كررت خمس صحف
مصرية صادرة الأحد، أكذوبة احتواء وثيقة سعودية مما سربها موقع "ويكيليكس"، تقول إن جماعة
الإخوان المسلمين طلبت من دول الخليج تزويد مصر بعشرة مليارات دولار مقابل إطلاق سراح الرئيس المخلوع
حسني مبارك.
والصحف التي ذكرت تلك الأكذوبة، الأحد، هي: "المصري اليوم"، والوطن، والشروق، والأخبار المسائي، والوفد.
وقال مراقبون إن توسع الصحف في هذا النشر الملفق يؤكد وجود أياد أمنية ومخابراتية، تقف وراءه، من أجل توصيل رسالة كاذبة إلى الرأي العام المصري، فحواها أن الإخوان المسلمين قد وافقوا من قبل على إطلاق سراح المخلوع مبارك، وبالتالي فإن إطلاق سراحه في عهد المجلس العكسري، وحتى في عهد رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، هو أمر مقبول، وليس فيه ثمة مجاملة، أو تقاعس.
وأضافوا أن هذا النشر "المرتب" بين تلك الصحف لتلك الرواية، وإصرارها جميعا على الكذب على ويكيليكس، وتحريف وثائقه في هذا الصدد، إنما يستهدف أيضا تهيئة الرأي العام للقبول بوجود مبارك ونجليه ورموز عهده خارج السجن، وتبرئة المجلس العسكري صاحب العرض الحقيقي من التورط في ذلك، وكذلك معاقبة جماعة الإخوان المسلمين، وتشويه صورة قادتها، وإبرازهم في صورة النفعيين والانتهازيين، وأنهم لا مبدأ لهم.
فقد صدرت "المصري اليوم" بمانشيت أحمر اللون فوق الترويسة، يقول: تسريبات "ويكيليكس"
السعودية: "الشاطر" وافق على الإفراج عن مبارك مقابل 10 مليارات دولار من الخليج.
وقالت الوطن (في مانشيت شبيه بالمصري اليوم): زلزال ويكيليكس يضرب مصر والسعودية.. مسؤول سعودي: مجلس طنطاوي يقدم الرعاية الكاملة لمبارك.. الشاطر وافق على الإفراج عن مبارك مقابل 10 مليارات دولار.
وقالت الشروق (في المانشيت أيضا): إعصار بقوة 70 ألف وثيقة من ويكيليكس يضرب المنطقة.. مبارك تعهد بإفشال أي مبادرة قطرية باعتبارها دولة حديثة النعمة.. والشاطر وافق على إطلاق سراحه ونجليه مقابل مليارات الخليج.
وقالت الأخبار المسائي: ويكيليكس: الإخوان طلبوا 10 مليارات دولار للإفراج عن مبارك.
وقالت الوفد: "وثائق "ويكيليكس" تفضح مؤامرات الإخوان.. الشاطر وافق على صفقة بـ10 مليارات دولار مع ول خليجية لإطلاق سراح مبارك".
الرواية المصرية الكاذبة
وزعمت تلك الصحف مجتمعة، في روايتها الكاذبة -التي اطلعت عليها صحيفة "
عربي21"- أن وثائق وبرقيات دبلوماسية سعودية سربها موقع "ويكيليكس" ذكرت أن القيادي في الإخوان خيرت الشاطر قَبِل
مساعدات خليجية مقابل الإفراج عن الرئيس الأسبق حسني مبارك.
ووفق مزاعم تلك الصحف، فقد "نقلت برقية للخارجية السعودية عن مسؤول مصري، لم يتم الكشف عن هويته، أن الشاطر وافق على صفقة كانت مقترحة للإفراج عن مبارك مقابل تلقي مصر 10 مليارات دولار من دول الخليج خلال فترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير".
لكن الصحف كشفت كذبها وتناقضها –بنفسها- عندما قالت إن الوثائق تظهر أن الفكرة لم تكن محل ترحيب كبير في الرياض، لكن المسؤول المصري اقترح تقديم المبادرة من قبل المملكة ودول الخليج "لتجنيب المجلس العسكري أي حرج أمام الرأى العام المصري".
ومضت الصحف، لاسيما "المصري اليوم"، في تناقضها، بالقول: "تضمنت الوثيقة -التي حملت عنوان "سري للغاية وغير قابل للتداول"- أقوالا منسوبة لمسؤول مصري قبل صدور الحكم على مبارك في المحاكمة الأولى، من بينها أنه "متأكد من أن قادة دول الخليج العربية يتطلعون إلى تقديم فدية لإطلاق سراح مبارك، وسفره خارج مصر، وأن أكثر قادة دول المجلس حرصا على ذلك هو خادم الحرمين الشريفين".
وأضاف المسؤول، بحسب الوثيقة، أنه "تحدث مع الشاطر المرشح لنيل منصب رئيس الوزراء في الفترة القادمة عن صفقة للإفراج عن الرئيس مبارك مقابل مبلغ تدفعه دول الخليج في حدود 10 مليارات دولار، حيث إن الشعب المصري لن يستفيد من سجنه، وأن هذه الفكرة لاقت القبول لديه، وأنها ستلقى قبول الشارع المصري، وأسر الشهداء ومصابي الثورة، خاصة إذا تم الإعلان عن تخصيص مبلغ مليار دولار من هذا المبلغ لهم".
وواصل المسؤول: "هذا الأمر لو تم فسيتم تسويقه من الإخوان المسلمين أنفسهم دون تدخل الحكومة المصرية. ونقلت الوثيقة تأكيد المسؤول المصري أنه "تم الاتفاق مع الإخوان على الإفراج عن أبناء الرئيس مقابل إعادة أموالهم المهربة".
ووفق المصري اليوم، فقد نقلت وثيقة ثانية اقتراحا، لم تكشف الوثائق صاحبه، بأن "تتم مفاتحة الإخوان المسلمين من قبل المملكة ودول الخليج بأن تتحمل هذه الدول دفع الحقوق المالية التي يمكن أن يصدر بها حكم على الرئيس مبارك لصالح المدعين، وأن تعرض إحدى دول الخليج انتقال الرئيس مبارك إليها واستضافته فيها مراعاة لظروفه الصحية".
ونقلت الوثيقة عن المسؤول المصرى تأكيده "أهمية أن تقدم المبادرة من قبل المملكة، ودول الخليج لتجنيب المجلس العسكري أي حرج أمام الرأى العام المصري".
الوثيقة تعود إلى المجلس العسكري وليس الإخوان
ويُذكر أن صحيفة "
عربي21" رجعت إلى تلك الوثيقة، فتبين لها أن تاريخها يعود إلى فترة حكم المجلس العسكري، أي قبل وصول الإخوان أصلا إلى السلطة، وبالتالي لم يكن بمقدورهم أصلاً التفكير في إطلاق أو إبقاء مبارك.
وبمراجعة الوثيقة، فقد تأكد لـ"
عربي21" أن السعودية تلقت عرضا من مصر بالفعل خلال فترة حكم المجلس العسكري لإطلاق سراح مبارك، مقابل 10 مليارات دولار تضخها دول الخليج لإنقاذ المجلس العسكري، لكن الوثيقة تنقل عن "مسؤول مصري" وليس عن الإخوان، كما أن جماعة الإخوان أعلنت معارضتها لهذه الصفقة التي تم عرضها سرا على السعوديين.
وبمراجعة الأخبار حول هذه الصفقة، فقد تبين أن نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر علم بالصفقة المعروضة على السعوديين، في شهر أيار/ مايو 2012، أي قبل نحو شهرين من وصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم، وأصدر الشاطر موقفا علنيا برفض جماعة الإخوان لأية صفقة تؤدي للإفراج عن مبارك، وظل ذلك موقفا ثابتا للإخوان في جميع المراحل بعد ذلك، ولم يشذ عنه أي متحدث باسمهم، أو محسوب عليهم.
وقد استشاط السفير السعودي في القاهرة غضبا في ذلك الحين، عندما نفى في مؤتمر صحافي بثته قناة العربية الفضائية يوم 16 أيار/ مايو 2012، بشكل كامل، ما تحدث به الشاطر، كما أنه نفى وجود هذه الصفقة، وهو ما يعني أن الوثيقة التي انكشفت أخيرا تثبت أن السفير أحمد قطان كان يكذب، حيث تلقت السعودية عرضا بالإفراج عن مبارك، وتسليمه للرياض، إلا أن صاحب العرض كان "مسؤولا مصريا"، وهذا العرض رفضته كل من جماعة الإخوان المسلمين والحكومة السعودية، في آن واحد.