشتكوا، خاطبوا في الناس المنطق، كيف؟ الوزير وعد بالاعتذار، وبدا أن الأمر في طريقه للحل، تعاطف الأهل انتقل إلى الدولة، أصبحت محل تعاطف الجميع، احترموا قضيتها، اقتنعوا بعدالة مطالبها، بدأوا في اتخاذ إجراءات عملية لإعادة الحق إلى أصحابه، البنت بدورها بدأت تظهر في الصور مبتسمة، وجميلة، حاجة تفرح.
فجأة، حدث ما هو أسوأ من الـ"صفر"، وهو شرعنة الصفر، إثباته بـ - لا مؤاخذة – القانون، تقرير الطبيب الشرعي أفاد بأن مريم كانت تتعاطى البانجو، عفوا، هذا ليس هو، هذا التقرير يخص "ملاك" آخر، تقرير الطبيب الشرعي الخاص بكشوف العذرية قال، "يا دي النيله"، عفوا، إن البقر تشابه علينا، إي نعم، هذا هو التقرير، صفر مريم حقيقي، وخطها في ورقة الإجابة مطابق، مريم تستحق الصفر، وماذا عن حقها، الذي لن ينام رئيس الوزراء قبل أن ينتزعه لها، وصورها مع المسؤولين، ولقائها بـ"البابا"؟ ماذا عن هذا كله؟؟
***
"أنا شفت الفيلم ده فين قبل كده؟"
ثمة "صفر" كبير أخذه جيل كامل في تقييم آبائهم من المتأستذين بغير علم، ولا منجز، صفر الجيل "البايظ"، المرفه ! جيل "لولاكي"، و"بم بم" "العيال بتوع الفيس بوك، وتويتر"، "صفر" بلا امتحان، ممهور على صفحة حياتهم بيد جيل آخر فشل في كل امتحاناته، لكنه قرر أن فشله هو أعظم ما حدث لمصر في تاريخها، وليس في الإمكان أبدع مما كان، لا أقول إننا الجيل الأفضل، فهذا النسق ليس من شأنه أن يأتي بـ"الأفضل" لكننا الجيل الذي حاول، نزلنا يوم 25 يناير، تتويجا لسنوات طويلة من العمل السياسي، والنضال ضد مبارك وعائلته، حاولنا إصلاح ما أفسده الدهر في آبائنا، تحركنا، ملأنا الشوارع، ونجحنا في كسر الحاجز النفسي، حاجز الخوف، الرعب، نجحنا، لا لم ننجح، لكننا أثبتنا قدرتنا على النجاح، ظل الصفر على الورق، لكننا أثبتنا بالمنطق أن امكاناتنا تتجاوز هذا الصفر بكثير، أننا نستحق ما هو أفضل، وبناء عليه، تعاطف الأهل، وقفوا معنا، نزلوا معنا، تبنوا قضيتنا، صرخوا في وجه "الباشا" الذي سرق ورقة اجاباتنا الحقيقية، وأبدلها بورقة الـ "صفر" طالبوا بحقوقهم وحقوقنا، وسموها ثورة الشباب!!
انتقل التعاطف، ظاهريا، من الأهل إلى الدولة، اعترفت بنا، أزاحت رجلها الأول عن كرسيه، ربتت على أكتافنا، أدت السلام العسكري لدماء شهدائنا، وضعت يومنا، 25 يناير، سطرا في دستورها، واعترفت بشرعيتها، ووعدت بأنها لن تنام عن حقوقنا، قبل انتزاعها لنا، وجاءنا صاحب الكشوف العذرية، الكذاب الفاجر، ليبتسم لشباب الثورة، ويلين لهم الحديث، ويخبرهم أنه منهم، يقتنعون، يبتسم بعضهم في الصور، إلى جواره، يفخرون به، ويشاركون لقطاتهم معه، على مواقع التواصل، فيما يسميه آخرون وزير بنكهة الثورة، ويدبلجون الأخبار عنه، ثم ماذا؟
ثم يثبت، الطبيب الشرعي أن "صفر" مريم حلال، ودمها؟ دمهم حلال، ومستقبلها، هم الآن في السجون والمعتقلات، وأمنها الشخصي، وأمن عائلتها، من لزم قبره فهو آمن، مريم كانت على وشك إجراء امتحان على الهواء أمس في مساء الثامنة، على قناة المحور، إحدى قنوات النظام، برنامج 90 دقيقة، فرحت بالخبر، تعجبني اللعبة الحلوة، أيا كان مصدرها، هذا يحمل الإحراج لمن ظلم، فإن كان لها حق أثبتته، وإن كانوا هم على حق، فلن نسمع لها صوتا بعد الآن، ألغوا البرنامج، قالوا إن هذا احتراما لرئيس الوزراء، ولدواعي الأمن الوطني، مبارك براءة، رجل كبير في السن، اعتبره أبوك، سرور، وزكريا عزمي، والعادل، كل المجرمين براءة، القضاء العادل الشامخ، أما مريم فـــ "صفر" لن يزول، حقيقة، وإن بدا من أمر تقييمها الدولتي غير ذلك، مريم ليست من أبناء "الكبار".
بصي يا مريم، قضيتك نتيجتها النهائية معروفة في ظل الحكم العسكري، مصر تحكمها عصابة، إن قدروا عليك قتلوكي أو اعتقلوكي أو منحوكي صفرهم، ونسبوه إليك، وإن لم يقدروا عليكي الآن أوسعونك نفاقا وممالئة واحتواء ومؤامرة، ثم انقضوا عليك ليسلبونك كل ما تصورتي يوما أنه لك، لا أمل ما دام العسكر، اهربي، ارحلي إلى بلد عادل أهله، استغلي فرصة تعاطف العالم معك وابحثي عن مستقبل أكثر إنسانية لك ولعائلتك، افعليها قبل أن ينقلب أهلك أنفسهم عليكي، ويصدقونهم، قد لا تصدقين الآن أن ذلك سيحدث، فهم أهلك، والله العظيم سيحدث يا مريم، سيحدث، اسألي مجرب، "أنا شفت الفيلم ده ألف مرة قبل كده"، هنا، في أم الدنيا، اهربي.
للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيس بوك:
https://www.facebook.com/mohamed.t.radwan