نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمهدي حسن، في الذكرى العاشرة لتفجيرات لندن.
يقول حسن في تقريره: "كان يمكن أن أكون أنا ضحية، فمحطة كنغز كروس هي محطتي، ولكن قبل عشر سنوات، وفي صباح يوم 7 تموز/ يوليو عام 2005، كنت في يوم إجازة أجلس أمام التلفاز متسمرا أمام قنوات الأخبار، في يوم قتل فيه 52 من زملائي من سكان لندن".
ويضيف الكاتب: "خلال أيام تم التعرف على هويات الأربعة شباب الذين ارتكبوا أسوأ الهجمات الإرهابية في تاريخ
بريطانيا، وانزعجت جدا من الخبر، وكان أطلق على الهجمات
7/7، في محاولة لربطها بهجمات 11/ 9. ولكن كانت هذه جريمة أكثر إقلاقا، ولها تداعيات محلية أكبر، حيث لم يكن أي من منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر التسعة عشر مواطنا أمريكيا، وعلى العكس كان مرتكبو هجمات لندن الأربعة بريطانيي الجنسية".
ويتابع حسن: "قلت في وقتها لصديق مسلم: (لقد تورطنا، فهؤلاء الإرهابيون بريطانيون مثلنا، أشكالهم تشبه أشكالنا، وأسماؤهم شبيهة بأسمائنا). وكما أكد تقرير في أحداث 7/7 لاحقا أنهم كانوا (منخرطين في المجتمع البريطاني)، وأنه لم يكن هناك شيء غريب حول خلفياتهم. وقد تعرض
المسلمون وعلى مدار العقد الماضي للفحص الدقيق، ووسموا بأنهم مجتمع مشكوك فيه، وبأنهم العدو الداخلي، أو كما سماهم زعيم حزب الاستقلال البريطاني نايجل فارج (الطابور الخامس)".
ويقول الكاتب: "لا نستطيع القول بأنه لم يكن هناك تحذير لنا. فبعد أقل من شهر من أحداث 7/7، أعلن رئيس الوزراء حينها، توني بلير، بنفسه أن (قواعد اللعبة تتغير). وبعد ذلك بعام قال أشهر روائي على قيد الحياة في بريطانيا، مارتن أميس، دون إعارة لكثير من الانتباه: (إن هناك رغبة جامحة – ألا تشعرون بها؟ – بأن نقول: على المجتمع المسلم أن يعاني حتى يرتب بيته، ويجب أن يعانوا من التمييز حتى يصل الأذى للمجتمع المسلم كله)".
ويؤكد حسن قائلا: "نعم يا مارتن نحن نعاني، ونعم يا توني قد تغيرت قواعد اللعبة. المسلمون البريطانيون يتجسس عليهم، ويوقفون ويفتشون، وتنتزع جنسياتهم، وتستخدم ضدهم أوامر الضبط والاعتقال دون محاكمة، كثير منهم لم يرتكب ذنبا، هل تذكرون محمد عبد القهار، الذي أصيب في كتفه برصاصة خلال مداهمة الشرطة لبيته في فوريست غيت، شرق لندن عام 2006، وذلك قبل أن يطلق سراحه دون توجيه تهمة له بعد أسبوع؟ أو رضوان صابر، طالب الجامعة الذي اعتقل لسبعة أيام دون توجيه تهمة للاشتباه به كإرهابي عام 2008، بناء على أدلة شرطة وصفت فيما بعد بأنها ملفقة؟".
ويتساءل الكاتب: "ماذا عن السكان المسلمين لثلاث مناطق في برمنغهام، الذين كانوا سيحاطون (بحلقة حديدية) مؤلفة من 218 كاميرا تجسس، كجزء من عملية مكافحة الإرهاب؟".
ويرى حسن أن "بلير قد يكون غيّر القواعد، ولكنه لم يكسب اللعبة. فقبل عقد قام أربعة بريطانيين مرتبطين بتنظيم القاعدة بهجمات انتحارية صدمتنا جميعا، واليوم هناك 600 بريطاني، بحسب التقارير، غادروا بريطانيا لينصموا لتنظيم الدولة المنشق عن تنظيم القاعدة للقتال في صفوفه، ولقطع الرؤوس باسمه، أصغرهم كان طلحة أسمل وعمره 17 عاما، وقد قام بتفجير نفسه في العراق في حزيران/ يونيو".
ويستدرك الكاتب متسائلا: "ماذا كان حل ديفيد كاميرون للتطرف العنيف؟ طبعا تغيير المزيد من القواعد".
ويردف قائلا: "بدلا من محاولة كسب القلوب والعقول، أو معالجة أسباب نفور الأقلية الشبابية (هؤلاء الشباب البريطانيون الـ 600 لا يشكلون سوى 0.02% من المسلمين في بريطانيا)، كشف كاميرون عن خطط من بينها مراقبة أطفال المسلمين حتى في رياض الأطفال؛ لاكتشاف علامات (التطرف)، والحد من حرية التعبير للدعاة غير العنفيين (الإسلاميين)، وإغلاق المساجد (المتطرفة)، (فهل يعني بذلك المحافظة؟)، فيبدو أن عليك تقويض القيم البريطانية لأجل الحفاظ عليها".
ويمضي حسن بالقول: "فبحسب كاميرون، فإن المسلمين لا (يتقبلون بصمت) العقيدة خلف تنظيم الدولة فحسب، بل إنهم يهددون (ثقافتنا العامة). وقد فتحت تفجيرات لندن في الواقع أبواب الطوفان أمام ردحية الشجب والشيطنة؛ فمن جرائم الشرف، إلى الحكم بالشريعة، إلى الذبح الحلال، إلى ختان البنات، إلى الفصل بين الجنسين، إلى النقاب، إلى استمالة الأطفال لأجل الجنس. أينما أدرت وجهك يبدو أن أولئك المسلمين الأوغاد يهددونك ويهددون عائلتك وأسلوب حياتك".
ويؤكد الكاتب في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه في الوقت ذاته فإن مظالم المسلمين يستهزأ بها وتهمل، فكاميرون، الذي ساعد على تحويل ليبيا إلى ملعب للجهاديين في 2011، ودعم الحرب الإسرائيلية على غزة العام الماضي، استغل خطابا في حزيران/ تموز، لينصح المسلمين البريطانيين بتجنب "لعبة اللوم"، وأن يتوقفوا عن "توجيه التهم".
ويجد حسن أن المسلمين مطالبون بنسيان
الإسلاموفوبيا والتمييز، ونسيان أن هذا الشهر لا تقع فيها ذكرى هجمات 7/7 فحسب، بل أيضا الهجوم الذي قام فيه شخص مناهض للإسلام أنديرس بريفيك في النرويج، حيث قتل 77 شخصا في أسوأ مذبحة جماعية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولا ذبح 8000 مسلم في سربرنيتسا على أيدي المسيحيين الأورثوذوكس المتطرفين اليمينيين.
ويشير الكاتب إلى أن "المسلمين البريطانيين وحدهم الذين اضطروا لقضاء العشر سنوات الماضية يشجبون ويتبرأون ويتنصلون، ويقولون إن تلك الجرائم ليست باسمنا، وإن الإسلام هو السلام. حتى لبسنا العلم البريطاني غطاء للرأس، ولكن ذلك الشجب كله لم يلق أذنا صاغية".
ويتابع حسن: "اعتمادا على أي الاستفتاءات تصدق، فإن أغلبية البريطانيين يعتقدون أن (المسلمين يخلقون مشكلات في بريطانيا)، ويربطون (الإسلام بالتطرف)، و(يزعجهم) بناء مسجد كبير في منطقتهم، ومنذ 7/7 ازدادت جرائم الكراهية ضد المسلمين، وتم الاعتداء على المساجد بالقنابل الحارقة، وتم الاعتداء جسديا على النساء المحجبات. وبحسب المؤسسة الخيرية (تشايلدلاين)، فإن التهديد الناتج عن الإسلاموفوبيا منتشر في المدارس، ومع هذا فإن السياسيين والإعلاميين (يتقبلونه بصمت)".
ويتساءل الكاتب: "هل توقفت قليلا لتفكر كيف سيشعر طفل مسلم من الجيل الثاني أو الثالث في مدرسة في بيستون أو بثنال غرين، عندما يسمع بأن الاستفتاءات تقول بأن زملاءه البريطانيين يعتقدون أنه (يتسبب بمشكلات)، أو بقول الخبراء بأنه يشكل خطرا؟ أنا حاولت عدم تشجيع ابنتي، التي تبلغ الثامنة من عمرها، أن تقرأ أو تشاهد الأخبار".
ويقول حسن: "قد سألت عددا من أصدقائي وأقاربي، وكلهم وطنيون ومندمجون ومن الطبقة المتوسطة، حول شعورهم كونهم بريطانيين مسلمين هذه الأيام، فماذا كانت إجاباتهم؟ عاجزون وخائفون وتعبون وقلقون".
ويعاود الكاتب التساؤل: "كيف غير 7/7 حياتهم؟"، ويقول: "تذكر إحدى المحجبات أن مجموعة من المراهقين في قطار الأنفاق دعوها (أخت ابن لادن)، وتقول إن الناس حولها أداروا وجوههم أو ضحكوا. وأخرى قالت لي إنها تشعر بأنه يتم الحكم عليها عندما تسير في الشارع بناء على مظهرها".
ويقول حسن: "تعبت جدا من العداء تجاه المسلمين، من العناوين السلبية، ومن الخوف والتشكك وتوجيه اللوم الجماعي. وكوني واحدا من قلة من المعلقين المسلمين، فقد قضيت العشرة أعوام الماضية بين الإذاعة والتلفزيون والصحف لأتحدى التمييز ضد الإسلام، وأتحدى في الوقت ذاته التطرف العنيف، وكان ذلك متعبا جدا بالنسبة لي، وخاصة اضطراري للتأكيد بشكل مستمر على بريطانيتي وعلى اعتدالي".
ويلفت الكاتب إلى أن "الجهاديين يقدمون للبريطانيين شعورا بالانتماء، فماذا نستطيع نحن في بريطانيا أن نفعل كوننا بريطانيين ومسلمين ومسؤولين لإقناعهم بأن ما نقدمه لهم أفضل؟ في عام 2007 قضى عضو برلمان جديد يومين في بيت عائلة مسلمة، وكتب بعدها إنه ليس من الممكن أن (تجبر الناس على الشعور بأنهم بريطانيون، ولكن علينا أن نلهمهم بذلك)، وأضاف: (لن تستطيع أن تبدأ بالحديث عن الاندماج في المجتمع، بينما يعاني الناس من
العنصرية)".
ويختم حسن مقاله بالإشارة إلى أن عضو البرلمان يقول: "عندما نستخدم كلمة (إسلامي) لوصف الخطر، فإننا في الواقع نساعد في القيام بعمل المنظرين للإرهابيين". ويعلق الكاتب: "فليت ديفيد كاميرون في 2015 يستمع إلى نصائح ديفيد كاميرون في 2007".