ناقش
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في ورقة تحليل سياسات "تداعيات الاتفاق النووي
الإيراني على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن المنطقة الآن تمر بأزمات ومخاطر لم تشهدها منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، على حد تعبيره.
وقال الباحث جيمس جيفري إن هذه الأزمات والتطورات مترابطة، وتشكل تهديدا للمصالح الأساسية القومية للولايات المتحدة، وهي: دعم حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، وحماية التدفق الحر للنفط والغاز للاقتصاد العالمي، ومكافحة الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل.
وأشار الباحث إلى أن القضايا الرئيسية التي يجب من خلالها على الاتفاق عند نهايته هي: التحقق والتخلص من اليورانيوم المخصب غير المرخص به، وحالة العقوبات، وذلك حرصاً على إخضاع المطامع الإيرانية لتطوير السلاح النووي وبرامج طهران السرية المحتملة لعمليات فحص وتدقيق طويلة الأجل.
وأكد جيفري أنه لا يمكن تجاهل سياق الأعمال الإيرانية المخلة بالاستقرار في المنطقة، مشيرا إلى أن ذلك يجب أخذه بعين الحسبان، إذ إن "امتلاك إيران للقدرة على صنع سلاح نووي، أو اكتسابها قوة سياسية نتيجة اتفاق يردعها عن امتلاك مثل هذه القدرة، سيطرحان تهديدات هائلة جديدة على المنطقة التي ترزح أصلاً تحت وطأة الضغط، ويقوّضان المصالح الحيوية الأمريكية آنفة الذكر"، على حد تعبيره.
وتابع بأن إيران ليست قوة "وضع قائم"، إذ إنها قوة ثورية لها طموحات للهيمنة خارج حدودها، ولن تلعب وفق القواعد، مشيرا إلى أنه ليس من المتوقع أن "تتنازل الجمهورية الإسلامية عن مبادئها في أي وقت قريب". ولا بد لأي قرار يصدر حول الاتفاق النووي الإيراني أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة الواقعية، ويجب ألا يعدّ استعداد إيران للتوقيع على اتفاق بمثابة تغييرٍ لرأيها حول أهداف الهيمنة التي تطمح إليها في النهاية"، بحسب قوله.
وأضاف أن "عدم التوصل إلى اتفاق نووي أفضل من التوصل إلى اتفاق قد يؤجل لبضعة أشهر وهي المدة اللازمة لاكتساب إيران القدرة على صنع الأسلحة النووية، هذا إذا كان مثل هذا الاتفاق سيضعف التحالف الدولي الهائل الذي يقف حالياً بوجه السلاح النووي الإيراني، ويزيد من هيبة إيران، ويقوّض مصداقية الاحتواء الأمريكي لكل من المطامع النووية الإيرانية وأجندتها الأوسع في المنطقة".
ونفت ورقة تحليل السياسات فكرة عدم وجود بديل عن الموافقة، موضحا أنه إن تراجعت إيران عن الاتفاق الذي أُبرم في أوائل نيسان/ أبريل، فلن يكون من الصعب على الدبلوماسية الأمريكية إقناع الدول الأخرى بالإبقاء على العقوبات النفطية والدولية الأخرى. ولكن سيكون من الصعب فرض عقوبات دولية إضافية إلا في حالة شائنة وحيدة وهي الاستفزاز من الجانب الإيراني، علماً بأن الإبقاء على العقوبات الحالية سيكبّد إيران ثمناً باهظاً أشد مما تستطيع تحمله".
وتابع بأن "القيود القصوى على اكتساب إيران للقدرة على صنع سلاح نووي تكمن أيضاً في قابلية الولايات المتحدة، وعزمها على ردع إيران بالسبل العسكرية من الوصول إلى القدرة على إنتاج سلاح نووي"، موضحا أنه "بإمكان الكونغرس الأمريكي أن يدعم بشكل مفيد سياسة ردع كهذه من خلال إقرار بشكل أو بآخر عملية تفويض مسبق على استخدام القوة العسكرية ضد إيران في حال تجاوزها العتبة النووية.
ودعا الإدارة الأمريكية إلى "توضيح ما تعتبره الخط الأحمر بالنسبة لاستخدام التحرك العسكري ضد إيران، أي الخطوات الإيرانية أو الحالة التي ستعتبر "عتبة" تستلزم من الولايات المتحدة التصرف بناءً على سياستها التي تهدف إلى "منع إيران من امتلاك سلاح نووي".
وأكد المعهد في ورقته على أن "كل ما يرتبط بإيران يتمحور في النهاية حول دورها في المنطقة. فإذا انبثقت عن الاتفاق النووي إيران جديدة، تكون على استعداد لقبول الوضع الإقليمي القائم، فهذه نتيجة أفضل، إلا أنها يُستبعد حصولها"، داعيا إلى التفكير بـ"تهديد إيران لإسرائيل عبر الأسلحة التي تزود بها طهران حزب الله وحماس، ومن خلال عمليات إيران في العراق".
واعتبر الباحث أن مبادرة كامب ديفيد "تدعو للتهكم"، موضحا بأن "فتركيز الإدارة الأمريكية في "كامب ديفيد" ومعظم التبادلات الأخرى مع حلفائها الإقليميين يتمحور حول التزامها بآليات دفاعهم التقليدية ودعمها لقواتهم العسكرية. غير أنهم يخشون الاجتياح الإيراني المحض أقل بكثير مما يخشون التغلغل الإيراني في المناطق الضعيفة من العالم العربي، حيث تعمل إيران على زعزعة الاستقرار، وتضغط على الدول القومية السنية في المنطقة بالمعنى الديني والسياسي والنفسي".
واعتبر جيفري أن "ما تحتاجه تلك الدول هو التزام الولايات المتحدة -مدعوماً بالأفعال في هذه المرحلة- بتسخير كافة الأدوات الموجودة في ترسانتها، بما فيها الوسائل العسكرية، لمكافحة ودحر المساعي الإيرانية غير الشرعية للتغلغل في الدول العربية في مختلف أنحاء المنطقة ولإضعافها. ويشمل ذلك مكافحة تصرفات إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغزة"، مشيرا إلى أن "دعم التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، والتهديد بتفتيش السفن الإيرانية التي يُزعم أنها تحمل المساعدات الإنسانية إلى اليمن، والاتفاق مع الأتراك على الخطط الأولية لتدريب 5000 من الرجال السوريين في تركيا، وغيرها من الخطوات الأخرى، هي أمثلة عمّا يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للقيام به بانتظام من أجل استعادة ثقة شركائها الإقليميين بها".
واختتمت الورقة بأنه "لا يجدر الحكم على أي اتفاق فقط وفقاً للقيود الفعلية والقابلة للإثبات التي يفرضها على إيران، موضحا بأن يجب الحكم "أيضاً على أساس السياق الذي سينفذ فيه هذا الاتفاق وهو: الجهوزية لدعمه عبر الاستعداد بدرجة أكبر وضوحاً ومصداقية بكثير من الاستعداد لاستخدام القوة، بهدف وضع حد لأي تجاوز للعتبة النووية، وعبر برنامج أمريكي ناشط أكثر بكثير لاحتواء التحركات العسكرية والأيديولوجية والدينية والاقتصادية والدبلوماسية، غير المتناسقة التي تقوم بها إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة"، على حد قوله.