لأن هناك دعوة من المملكة العربية
السعودية لاجتماع واعد، إنْ ليس لكل فلمعظم تشكيلات وقوى ورموز المعارضة السورية، المعتدلة بالطبع، فإنه ليس ضروريًا قطع الطريق على هذه الدعوة وعلى هذا الاجتماع بدعوة أخرى واجتماع آخر في
القاهرة، وهو الاجتماع الذي تم الإعلان عنه قبل أيام قليلة، والذي قيل على لسان أحد منظميه إن نحو 200 شخصية من المعارضين السوريين سوف يحضرونه.
والواضح وهذا معلن، وليس مجرد تكهنات أنَّ الهدف الرئيسي هو إيجاد بديل لـ«
الائتلاف» الذي مقره في إسطنبول والمعترف به، كما هو معروف، من قبل أكثر من 100 دولة من بينها الكثير من الدول الكبرى على أنه يمثل الشعب السوري.
لم يكشف النقاب بعد عمَّن ستوجه إليهم الدعوة لحضور الاجتماع الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية بموافقة بل بمباركةٍ قطرية وتركية، لكن كل التقديرات وكل المعلومات تؤكد أنَّ التركيز سيكون على «الائتلاف» السوري وعلى الجيش الحر وعلى القوى المقاتلة الفاعلة على الأرض، إنْ المنضوية فيما سمي «جيش الفتح» في مناطق إدلب وجسر الشغور والقلمون، وإنْ المسيطرة فعلاً في الجبهة الجنوبية وفي منطقة القنيطرة في هضبة الجولان.
هذا بالنسبة لاجتماع المملكة العربية السعودية. أما بالنسبة لاجتماع القاهرة، فإن الواضح أنَّه مجرد نسخة جديدة لاجتماعات ولقاءات سابقة شهدتها العاصمة المصرية على مدى الأعوام الأربعة الماضية وإن الواضح أيضًا أنه مجرد لقاءٍ مكرر من اللقاء الأخير الذي تم في العاصمة الروسية، والذي هناك إجماع من قبل المستضافين والمضيفين على أنه لم يحقق أي إنجاز، وأنه كان مجرد قفزة في الهواء، مثله مثل كل الاجتماعات السابقة التي تداخلت فيها الألوان التي شهدتها موسكو.
لقد كان بالإمكان أن يُفهم اجتماع القاهرة، الذي لا شك في أن الجديد فيه هو الإعلان عن تمسكه بـ«المرحلة الانتقالية» على أساس (جنيف 1)، على أنه رديف لاجتماع السعودية ومكملٌ له، لو لم يبادر «المُنظِّمون» إلى الإعلان عن بديل جديد لـ«الائتلاف السوري» تحت اسم «الحركة الوطنية السورية»، ولو لم يُشِدْ أحد هؤلاء المنظمين بالجيش العربي السوري الذي يستحق مثل هذه الإشادة وأكثر لو أن انحيازه كان لشعبه، الشعب السوري العظيم، ولو أنه لم يتحول إلى «مليشيات» طائفية ومذهبية لم تتورع عن ارتكاب مذابح ومجازر بالبراميل المتفجرة وبالغازات السامة وبالأسلحة الكيماوية، ولو أنها لم تُلحق كل هذا الدمار والخراب المرعبين بأهم وأكبر المدن السورية ومن بينها حلب وحمص وحماه ودرعا.. وأيضا العاصمة دمشق.
إنَّ المفترض أن تكون هذه المرحلة، على أساس تجارب ثورات العالم الناجحة كلها، مرحلة انتقالية تلتقي خلالها كل قوى الثورة المقاتلة وغير المقاتلة على برنامج الحد الأدنى، وأن يكون هناك استبعاد لكل عوامل الافتراق وتقريب لكل عوامل الوحدة والتلاقي، إذ إن هذه المرحلة من أخطر المراحل وإذْ إن الموقف الذي يجب أن تتلاقى عنده كل هذه التشكيلات والتنظيمات الفعلية وشبه الفعلية هو تفاني الجميع في الحفاظ على الوحدة الوطنية، وتفاني الجميع في الحؤول دون انهيار الدولة السورية كدولة وتفاني الجميع في ضرورة الإسراع في بناء «الجيش العربي السوري» من جديد وبعيدًا عن مراكز القوى الطائفية التي كانت آفة فعلية وأوصلت هذا الجيش العريق فعلاً إلى ما وصل إليه، حيث أصبح في السنوات الأخيرة مجرد شراذم «مليشيات» مذهبية.
ليس تشكيكًا في اجتماع القاهرة، الذي كان خطأ فادحًا أن يبادر منظموه إلى الإعلان عن أن تنظيم «الوحدة الوطنية السورية» الذي ينوون تشكيله، سيكون بديلاً لـ«الائتلاف الوطني السوري»، ولكن ألمْ يكن من الأفضل يا ترى، بدل كل هذا الاستقطاب الشديد، وبدل كل هذا التشرذم، أن تنصبَّ الجهود كلها في اتجاه إنجاح الاجتماع أو المؤتمر الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية بدعم من تركيا وقطر، وبخاصة أن المفترض أنَّ هناك توافقًا إنْ ليس اتفاقًا على أنَّ «جنيف 1» هي المنطلق، وهي الهدف، وأنه لا مكان لبشار الأسد ونهائيًا في المرحلة الانتقالية المنشودة، وأنه أيضًا لا مكان لـ«داعش» ولا لأي من التنظيمات المتطرفة لا في هذه المرحلة ولا في مستقبل
سوريا التي يجب وبالضرورة بعد كل هذه التضحيات وكل هذه التجارب المريرة أن تكون دولة ديمقراطية ولكل أبنائها ولكل مكوناتها الاجتماعية والسياسية.
إن هذه مسألة في غاية الأهمية، لكن الأهم منها هو أنْ يدرك أصحاب مؤتمر القاهرة أن طرق الحلول التي يقال إن الروس والأميركيين يحاولون التوصل إليها لن تكون آمنة وسالكة ما لم يتم التخلص أولاً من «داعش»، وثانيًا من كل التنظيمات المتطرفة.
وهذا في حقيقة الأمر يتطلب التقاء كل القوى المعتدلة العسكرية وغير العسكرية على برنامج الحد الأدنى ويتطلب الحفاظ على «الائتلاف الوطني السوري» وعلى التشكيلات والهيئات المدنية والمسلحة المنبثقة عنه كالجيش الحر وكجيش الفتح.. والحكومة الوطنية، فالمعركة مع هذا النظام لم تنتهِ بعد، وهي من المنتظر ألا تنتهي طالما أنَّ إيران لم تتخلَ عن تطلعاتها التمددية والاستحواذية في هذه المنطقة، وطالما أن روسيا مستمرة في استخدام مشكلة سوريا كورقة في لعبة الصراع في أوكرانيا بينها وبين الغرب الأوروبي والولايات المتحدة.
وهنا، فإن السؤال الذي يجب أن يواجهه منظمو مؤتمر أو اجتماع القاهرة الجديد إلى أنفسهم قبل وبعد تشكيل «الحركة الوطنية السورية» هو: هل هم قادرون يا ترى بإمكانياتهم المتواضعة وببياناتهم وبرامجهم وأوراقهم على الحلول محل التشكيلات المسلحة مثل «الجيش السوري الحر» وكل التنظيمات المنضوية في إطار «جيش الفتح» ومن بينها منظمة «النصرة» التي يقال إنها ستبادر، حتى قبل الذهاب إلى المؤتمر الآنف الذكر الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية، إلى الإعلان عن عدم وجود أي علاقات لها لا تنظيمية ولا غير تنظيمية لا بـ«القاعدة» ولا بأي من التنظيمات المتطرفة والإرهابية الأخرى.
وهكذا، فإن الأفضل أن تكون «الحركة الوطنية السورية» المزمع تشكيلها في اجتماع القاهرة الجديد جزءًا من الإطار السياسي للتشكيلات العسكرية (المعتدلة) المقاتلة على الأرض التي من المفترض أن يتم البدء بتوحيدها ودمجها بعضها بالبعض الآخر ومن الآن، لتكون نواة للجيش العربي السوري الجديد الذي يجب أن يتولى الحفاظ على وحدة سوريا وعلى تآخي كل مكوناتها السياسية والطائفية، ويمنع وبالقوة أي عمليات ثأرية وأي استهداف لأي من هذه المكونات، وبخاصة الطائفة العلوية التي يجب أن تكون لها مكانتها، ويجب أن يكون لها دورها في المرحلة الجديدة في سوريا الجديدة، وعلى قدم المساواة مع المكونات الأخرى.
إنه لا شك في أن منظمي اجتماع القاهرة يعرفون، استنادًا إلى تجاربهم واطلاعهم وثقافتهم السياسية، أنَّ نظامًا كنظام بشار الأسد، ارتكب كل هذه الجرائم، ولا يزال يحظى بدعم إيران وروسيا، لا يمكن إلزامه بالانصياع إلى حقائق الأمور وإلى القبول بحلِّ (جنيف 1) وبالمرحلة الانتقالية المتفق عليها إلا بالقوة، وهذا ما يجعل دور التشكيلات المسلحة (المعتدلة) التي تحقق الآن انتصارات فعلية وفي كل الجبهات رئيسيًا وضروريًا الآن، وفي المراحل المقبلة، وإلى أن تستقر الأمور وتصبح الأوضاع مهيأة وملائمة لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية.
إنه على منظمي اجتماع القاهرة أن يتجنبوا أي محاولات إلغائية لما هو موجود ولمن سبقهم، وبخاصة «الائتلاف الوطني السوري» الذي يحظى باعتراف أكثر من 100 دولة على أنه ممثل الشعب السوري، ثم إن عليهم أن يتذكروا أنه إن تركت الثورة الجزائرية المجيدة الساحة النضالية للقوى المدنية وللكفاءات السياسية والاجتماعية، فإن المؤكد أن اجتراح الاستقلال واستعادة السيادة الوطنية ربما كانا سيتأخران إلى عقدٍ أو عقدين من السنوات على الأقل!!
(نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط)