مات عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، واستقرت روحه لدى من يعرف السر وأخفى، وبرغم هذا مرتْ السيدة أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، به مصلوباً بأمر الطاغية "الحجاج بن يوسف الثقفي" فقالت:
ـ أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟!
لقد مات .. ورغم هذا وصفته بالفارس، لقد ماتت محاولاته بأن يكون الخليفة بعد وفاة معاوية وابنه يزيد، رضي الله عن الأول، ومع ذلك تقول "يترجل" أي ينزل "رجلاً قادراً على السير على قدميه"!
فمن في
مصر كلها طولها وعرضها يفهم ما أردته السيدة أسماء ذات النطاقين أم إن العداوة المطلقة عطلت وظائف أعين وآذان وعقول .. هي ليست معطلة .. ولله در القائل:
إذا لم يكن من الله عون للفتى ...فأول ما يجني عليه اجتهاده
1 -
أحكام الإعدام التي صدرتْ السبت 11 من أبريل على الشرفاء فيما سمي بغرفة عمليات
رابعة، وقد نالت أكثر من عشرة من الأبرياء، بالإضافة إلى عدد آخر نالهم حكم بالمؤبد، كان الله في عونهم جميعاً، وربت على قلوبهم، ومنذ أيام تم تحويل قرابة مئتين من الأبرياء إلى محكمة الجنايات في "أحداث اعتصام النهضة"، فقد فرغ الانقلاب والانقلابيون من "رابعة"، والتفتوا لاعتصام ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة.
ثارتْ كلمات أنصار الشرعية في مصر، ولهم حق وما يزالون، حول أحكام القضاء "المسيس"، واستمرار الظلم الواقع على الأبرياء من خيرة شباب مصر.. ومع الألم الرهيب الذي يعتصر القلب، ومع كوني واحداً من قومي:
وَهَل أنا إلاَّ مِن غَزِيَّةَ إن غَوَت غَوَيْت... وإِن تَرْشُد غَزِيَّةُ أَرْشد
غير أن لي رأياً مخالفاً للحقيقة حيال ما يتعجب منه الملايين في مصر .. رأي أعرف أنه في قلبهم، ولكن لا يجرؤ على البوح به الكثير منهم.. ويعلم الله إني أريد الخير للشرفاء الذين يعانون، وإنني في قلب تلك المعاناة .
..
2- منذ توالي أحكام الإعدام، بل منذ أعدت النيابة قوائم بعشرات الآلاف من أخلص شرفاء مصر، وقد ظهر بوضوح انحيازهما إلى جانب الانقلاب، بل إنه من نافلة القول التصريح الآن بأنهم مثل الداخلية والإعلام وأغلب أجهزة الدولة العميقة الفاسدة .. انحازوا لمصالحهم الخاصة على حساب الحق ومصر بل الشرف.. ففيم التعجب كل آن .. وإلقاء جام الغضب على قاض فاسد أو أكثر .. أو لم ندرك تبعات هذه المعركة بعد .. وفهم أسلحة الخصم؟
أعداد جديدة تضاف لأخرى لم تكن قديمة.. والطابور يتسع ..في الإعدام وسنين الحبس المنتظرة بلا عدد.. لآلاف من المقبوض عليهم، والمصير يواجه آلافاً أخرى فرتْ بدينها من وطنها إن هي فكرت في العودة.
..
أما جميل الكلام عن الثبات والصمود. وانتظار النصر من عند الله تعالى، فإنه لا اعتراض لي عليه على الإطلاق، ولكن لا أدري كيف يمكن أن نتقبل هذه الكلمات في معركة "عض الأصابع" الحالية في ظل تكالب الدنيا كلها على شرفاء مصر والأمة، وخسارة أنصار الشرعية لجميع المعطيات الداخلية والخارجية ..ونعم بالله تعالى .. لكن إن "كنا" لم نحسن لا العمل ولا الإعداد الجيد لحكم مصر، وإذا كنتم استسهلتم الأمر دون روية أو تؤدة أو إعمال عقل، ولا يقل لي أحد مجلس شورى للإخوان أعيد ثلاث مرات ليجري بما يريده أحد قادتهم، فك الله أسره وعجل فرجه، ولا يقل لي أحد ليس هذا وقته وإلا فمتى وقته يا سادة، والأمر خطأ في الدخول، وفي الجلوس وخطأ في عدم الانصراف.
وحتى بعد الانقلاب:
وقد غابت الحكمة عن القوى الثورية كلها أثناء حكم الإخوان .. وبدت خيانة الكثير منهم .. وأسلموهم للعسكر، وإن كان هذا لا يخفف من واضح أخطاء الإخوان في الحكم وقبله وبعده.. ويبقى أن السؤال الآن:
وماذا بعد؟
3- أن ترى الدنيا من عينيك أنت ولا تراهما من عيني عدوك، مهما أجرم في حقك، وأن تستمر في طريق تعرف إنك الخاسر في نهايته ..وإن الفائز الوحيد هو العدو الصهيوني من آسف، لمصلحة من يعمل من يريدون استمرار العداوة بين الإخوان والعسكر في مصر؟!
إن لم يكونوا يعقلوا ويعلموا ويتدبروا فليفعلوا .. لمصلحة إسرائيل فقط ..
سينبري من يقول إن الانقلاب نفسه يعمل لمصلحة الأخيرة.. والرد واضح .. وهل انسحابك من المشهد وتركه له، الانقلاب وإسرائيل هو الحل، وقد أخفقت في المد الثوري، وأخفقت لما ترشحت للحكم، وعلمت أن الانقلابيين، حتى قبل أن ينقلبوا قتلوا قرابة ألفاً من زهرة شباب مصر في أحداث 25 يناير، وجاء تقرير لجنة تقصي الحقائق في 31 من ديسمبر 2013م لأعلى سلطة ثورية يقول إن وزير الدفاع آنذاك .. قائد الانقلاب فيما بعد كان من أمر بالقتل بل شارك فيه .. ولم تفعل شيئاً له .. وقلت لم أكن استطيع .. حتى انقلب عليك .. ولم تكن تستطيع .. ولم تستطع بعد الانقلاب .. واليوم في ظل انحسار الزخم الثوري تنتظر "تورط" الانقلاب في اليمن من جديد ..وهزيمة لبلدك عسكرية كي تنفرج الأجواء لك .
رغم عميق الجراح إلا إن الانتباه واجب .. لبئس التجربة أن ننتظر الخلاص منها بهزيمة أو سقوط بلدنا كلها لننتصر..
4-
عد إلى السياق .. وإن لم تعد إلى الرئاسة ..
عد إلى منظومة الحفاظ على بلدك وإن تعد إلى سدة الحكم..
إنهم يعرضون التفاوض عليكم .. التفاوض الجدي للصلح فلا تسرفوا في الرفض .. لم تكونوا أصحاب تجربة ناجحة في حكم مصر، والطريق إلى جهنم من قبلكم كان مليئاً ب"النوايا الحسنة" من الأغلبية .. وبانتهاز الفرصة والحرص على المصلحة الخاصة من البعض ..لا ينكر إلا منحاز أو أعمى ..كفى ما كان . .احفظوا ما تبقى من بلدكم .. وما تبقى من قوتكم .. ولا تشمتوا عدوكم فيكم أكثر .. ولا تكملوا خسارة بلدكم وقوتكم .
قالت السيدة أسماء عن ابنها إنه فارس؛ لأنها علمت أن الدولة الأموية التي قامت على دمه ستنهار، وسيأتي من بعده الذين يكملون مسيرته، وإن لم يكونوا من دمه ولحمه، وإنه لما سينزل من علياء الصلب سيحفظ له الحق جهده واجتهاده، وإن لم يوفق فيه .. علمت السيدة أسماء ذلك بفراستها فقالت: "أما آن لهذا الفارس أن يترجل"
"أفما آن لهذه العداوة أن تترجل"..
حفظ الله مصر .. وأذل مجرميها .. وهدى المصلحين من أهلها فيها وخارجها!