نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريرا لمراسلها للشؤون الدفاعية كيم سينغوبتا، الذي التقى شبابا مسلمين غير آبهين للإجماع الليبرالي في
فرنسا.
يقول الكاتب إنه بينما كانت تقام مراسم الدفن لبعض من قضوا في الهجمات الإرهابية، كانت وزيرة التعليم نجاة فالو بلقاسم، تجتمع بمسؤولي المدارس، ردا على ما فعله أطفال
مسلمون في كثير منها، حيث رفضوا الوقوف صمتا لمدة دقيقة حدادا على القتلى.
ويفيد التقرير بأنه في مدرسة ثانوية في سين سينت دينس، فإن أكثر من 80% من الطلاب رفضوا الانصياع، وقالوا إن موظفي مجلة "
شارلي إيبدو"، "يستحقون ما حصل لهم"، وفي مدينة ليل هدد طالب أستاذه بأنه سيضربه بالرصاص بالكلاشنكوف، لأنه طلب من الطلاب أن يقفوا دقيقة صمت خلال مراسم الدفن.
وتنقل الصحيفة عن الطالب وليد، قوله: "إنهم يتحدثون عن الوحدة وكيف أننا جميعا في قارب واحد ثم يفعلون هذا.. وبعدها عندما يحصل شيء يلومون المسلمين كالعادة"، وأيده أصحابه في ذلك، مؤكدين أن هذه محاولة خبيثة للإثارة ولشتم دينهم ومجتمعهم.
ويجد سينغوبتا أن موضوع غضبهم هو النسخة الجديدة من مجلة "شارلي إيبدو"، هي الأولى منذ مقتل 12 شخصا في هجوم على مكتب المجلة، حيث يحمل الغلاف رسما للنبي محمد، والعنوان "كله مغفور"، وقد تم تناقله في بعض وسائل الإعلام.
ويستدرك التقرير بأن التسامح لم يكن وفيرا بين هؤلاء الشباب، حيث قال أحمد: "إنهم يعلمون ما يفعلون، وعليهم تحمل النتائج"، ولم يختلف هؤلاء الشباب الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و21 عاما عن ملايين الشباب الفرنسيين، الذين شاركوا في تظاهرة التضامن يوم الأحد، ولكنهم كانوا يقفون في طرف شارع في منطفة لا كورنيف، وهو حي تعيس لا يبعد سوى 15 دقيقة بالسيارة عن العاصمة باريس، ولكنه بعيد جدا عن المثاليات العلمانية للجمهورية.
ويرى الكاتب أنه قد يكون رفض الطلاب المسلمين الوقوف دقيقة صمت عنادا من الطلاب أنفسهم، ولكن المرارة وخيبة الأمل في المجتمع المسلم، وخاصة الشباب منهم، تصل إلى الأعماق. فوليد، لم ينظر بعين الاحتقار فقط لأولئك الذين لبسوا شعار "كلنا شارلي"، ولكن حتى تجاه أولئك الذين لبسوا شعار "كلنا أحمد" في ذكرى أحمد مرابط، الذي قتل في الشارع خارج مكاتب المجلة، وكان مرابط واحدا من ثلاثة رجال شرطة منحهم الرئيس فرانسوا هولاند وسام "ليجون دي هونير".
ويذكر التقرير أن الكثير من المسلمين شعروا بالألم لسخرية المجلة من النبي، ولبسوا شعارات "كلنا أحمد"، الذي حرس حرية التعبير حتى عندما كان يشتم دينه. وعلى هذا يعلق وليد، البالغ من العمر 21 عاما، وهو من جذور جزائرية، ومن الجيل الثالث: "ضابط الشرطة انضم إلى قوة تظلم المسلمين، وهؤلاء الناس يجب أن يشعروا بالخزي".
وتبين الصحيفة أن شبابا آخرين جاءوا ليشاركوا في الحديث، وكلهم يقولون إنهم يرفضون خدمة الدولة الفرنسية، وبعضهم تحدث عن إعجابه بأولئك الذي ذهبوا للجهاد في الخارج، وبعضهم أبدى معرفة بالأسلحة ومجموعات الثوار المختلفة في سوريا، والفرق بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وأنصار الإسلام.
ويجد الكاتب أن ما جمع هؤلاء الشباب ليس فقط كراهيتهم للدولة الفرنسية والمجتمع، ولكن أيضا أنهم جميعا عاطلون عن العمل، وعن هذا يقول كريم (19 عاما): "كنت أعمل في البناء، وكنت أكسب مبلغا جيدا، ولكن هذا انتهى كله؛ لأنهم عندما يريدون التخلص من عمال يتخلصون أولا من العمال الملونين".
ويورد التقرير أن محمد حناشي، البالغ من العمر 64 عاما، أراد أن يبين مدى بؤس الواقع الاقتصادي للمنطقة، فقال: "انظر، المنطقة مغلقة منذ شهور، وليس لهذا علاقة بما حصل الأسبوع الماضي".
ويوضح الكاتب أن حناشي كان متأثرا بنشر المجلة للرسوم المسيئة، ويقول إنه سمع أنه سيعاد نشرها في أمريكا وبريطانيا، ويتساءل: "لماذا؟ ألا يعلم الناس في أوروبا وأمريكا كم هي مهينة للإسلام؟".
ويشير التقرير إلى أن حناشي نشأ يسمع قصصا من عائلته عن حالات القتل على الدين أو العرق، وكان الضحايا حينئذ مسلمين جزائريين شاركوا عام 1961 في مظاهرة في باريس، فهاجمتهم الشرطة. وقد طفت الجثث العائمة على نهر السين، وبقيت الحكومة الفرنسية تنكر حدوث المجزرة لمدة 37 عاما، وفي عام 1998 اعترفت بمقتل 40 شخصا، مع أن الرقم الحقيقي هو أقرب إلى 200.
ويختم سينغوبتا تقريره بالقول: "إن الشباب المسلمين الآن يردون، ولا يعني ذلك أنهم كانوا محقين الأسبوع الماضي، ولكن الشباب وليس المسلمون منهم فقط يبدون غاضبين، وعندما يكونون غاضبين يتصرفون دون حكمة".