يقول الخبر إن قوات الأمن ألقت القبض على راقصتين بتهمة التحريض على الفسق والفجور ونشر الرذيلة، لكن التعامل
الإعلامي مع الأمر لم يختلف كثيرا عما تقوم به الراقصتان.
حرصت الصحف منذ البداية على نشر صور الراقصتين بملابس الرقص الخليعة عند إلقاء القبض عليهما، لمحاولة جذب اكبر عدد من القراء، وتفاصيل ليلة القبض عليهما، وبالفعل بعد جولة سريعة على المواقع التي نشرت الخبر بصوره، لوحظ أن هذا الخبر احتل قائمة الأكثر قراءة ومشاركة وتعليقا بصورة كبيرة عن باقي الأخبار. فإذا لم يكن ما قامت به تلك المواقع نشرا للرذيلة والفجور، فماذا نسمي ذلك؟
لم تتوقف تغطية الصحف عند هذا الحد، وإنما نشرت تفاصيل دقيقة للتحقيقات وأقوال الراقصتين، وكواليس تلك التحقيقات، وقرارات تجديد حبسهما في كل مرة، ولحظة خروجهما من قسم الشرطة، كما تابعت سير القضية من بدايتها، ونشرت صورا من الكليبات التي قيل إن الراقصتين متهمتين بسببهما، وكأنها تدعو القراء لمشاهدة تلك الكليبات!
وتحولت الصحف بعد ذلك إلى منبر إعلامي للراقصتين، ونشرت تصريحاتهما وتصريحات المحامين والمصادر المقربة منهما، و"انفردت" صحيفة بتقرير مطول عن الليلة الأولى للراقصتين داخل السجن، وكيف استقبلتهما باقي السجينات، وكيف كان رد فعلهما على ذلك الاستقبال، والمشادات التي دارت بينهما وسجينات أخريات، وأهم الكلمات التي قيلت في تلك المواقف، وكأننا نتعامل مع حدث سياسي كبير له تبعاته العظمى على حياة
المصريين، أو كأننا نؤرخ للحظة تاريخية تستحق تسجيل كل ما قيل فيها. وطبعا تنشر كل تلك الأخبار مع صور للكليبات الفاضحة أو ملابس الرقص الخاصة بهما لزوم جذب القراء.
لم تبدأ قصة الصحف والمواقع المصرية مع الراقصتين من خبر القبض عليهما، بل كانت تقدم تغطية موسعة لأخبارهما ولقاءاتهما التلفزيونية منذ ظهورهما على الساحة، كما كانت تنشر أبرز تصريحاتهما التي تصفها دائما ب"الجريئة" أو "الساخنة" وتتحدث عن التلميحات الجنسية للكليبات اللاتي يقمن بتصويرها، مع إبراز أن الخبر "للكبار فقط!".
أما عن الراقصات الأخريات فحدث ولا حرج، إذ تتبارى المواقع يوميا بنشر أهم مقاطع الفيديو الراقصة للفتيات، بالإضافة إلى أفراح من تطلق عليهم "نجوم المجتمع" من الفنانين والرياضيين، والتي تحتوي جميعها تقريبا على راقصة، لا تختلف فيما تقوم به كثيرا عن الراقصتين الآخرتين اللتين تحاكمان حاليا.
لم تكن مثل هذه التغطية بغريبة على صحف ومواقع إخبارية تحاول جاهدة اجتذاب القراء، عن طريق ما يسمى "الترافيك"، لكن جولة أخرى في أرشيف تلك المواقع يكشف عن تغطيات مماثلة، مثل نشر فيديوهات لفتيات يرقصن في الشوارع وفي الاحتفالات المختلفة (لكن بدون ملابس رقص) ووصل الإسفاف والابتذال إلى حد قيام أحد المواقع بنشر فيديو لفتاة ترقص ووصفها بأنها "أخطر من الخطيرة".
أما أحد المواقع الأخرى، فقد تخصص في نشر قصص أشهر العاهرات، لكنه يطلق عليهن لقب "عاملات الجنس" ليبدو متحضرا غير همجي أو متطرف، ويقوم كل فترة بنشر قصة واحدة منهن، وأبرز الأدوار التي لعبها بعضهن في التاريخ!
موقع ثالث نشر خبرا عن قرار الجيش الروسي بفتح باب التجنيد أمام الأجانب، لكنه حرص في عنوان الخبر على أن يذكر أن السكن في مقرات الجيش الروسي "مختلط" ولا يوجد فصل بين الذكور والإناث! وكأنه بذلك يريد اجتذاب القراء لقراءة الخبر، أو اجتذاب مجندين للالتحاق بالجيش الروسي!
يتساءل المرء عن السبب الذي دعى قوات الأمن إلى القبض على الراقصتين بتهمة التحريض على الفجور، في الوقت الذي دعت فيه مذيعون في القنوات الفضائية إلى الرقص أمام اللجان الانتخابية تحت سمع وبصر قوات الأمن الساهرة على الأخلاق العامة، أثناء الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية عام 2014. وقالت إحدى الفنانات إن الرقص تجسيد حقيقي للإسلام الوسطي الذي تعرفه، ورد أحد المذيعين على متصلة قالت إنها رقصت أمام اللجنة الانتخابية رغم صومها قائلا: هذا هو الجهاد.
فما هو الفارق بين الحالتين؟ أم أن الراقصتين تقومان بذلك دون أن يرتبط الأمر بخدمة النظام وسياسته، فحقت عليهما لعنته؟