كشف المحلل السياسي وثيق الصلة بالدوائر السياسية والأمنية
الإسرائيلية، ناحوم برنياع، عن وثيقة نشرها في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قال إنها كتبت في آب/ أغسطس 2013، "تجمل سنوات من
المفاوضات السرية التي جرت في لندن بين مندوب مخوّل لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو، ومن يعدّ المندوب المخوّل لرئيس السلطة
الفلسطينية، محمود عباس".
وتحت عنوان "تنازلات نتنياهو.. تقريباً سلام"، كشف الكاتب، الجمعة، عن "ملفات سرية" حملتها الوثيقة التي قال إن تفاصيلها تنشر لأول مرة، وعن "استعداد نتنياهو المفاجئ لتحقيق مطالب فلسطينية والاعتراف بها"، على حد قوله.
وأوضح برنياع أن المفاوضات جرى فيها الحديث عن مسائل جوهرية مثل الحدود، وحق اللاجئين الفلسطينيين، وملف المستوطنات، "الأمر الذي يدل ظاهراً على رغبة شديدة بعيدة الأثر من نتنياهو للتوصل إلى اتفاق ينهي به النزاع". ولكن نتنياهو اتخذ خطوات على الأرض شهدت عكس ذلك.
وقال إنه جرى الحديث في المفاوضات عن "انسحاب إسرائيلي إلى خطوط 67 مع تبادل للأراضي، وحل متفق عليه للقدس وللاجئين، إلى جانب سيطرة فلسطينية في الغور".
ويشير المحلل الإسرائيلي في كلامه عن المفاوضات الرسمية التي جرت في تموز/ يوليو 2013، بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، حسب مبادرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، موضحاً أن الوثيقة التي نشرها، وقد كتبت تحت عنوان (مشروع وثيقة مبادئ حول الوضع الدائم)، هدفت إلى أن تكون أساساً للمحادثات بين الجانبين".
وتدور معركة إعلامية طاحنة بين أنصار نتنياهو وخصومه في ظل اقتراب موعد انتخابات الكنيست.
وبيّن الكاتب أن المخولين باسم نتنياهو وعباس كانا إسحق مولخو، قريب نتنياهو العائلي، وهو محاميه ورجل سره، أما الشريك في الطرف الفلسطيني فكان حسين آغا، البروفيسور في جامعة أكسفورد، لبناني انضم في شبابه إلى "م.ت.ف"، ويعدّ من الأشخاص الأكثر تقرباً من أبو مازن، وفق برنياع.
وقال برنياع إن "عباس استخدم آغا حينها طعماً ليجتذب نتنياهو إلى تنازلات دون أن يتعهد هو بالتنازل عن أي شيء. وفي لعبة البوكر هذه فإن عباس فنان عظيم"، على حد وصفه.
تفاصيل الوثيقة
فتح نتنياهو من خلال مولخو في الوثيقة الباب لعودة إسرائيل إلى خطوط 67، مع تبادل للأراضي على أساس متر مقابل متر، وهو يعترف بالتطلعات الشرعية للفلسطينيين في شرق مدينة القدس، ويعطيهم قبضة في غور الأردن، بحسب برنياع.
وتابع بأن الوثيقة "فتحت إمكانية عودة اللاجئين إلى الداخل الإسرائيلي على أساس فردي، وإخلاء مستوطنين من الضفة، وبقاء قسم من المستوطنات وسكانها تحت حكم الفلسطينيين".
وقال إن ما تم طرحه في هذه الوثيقة قد يلقى قبولاً لدى الوسط - اليسار الإسرائيلي، مثل أحزاب المعسكر الصهيوني ويوجد مستقبل، وربما ميرتس أيضاً، فهو اتفاق معقول للغاية من وجهة نظرهم على الأغلب، لكن ليس مؤكداً أن هذا ما سيفكر فيه أيضاً مصوتو الليكود والبيت اليهودي.
النقاط والبنود الأساسية
بدأت النقاط الأساسية بتحديد هدف المفاوضات: "الطرفان متفقان على أن هدف مساعيهما هو الوصول إلى إنهاء المواجهة وكل الادعاءات.. وهما متفقان على أن المسائل المتعلقة بالوضع الدائم يجب أن تتعاطى مع الاحتياجات الشرعية للطرفين بطريقة عملية ونزيهة تسمح بتأييد جماهيري. وهما شريكان في الرؤيا التي تتحدث عن دولتين للشعبين، مع حقوق دينية متساوية وبلا تمييز تجاه أي طائفة إثنية أو دينية".
وبحسب ما نقله الكاتب، يتحدث البند الثاني عن "الأراضي الإقليمية، الحدود والمستوطنات"، حيث "يتفق الطرفان على أن يكون لإسرائيل وفلسطين حدود دائمة، الواحدة مع الأخرى، ويكون لفلسطين حدود دائمة مع الأردن ومصر (الحدود مع الأردن تتطلب سيادة فلسطين في غور الأردن، كله أو جزء منه)".
وبحسب البند الثاني أيضاً: "الحدود بين إسرائيل وفلسطين ستكون على أساس خطوط 67 مع تبادل للأراضي متفق عليه، يأخذ بالحسبان التطورات المتأخرة (والمقصود كتل استيطانية). وستقرر الاعتبارات العملية والواقع على الأرض حجم ومكان الأراضي المتبادلة".
وجاء في الوثيقة: "يتفق الطرفان على أن تكون فلسطين دولة مستقلة وذات سيادة في أرض قابلة للعيش، تساوي في حجمها المساحة التي كانت تحت سيطرة مصر والأردن قبل الرابع من حزيران 1967، يكون أمن إسرائيل مضموناً وكل حركة للسكان الموجودين تكون بالحد الأدنى. ولا تفصل مناطق".
ومن بين البنود أيضاً: "الاتفاق على إقامة دولة فلسطين سيحل كل مشاكل الوضع الدائم، بما في ذلك مسألة المستوطنات. الإسرائيليون الذين يختارون البقاء في أماكنهم في دولة فلسطين، ويكونون تحت الحكم الفلسطيني مع حقوق متساوية وكاملة، دون تمييز ضد الفرد أو الطائفة".
و"يتفق الطرفان أيضاً على ارتباط آمن بين الضفة وغزة"، وأن تكون "احتياجات إسرائيل الأمنية مضمونة ضمن أمور أخرى من خلال: دولة فلسطينية مجردة في الضفة وفي غزة مع قدرة أمنية قوية. والتعاون بين قوات الأمن في المعلومات وفي الأعمال الميدانية (التنسيق الأمني). وألا توافق فلسطين "على مرابطة قوات أجنبية في أراضيها، ولا توقع على معاهدات دفاع مع دول أخرى".
وأن يكون انسحاب كامل على مراحل للقوات الإسرائيلية من أراضي فلسطين. وأخيراً: "القوات الإسرائيلية الأخيرة تخلي عندما تنفذ المرحلة الأخيرة من الاتفاق".
ويعترف الاتفاق بحسب برنياع "بالمشاكل الأمنية المشروعة لفلسطين".
وتحدث الاتفاق عن إمكانية تأجير غور الأردن لفترة زمنية محدودة، عن طريق "نظام خاص لمدى طويل يقام على جانبي نهر الأردن. ويبقى النظام الخاص إلى أن تقرر كل الأطراف أن الظروف تبرر التغيير. إضافة إلى ذلك ترابط قوة مساعدة دولية".
ووفقاً لما اعترف به آغا ومولخو: "على ما يبدو، فإن القدس هي المسألة الأكثر تعقيداً وحساسية في موضوع البحث".
ويعد الاتفاق اللاجئين برد كرامتهم لهم ويعدهم بحياة جديدة وطبيعية، ويعد الإسرائيليين ألا تستغل مشكلة اللاجئين لمواصلة النزاع أو لتغيير الطابع اليهودي للدولة، بحسب الوثيقة، إلى جانب الاعتراف بمعاناة اللاجئين وإعادة توطينهم في فلسطين وفي دول ثالثة، بمساعدة دولية.
وتساءل برنياع: "هل سعى نتنياهو حينها إلى خداع الفلسطينيين؟ أم إنه سعى لخداع ناخبيه؟"، ليجيب أنه "في نهاية الدراما تبين أن نتنياهو لم يخدع إلا نفسه".
وقال: "يخيل أنه كان مهماً له أن يحظى بالاعتراف كمن يسعى إلى السلام، بشرط واحد: ألا يحقق السلام أبداً".
يذكر أن المفاوضات جرت في الولاية السابقة لنتنياهو، قبل مبادرة كيري، في ائتلاف كان فيه نتنياهو هو مصدر الصلاحيات الوحيد في الموضوع الفلسطيني.