في المترو، أيام اهتمامي بالكرة، لا أذكر متى بالضبط، لكنها سنة من السنوات السبع التي حصل عليها النادي الأهلي على بطولة الدوري على التوالي، وذلك غير الـ 11 سنة الأخيرة، المهم أنهما وقفا أمامي في جدال أزلي عقيم حول ديربي الأمس بين الأهلي والزمالك، مباريات الدور الأول، والذي انتهى بالتعادل المعتاد في مثل هذه المباريات، حيث جرت العادة ألا ينكد الفريق الأحمر على الزمالكاوية في الدور الأول مدخرين كل ما لديهم من طاقة تدميرية إلى الدور الثاني، حيث هزيمة الزمالك الموجعة، والفوز بالدوري، النقاش كان عن مستوى الفريقين، من كان الأحق بالفوز الذي لم يتحقق، من المحظوظ بالتعادل، كنت قد شاهدت المباراة طبعا، وكان الأهلي قد تسيدها، لعبا واستحواذا وتقطيعا، دون انحياز فارغ، هذا ما حدث ببساطة، الأمر كله لم يعد يعنيني في شيء، المهم أن الطرف الزملكاوي قهر نظيره الأهلاوي في الجدال، وأقام عليه الحجج على طريقة "حسن سبانخ"، وألزمه أن الزمالك أهدر فوزا تاريخيا، وأن نسب الاستحواذ، والتمريرات الجميلة، والعرضيات القاتلة، والمراوغات ماركة حواري السيدة، كل هذا بالنسبة للأهلي لا يعني شيئا أمام انفرادات الزمالك المهدرة بسبب سوء الحظ، والحكم الذي لم يمل من رفع راية التسلل، وعصام الحضري الذي ينتظره الشلل الرباعي، من كثرة الدعاء الأبيض عليه، وظل الشاب هكذا حتى جاءت محطة نزول الأهلاوي المسكين فذهب غير مأسوف على شبابه الضائع !!
فكرت وقتها أن أتسلى بدوري، وأنتقم على طريقتي لفريقي المهزوم في موقعة المترو، فقلت للزملكاوي الذي أصبح وحيدا، إنني، والعياذ بالله، زملكاوي مثله، وإنني سمعت الحوار، ولم أشأ التدخل لأنه وحده كان كافيا لتحطيم أنف هذا الأهلاوي المغرور، ابتسم صاحبنا وقال: شفتني وأنا أقطعه؟ شفتك، لكن بصراحة الأهلي هو الذي قطعنا بالأمس، أنا كنت أشاهد الماتش مع أهلاوية وتمنيت لو عندي نصف حجتك، أجابني: عارف، الأهلي كان أحسن طبعا، ومكسب كبير أن نتعادل في مباراة كهذي لكن لو قلنا لهم هذا الكلام فلن نسلم من طول لسانهم، وشماتتهم، لازم نرقع لهم على طول!!!
تركت المترو، وأنا أحاول التأمل في هذا الذي لا يعنيه الحقيقة قدر ما يعنيه منظره أمام صاحبه، وقتها قلت لنفسي إنها في النهاية مباراة كرة، لعبة، لا تستحق كل هذا العناء، ليكن، مكايدة، وحرق دم في الهايف..
صديقنا الزملكاوي هذا الآن، كبر، تجاوز الثلاثين، وربما تزوج وأنجب، وما زال يشجع بحماس، ويفرح بدوري أحرزه له إداري فاسد، بتربيطاته، وتخويفه للحكام، وصداقته للجنرال عبد الحميد الترزي، وجوقته من المتنفذين، ومع ذلك، عادي، الموضوع كله لا يعدو بطولة ترفيهية، في دوري لا يعرف عن الاحتراف سوى اسمه، أغلب جمهور الكرة هنا يتابعها من باب التضامن الإنساني، لأصحاب القلوب الرحيمة، بوصلة التشجيع طارت إلى أوروبا مثلما تطير أفئدة المثقفين المأزومين، هناك حيث الكرة الحقيقية، والدوريات التي تستحق المشاهدة وحبس الأنفاس، من الإثارة لا من "الجوزة"، المشكل الحقيقي هو أن حساسية الكذب حتى لا يشمت بنا الأعداء انتقلت من مباريات الكرة إلى مجريات الحياة، إلى مصالح الناس، وأقواتها، إلى لقمة عيشها، ومستقبل أولادها، إلى مستقبل البلد بأكمله، ووصلت إلى درجة تشجيع القتل، والسرقة، والنهب، وإهدار المال العام، والموافقة على هذا كله وتبريره، وشرعنته، وفقهنته، وثقفنته، فقط حتى لا يشمت بنا الإخوان والنشطاء!!!
شعبية السيسي تتراجع، هذا واضح، ويعرفه كل من يمشي في شوارع
مصر ويجلس على مقاهيها، المبالغة في إبداء مظاهر الاحتفال بـ"تفريعة" السويس إلى حد وصفها بقناة سويس جديدة، مثل التي أمر بشقها الخديوي إسماعيل، وتأميم جديد مثلما فعل "عبد الناصر"، وعبور جديد على خطى "السادات"، وبوابة جديدة للتاريخ، كل هذا وغيره من مظاهر الاحتفال الكوميدية التي وصلت إلى حد تزيين ميادين القاهرة والجيزة ببالونات الهيليوم، على شكل لعب الأطفال، كأنه حفل زفاف مطرب شعبي، أقول إن هذا كله وغيره من مظاهر الاحتفال والتهويل هو صورة من وعي الحاكم بتراجع شعبيته، ومحاولاته المستميتة لتلميع صورته، والإيهام بأي منجز بشكل استعراضي، ساذج، لا يرقى لمستوى "رمضان صبحي" حين وقف على الكرة، الفارق أن اللاعب كانت مهارته حقيقية، كما أن حصوله على الإنذار كان بمثابة تحذير واضح استجاب له ابن الـ 18 ربيعا، واعتذر فورا، فيما يصر ابن الـ 60 خريفا أن يتمادى في مسلسل استعباط الناس، وتزوير وعيهم بالدجل والشعوذة، ظنا منه أن أبناء التي لا تهتم بنظافتها من جوقة الطبالين سوف يغنون عنه شيئا حين تأتي ساعة حسابه.
إذن "
مصر بتفرح"، ونرجو الإبلاغ عن أي مواطن لم يفرح مع مصر، وفي حالة ضبط أي مواطن متلبسا بالحزن على حال البلد فسوف يتم القبض عليه فورا، ومحاكمته بتهمة ازدراء "الدباديب"، الفرح أو الضرب في المليان، البلد في حالة حرب، الخونة فقط هم من لا يفرحون، الخونة هم من يرددون كلام الخبراء من كافة أنحاء العالم والذين يجزمون بأنه لا شيء اسمه قناة السويس الجديدة، وبأن التفريعة الجديدة إهدار للمال والوقت والجهد من أجل لا شيء سوى الاستعراض، والتلميع السياسي، والذين يجزمون بأن القناة تحتاج إلى دعم الخدمات اللوجيستية، وليس إلى ترع إضافية لا تعني أي شيء على الإطلاق بالنسبة لحركة المرور الملاحية داخل القناة، كل هذا وغيره جاء على لسان خبراء أجانب ومصريين، وتداولته الصحف والمواقع، عرفناه، وقرأناه، وشاركناه على مواقع التواصل، بعد أن غضت عنه الطرف أغلب جرائدنا "الوطنية"، ووصل إلى الجنرال ورجاله يقينا، كما وصل لمؤيديه الذين يدعون أنهم يؤيدونه حبا في البلد، قرأوه بدورهم، وفهموه، بكل تأكيد، إلا أنهم لم يلتفتوا.. بعضهم أصحاب مصالح رخيصة، والبعض الآخر مثل صديقنا البائس، راكب المترو الزملكاوي، لو سلموا بذلك أو أبدوا حوله التساؤلات، فلن يسلموا من شماتة الإخوان، فلتحترق البلاد والعباد، ولتحترق الدنيا بما فيها، المهم ألا يشمت فينا الأهلاوية، سيداتي آنساتي ساداتي، اقتربت محطتكم، استعدوا للنزول!!
للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيسبوك:
https://www.facebook.com/mohamed.t.radwan