عندما اندلعت الاحتجاجات في القاهرة عام 2011، سارع الناشط الليبرالي
حسن العريان بتنظيم مظاهرات في مدينة الزقازيق، التي يعيش فيها، معرّضا نفسه لخطر الاعتقال أو ما هو أسوأ من أجل الديمقراطية.
وبروح يملؤها التفاؤل، عقب نجاح انتفاضات الربيع العربي في الإطاحة بالرئيس
المصري المخلوع حسني مبارك، وحكام مخضرمين آخرين في المنطقة العربية، قرر العريان خوض
الانتخابات البرلمانية التي جرت على مراحل في أواخر 2011، وأوائل 2012.
وبعد نحو أربع سنوات، يجسد العريان (30 عاما) نموذجا صريحا لخيبة الأمل السياسية التي أصابت البعض في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان.
وقرر العريان مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة في شهري آذار/ مارس ونيسان/ إبريل، نتيجة لما يراه من عدم مبالاة في الشارع، ولما تصفه جماعات حقوق الإنسان "بالقمع واسع النطاق".
وينتمي العريان لأسرة سياسية، وكان والده عضوا في حزب معارض وقت مبارك.
وتصف الحكومة انتخابات مجلس النواب القادمة بأنها حاسمة، وهي آخر خطوة في خارطة الطريق التي أعلنها الجيش عقب الانقلاب على حكم أول رئيس مدني منتخب بعد "ثورة يناير"، محمد مرسي، في تموز/ يوليو عام 2013.
وقال حسن العريان في مقابلة مع "رويترز"، في مقهى قريب من جامعة الزقازيق الواقعة بدلتا النيل شمالي القاهرة: "الشارع كفر بالشباب. كفر بالثورة .. كفر بأي تغيير.. أو خايف من أي تغيير ممكن يحصل".
وبعد شعورهم بسعادة غامرة لقدرة الشعب، التي تغلبت على بطش قوات أمن مبارك، عاد المصريون يغضون الطرف عن القبضة الأمنية الصارمة في عهد عبد الفتاح
السيسي من أجل عودة الاستقرار بعد سنوات من الاضطرابات التي أعقبت الربيع العربي.
وكان السيسي قائدا للجيش ووزيرا للدفاع حين قاد الانقلاب على حكم مرسي الذي استمر عاما واحدا.
وعقب الانقلاب على حكم مرسي، الذي ولد في قرية قريبة من الزقازيق، عاصمة محافظة الشرقية أيضا، شنت الحكومة واحدة من أعنف الحملات الأمنية على جماعة الإخوان المسلمين. وقتل المئات من أعضاء ومؤيدي الجماعة في احتجاجات قمعتها قوات الأمن، كما اعتقلت الآلاف وقدمتهم للمحاكمة.
وامتدت الحملة لتشمل عددا من النشطاء الليبراليين.
واتهم معارضو السيسي بتأخير الانتخابات البرلمانية، لتشديد قبضته على السلطة، بإقرار تشريعات تحد من الحريات، إذ يملك الرئيس سلطة التشريع في غياب البرلمان.
ويقول السيسي الذي كان قائدا للمخابرات الحربية في عهد مبارك إنه "ملتزم بتحقيق الديمقراطية".
مناخ مختلف
ووافقت الحكومة في الآونة الأخيرة على مشروع قانون يضيّق الخناق على المعارضة يسمّى قانون (الكيانات الإرهابية). ويعرّف المشروع الإرهاب بأنه أي شيء يضر "بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي".
ويخشى من أن يمنح هذا القانون في حال إقراره سلطات واسعة لقوات الأمن لسحق المعارضين.
وساهمت هذه التغيرات في تغيير الأجواء في الزقازيق التي شهدت منافسة انتخابية ضارية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تلت خلع مبارك.
وبفضل التواجد الميداني المستمر، والحملة المنظمة، تصدّر مرشحو الإخوان نتائج الانتخابات البرلمانية، وتفوقوا على الكثير من المرشحين الليبراليين، مثل العريان، الذي اتهم الجماعة بأنها كانت تسعى للاستحواذ على السلطة، "مثلها مثل نظام مبارك".
ورغم خسارته، كان العريان سعيدا بالمشاركة في الانتخابات، بعدما ولد وتربى في ظل حكم مبارك الذي استمر لثلاثة عقود.
ولا توجد أي إشارة على هذا الشغف الآن، باستثناء فقط بعض رسائل التذكير القليلة حول المرارة التي يشعر بها أعضاء الإخوان بعد إزاحتهم من السلطة بعد انقلاب.
وفي مبنى سكني يقع قرب جامعة الزقازيق، حيث يعيش عدد من أعضاء الإخوان وسياسييها السابقين، الذين تعهدوا في السابق بتغيير البلاد نحو الأفضل، كانت الأجواء قاتمة، ورفض ساكنوه الحديث مع الصحفيين بشدة، ربما خوفا من اللحاق بزملائهم المحبوسين الذين حكم على بعضهم بالإعدام.
وعبّر الجرافيتي المرسوم على جدار المبنى الذي كان يسكنه مرسي قبل أن يصبح رئيسا انتماءات وأفكار سكانه. وكتب باللون الأحمر عبارات من بينها "السيسي قاتل" و"مرسي هو الرئيس".
وفي ظل غياب المؤشرات على ممارسة الحلفاء الغربيين ضغوطا كبيرة على مصر، للمضي قدما نحو الحرية، التي كان يأمل المحتجون في نيلها عقب الانتفاضة التي شهدها ميدان التحرير في القاهرة في 2011، فمن غير المرجح حدوث التغير المأمول.
وبعد صدور أحكام عديدة بحبس نشطاء شاركوا في الانتفاضة، قضت محكمة مصرية الشهر الماضي، بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضد مبارك، في إعادة محاكمته في قضية تتصل بقتل متظاهرين إبان الاحتجاجات. وبرّأت وزير داخليته حبيب العادلي وستة من مساعديه.
واعتقل العريان عدة مرات في احتجاجات وقت مبارك. ويتساءل الآن: هل ضاع ما بذله من جهد لتحقيق الديمقراطية سدى؟.
وقال العريان الذي عاد إلى الجامعة لإكمال دراسته في كلية للهندسة، بعد انقطاعه عن الدراسة لسنوات، بسبب نشاطه السياسي: "نظام مبارك لم يسقط حتى الآن، وحتى في عهد الإخوان. النظام الحالي مكمل في نفس السياسات".
ثمن المعارضة
وجعل المناخ المتوتر ثمن المقاومة أغلى بكثير مما سبق. فبعد الانقلاب على حكم مرسي، وحين كان السيسي وزيرا للدفاع، أقرت الحكومة قانونا لتنظيم التظاهر، يقول منتقدوه إنه فرض كثيرا من القيود على حرية الاحتجاج.
وقال العريان: "التضحيات في 2011 أو ما قبلها مهما كانت قليلة، لكن كانت ثمارها كبيرة جدا. إنما دلوقتي (الآن) التضحيات جمة، وللأسف بلا ثمار".
ولا توجد مؤشرات على أن المصريين قد يقومون بانتفاضة جديدة، كما أن المعارضة تعاني من الضعف وغياب المصداقية.
من جهته، قال الخبير في الشأن المصري والأستاذ في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة، ناثان براون: "في 2015 المعارضة في موقف ضعيف حقا، وتم تجاهل تهديداتها بالمقاطعة بشكل كبير، ولا يبدو أن النظام يجد غضاضة في طرد الإسلاميين خارج اللعبة".
وأضاف: "ليس من الواضح حقا أن هناك معارضة فوق الأرض في مصر اليوم".
ويذكر أن حسن العريان لا يمت بصلة قربى لعصام العريان القيادي في جماعة الإخوان.
وقال مجدي عاشور، الذي مثّل الزقازيق سابقا في البرلمان عن الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك، إنه متحمس بشأن الانتخابات المقبلة، ويعتزم الترشح مرة أخرى، بعدما قاطع الانتخابات السابقة.
ودافع عاشور، الذي كان خصما لدودا لمرسي في الانتخابات البرلمانية في الزقازيق قبل 2011، عن حق أعضاء الحزب الوطني السابقين في الترشح للبرلمان، "طالما لم يثبت تورطهم في فساد".