مع مؤشرات التقارب التي يروج لها البعض حول تقارب سعودي مع جماعة الإخوان المسلمين نحاول من خلال هذه الورقة تحرير مدى اقتراب هذه الفرضية من الواقع أو ابتعادها، خصوصا مع التغيرات الحاصلة في المملكة بتولي الملك سلمان مقعد الحكم هناك، وما تناقلته وسائل الإعلام من ملامح لتغير في العلاقة بين الطرفين التي بلغت مستوى حدي في عهد الملك عبد الله وصل إلى درجة وضع الجماعة على قوائم الإرهاب داخل المملكة.
فمع بداية عهد الملك سلمان خرجت تصريحات من شخصيات رسمية وعامة سعودية توصف بأنها قريبة من نظام الحكم منها تصريح أحمد التويجري، عضو مجلس الشورى السابق، في مقابلة على قناة روتانا خليجية قال فيها إن "جماعة الإخوان المسلمين ينضوي تحتها أمم، فمن يقول إن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية هذا كلام لا عقل فيه".
وأضاف قائلا "إن وزارة الداخلية لم تقل هذا، وأن أصحاب هذا تفسير أعداء الدين، هذا الكلام لم تقله وزارة الداخلية ولا المملكة العربية السعودية"، وأضاف مفسرا "هناك شيء يسمى السياق في اللغة، المملكة لم تقل في بيان واحد إن جماعة الإخوان المسلمين هم جماعة إرهابية، هي جاءت بموضوع الجماعات الإرهابية، وأضافت هذا الاسم -الإخوان المسلمين- إلى هذه القائمة، فسياق الكلام أن الجامع المشترك بين هؤلاء (الذين تم تصنيفهم إرهابيين) هم من انتهجوا العنف ومن اعتمدوا الإرهاب ومن اعتمدوا الخروج الباطل على السلطان، هؤلاء الذين انطبقت عليهم هذه الشروط سواء أكانوا من الإخوان أم من غير الإخوان، ينطبق عليهم وصف الجماعات الإرهابية"، وقال ختاما إن "المملكة لا يمكن أن تعادي من فيه حب للإسلام وخير للمسلمين".
وكان أقوى هذه التصريحات ما صرح به وزير الخارجية السابق سعود الفيصل خلال مقابلة مع الصحفية السعودية سمر المقرن، حيث قال: "إن السعودية ليس لديها مشاكل مع الإخوان المسلمين بل مع فئة صغيرة تنتمي لهذه الجماعة وتحمل بيعة للمرشد"، فهل يمكن أن تعتبر هذه التصريحات مؤشرا أوليا على تغير في العلاقة بين الطرفين ؟؟.
ينقسم المراقبون إلى فريقين في توقعاتهم حول تطور العلاقة بين الطرفين؛ طرف يرى أن علاقات الإخوان بالأنظمة العربية تصب كلها في صالح التوجهات السياسية والإستراتيجية للإدارة الأمريكية التي تقوم على عدم وضع البيض كله في سلة واحدة: فأمريكا تشجع الإسلام السياسي المعتدل في مواجهة المتطرف عن طريق دولة قطر -كما يقول أصحاب هذه الفرضية-، وتشجع في الوقت نفسه القوى المعارضة والمناوئة له -الوهابية والسلفية– عن طريق السعودية والإمارات لضمان استمرار التوازن المطلوب.
القسم الآخر يرى أنه مع الإقرار بأن السياسة الأمريكية في المنطقة حاكمة لجميع الأنظمة العربية، إلا أن هناك قدر من المرونة والتحرك تملكها كل دولة على قدر ثقلها وتأثيرها، وعليه فأصحاب هذا الرأي -وأنا منهم-، يرون السعودية رغم انضوائها تحت المظلة الإستراتيجية الأمريكية إلا أن سياستها الخارجية في علاقتها بالآخرين (سواء كانوا دول أو جماعات وحركات سياسية) تتميز بالعمل على الاحتواء وليس الصدام. ولم تختلف هذه السياسة وتتحول إلى شكل تصادمي إلا في السنة الأخيرة لحكم الملك عبد الله، وإن بدأت بوادرها في أعقاب ثورات الربيع العربي خشية من انتقال الثورات لها، وعادت إليها مرة أخرى مع ولاية الملك سلمان.
وعليه، لا ينتظر مطلقا من السعودية أن تأخذ موقف حدي مع أي طرف حتى لو اختلفت معه، ومن خلال هذه السياسة يجب أن ينظر للعلاقة بين السعودية ومصر أو السعودية والإخوان. مع
مصر ستظل العلاقة قائمة على الاحتواء من قبل الرياض لقائد الانقلاب للاستفادة منه، ولو مرحليا في الملفات العالقة؛ وأهمها حاليا اليمن التي يبدو أن المعركة ستطول فيها، ولا بد من حسم الموقف بتدخل بري لا تملكه المملكة ولا تقدر عليه، فضلا عن حماية الحدود الجنوبية للمملكة من تحرشات الحوثيين.
السعودية متورطة في اليمن الذي تحولت الحرب فيه إلى مستنقع آثن لا تستطيع الفكاك منه، وخاصة بعد وصول الحوثيين إلى الحدود الجنوبية للمملكة بل وعبورها واحتلال نقاط حدودية داخلها بشكل مؤقت، فضلا عن الإطلاق المستمر للقذائف على المدن الجنوبية للمملكة مع سقوط قتلى وجرحى، وهو ما ينقل المعركة إلى الداخل السعودي ويورط المملكة بشكل أكبر ويجعلها في مسيس الحاجة لأي مساعدة عسكرية من أي طرف.
فضلا عن الفشل السياسي والدبلوماسي في مفاوضات جنيف في تحقيق أي تقدم لحل الأزمة، بل رفضت الأمم المتحدة أثناء انعقاد الجلسات تسمية الحكومة اليمنية بـ "الحكومة" واعتبرتها مجرد "طرف" في النزاع، وهو ما يرسخ فرضية أن التحرك الحوثي يتم بضوء أخضر من الغرب خاصة الولايات المتحدة حتى وإن أبدت عكس ذلك علانية.
وأمام هذا العجز السعودي في الملف اليمني خارجيا وداخليا، كان المتوقع أن تتقارب السعودية مع حزب التجمع اليمني المحسوب على الإخوان كونه القوة الرئيسية الشعبية المؤهلة ولو نسبيا للتصدي للحوثيين، وهي ما فعلته فعلا ولكن على مضض ودون المستوى، وبدا ذلك واضحا في المحافظات اليمنية الحدودية مع المملكة حيث إنها لم تساعد حزب التجمع على استلام زمام الأمور فيها رغم أهمية تلك المناطق حتى سقطت في يد الحوثيين بعد تسليم رجال علي عبد الله صالح هذه المدن لهم.
فإذا كانت السعودية لديها الاستعداد أن تخاطر بأمنها القومي ولا تسمح للإخوان بأن يكون لهم نفوذا أو سيطرة في الداخل اليمني حتى لو تحت رعايتها، فما بالك بالشأن المصري ؟؟.
لذلك يتوقع أن تنتقل سياسة سلمان من الاحتواء للإخوان إلى "الاستخدام" لهم في تحقيق مصالحها الداخلية والإقليمية مع المحافظة على مسافة بينها وبين الجماعة.
السعودية كذلك تعلم أن السيسي مرتبط بعلاقات مباشرة غير معلنة مع إيران عدوتها اللدود، فضلا عن علاقته مع روسيا وكلا البلدين "طهران وموسكو" تختلف معهما السعودية في الكثير من الملفات أهمها ما يحدث في سوريا واليمن، وبالتالي ليس من صالح السعودية نشوء حلف (روسي – إيراني – مصري)، لذلك هي حريصة أن تحافظ على علاقتها بمصر، رغم اختلافهم الحالي ولو جزئيا مع "أسلوب" إدارة الدولة المصرية وليس شخوصها أو المرتكزات الرئيسية لها.
لذلك ستظل السعودية محافظة على علاقتها بمصر ولكنها في الوقت نفسه ستفتح الباب ولو جزئيا مع القوى الأخرى مثل الإخوان المسلمين وحزب التجمع باليمن للاستفادة منهما في مصالحها الإقليمية.
في النهاية كلا الطرفين في حاجة ماسة للآخر.. مصر للإبقاء على الدعم السعودي بكافة أشكاله، والسعودية من أجل الملف اليمني، على الرغم من تزايد النقاط المختلف عليها مثل الموقف المصري من ليبيا الذي ترفضه السعودية تماما، وكذلك الموقف السعودي من روسيا بعكس التقارب المصري معها، كما هو الحال مع الموقف المصري من الثورة السورية، والتي تريد لها السعودية حسما قريبا، بينما نتحدث عن دعم مصري غير معلن لبشار الأسد، هذه الأمور تجعلنا ندرك أن تعامل النظام السعودي مع الإخوان أو غيرهم هو براغماتي بالدرجة الأولى.
الخلاصة
السعودية لن تتقارب مع الإخوان إلا بقدر احتياجها إليهم، وسيكون أساس العلاقة هو الشك والريبة والتحفظ، وبدا ذلك واضحا في التعامل مع حزب التجمع اليمني.
السعودية تحتاج النظام الانقلابي وستحافظ على علاقتها الإستراتيجية به لأنها في حاجة إليه أكثر من احتياجها إلى الإخوان.