المتابع الحصيف يدرك وجود إشارات إيجابية
مصرية ترسل لقطاع
غزة، هذه الإشارات مُقدرة ومُرحب بها، إلا أنها غير كافية وبطيئة وغير واسعة ولا ترقى لدور مصر الحقيقي تجاه القضية
الفلسطينية، فالإعلام خفف من وتيرة هجومه ولكن ما زالت هناك أصوات تهاجم
حماس بسخافة، والقضاء برأ الحركة من تهم ألصقها بها ظلما وعدوانا في وقت سابق وبقي حكم يدين كتائب القسام. والمعبر لأول مرة منذ تولي الرئيس السيسي يفتح بتنسيق مع إدارة المعابر، ولكنه سيغلق بعد أيام، وهناك بعض التسهيلات الأخرى المرئية والملموسة وغيرها مما لا يرى ولا يلمس من قبل عامة الناس.
هذا التطور الإيجابي له أسباب دفعت النظام للتفكير بتغيير معاملته مع غزة، كإدراكه لقوة حركة حماس في غزة وصمودها وتعاملها الذكي والحكيم مع المتغيرات المصرية بعدم التورط من قريب أو بعيد، بالإضافة ليأس المجتمع الدولي والاقليمي من إزاحة الحركة من المشهد، مع امتلاك حماس أوراق قوة مهمة لم تستخدمها بعد، يدركها النظام المصري كما أنه يدرك أن أي دور مؤثر في القضية الفلسطينية لن يتأتى إلا من خلال التعامل مع حماس وجها لوجه.
وحماس اليوم خرجت من ضربة الاستعداء المصري وإزاحة الرئيس مرسي المفاجئ، وبدأت تتكيف مع الضغوط، وتخطت الكثير من الصعوبات، وتحسن واقعها المالي، ونجت بحرفية من تسونامي الهجوم على جماعة الإخوان، ما يحتم معادلة جديدة يمكن أن تصاغ في علاقة أكثر عقلانية بين مصر وغزة.
ولا نتجاهل كمية الوفود القادمة من جميع دول العالم لغزة، حتى تحول القطاع لمحج للسفراء والوزراء والمؤسسات الدولية، الذين يفكرون ليل نهار في كيفية استمرار الاستقرار أطول فترة ممكنة، وقد وصلوا جميعا لنتيجة واحدة مفادها أن حماس مفتاح التهدئة والحرب، وعنوان الاستقرار، والقادرة على صياغة واقع أفضل.
كما أن استعداد حماس لخوض مواجهة أخرى وقدرتها على الصمود مجددا، أعطى انطباعا آخر لدى العقل الناظم في المنطقة ليصل لنتيجة أن احتواء غزة ومقاومتها أفضل من معاداتها ومقاتلتها، كما أن الهجمة المصرية على حماس استنفدت زمنيا وخططيا دون تحقيق نتائج ملموسة.
ولا أحد ينكر دور وأثر التغيرات الإقليمية الأخيرة، وترتيب المنطقة وفق رؤية الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يَقبل حماس ومقاومتها ويحترمها ويرفض معاداتها، وقد يكون للملك سياسات متوازنة تجاه واقع حماس المستقبلي، وعلى الأقل هو يرفض عداوتها، وبالتأكيد أن الإدارة المصرية تدرك ذلك وتعمل على التماهي مع السياسات السعودية.
لا شك أن صمود حماس وأداءها العسكري الراقي في "العصف المأكول"، أجبر الاحتلال على الرضوخ
لبعض مطالب حماس وأدرك أن المواجهات العسكرية واستمرار الحصار يؤدي لنتائج تصب في صالح حماس، لهذا فقد بدأ يفكر بطريقة مختلفة، وهناك قادة عسكريون، حاليون وسابقون، وسياسيون متنفذون بدأت أصواتهم تعلو بضرورة تخفيف الحصار ورفعه، والسماح بميناء بحري لغزة لعدم حدوث انفجار جديد، وهذا بالتأكيد يتعارض مع الرغبة المصرية التي تريد إبقاء
معبر رفح كمنفذ لقطاع غزة.
لا شك أن الفائدة المصرية من تحسن العلاقة مع حماس أكبر من الفائدة الفلسطينية، ونتمنى تدارك الموقف وتسارع الخطوات تجاه رفع الحصار بشكل كلي عن قطاع غزة، ومد غزة بما تلزم من مواد وسلع، مع تسهيل حركة أبنائها ذهابا وإيابا.