كأنه لم ينطق في حياته بجملة غيرها.. فلم يكد "إبراهيم منير" القيادي بالتنظيم الدولي للإخوان، يعلن أن الجماعة أخطأت بمنافستها على
الانتخابات الرئاسية، حتى أقام خصوم الجماعة، وأدعياء الحكمة بأثر رجعي، لما قال، "حلقة ذكر".
فالجماعة قد أخطأت، وهي تدفع الآن ثمن هذه الخطأ، فما ظلمهم الانقلاب، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. فهل أخطأ
الإخوان فعلاً؟.
لا أعرف السياق الذي أعلن فيه "إبراهيم منير" هذا الكلام، وهل كان يعنيه، أم أن الرجل ولطبيعته السمحة، كان يجامل، وهو شخص مجامل بالفطرة، لدرجة أنني فوجئت بالإجراءات التي اتخذت ضده في عهد مبارك، وقدمته على أنه الزعيم الارهابي الأممي، إذ كنت قبلها مجاوراً له في "استوديو" واحد لمدة عشرة أيام، ولأكثر من ساعتين يومياً، ولم أكن أظن وقتها أن الرجل بهذه الخطورة، التي أعلنتها الأجهزة الأمنية، والتي ما إن طالعتها حتى انتابني الخوف بأثر رجعي!
لهذا قصة، فقد تلقيت دعوة، لأحل ضيفاً على قناة "المستقلة" في لندن، للمشاركة في برنامج متعدد الحلقات، عن "البديل العربي" للأنظمة القائمة، ممثلاً للتوجه الليبرالي، وكان "منير" ممثلاً للإخوان، وكان هناك ممثلان عن الوهابية، والبعث والناصريين.
وكان علي أن أخوض حرباً على الجبهات كافة وضد هؤلاء جميعاً، وفي حدة المناقشات اكتشفت شخصية "إبراهيم منير" المتسامحة، حتى مع الناصريين، وأعلن تقديره واحترامه لرئيس الحزب الناصري ضياء داوود، الذي لم يكن قد مات حينها إذ كان هذا في نهاية عام 2008، واستمرت الحلقات إلى بداية عام 2009، في مثل هذه الأيام.
وأعترف أنه بتعدد حلقات البرنامج، فقد تغيرت الحدة في التعامل من الوهابيين معي، وعندما كان أي صاحب مداخلة عبر الهاتف، وكثيراً منهم كان من المملكة العربية السعودية يتجاوز حدود اللياقة معي، كان ممثلهم الدكتور "محمد السعيدي" يقدم الاعتذار.
وانتبه الدكتور الحامدي الهاشمي مقدم البرنامج لذلك، وقال إنه يلحظ عملية احتواء وهابي وإنه يقول للجميع إن "
سليم عزوز" عصي على الاحتواء!
ومع كل هجوم مني على الإخوان، كان "إبراهيم منير" يحرجني بسماحته، لكنه لم يحرج ممثل الناصريين في البرنامج، فقد استمر مهاجماً الإخوان طوال الوقت، لكنه كان يتحرج ولأسباب معروفة، من نقد الوهابيين؛ إذ كانت المملكة العربية السعودية في عهد مبارك خطا أحمر، رغم الخلاف التاريخي بين عبد الناصر والسعودية، لكن الحزب الناصري في مصر، كان جزءاً من المعارضة الرسمية في عهد المخلوع.
ولم تتغير لهجة الهجوم الناصري ضد الإخوان، حتى بعد أن أهدانا منير ربطتي عنق، واحدة لي وأخرى للقيادي بالحزب الناصري، وكلف من يقوم بجولة سياحية لنا في مدينة الضباب، انتهت "بعزومة" على الغداء، باعتبارنا ضيفين وباعتباره يقيم في لندن منذ سنوات.
وعندما عامله نظام المخلوع بعد ذلك على أنه "زعيم المافيا"، قلت ربما له طبيعة أخرى وأن معاملته لنا كانت على قاعدة "المؤلفة قلوبهم"!.
لا أعرف، ما إذا كان تصريح "منير" يعنيه فعلاً، أم إنه أخذ منه بسيف الحياء، واستغلالاً لطبيعته السمحة، وهناك حملة تطالب الإخوان بالاعتذار عن كل شيء فعلوه في حياتهم، فربما تقبل حركة 6 إبريل اعتذارهم، وتعيد تحالفها معهم فلا تضن علينا بالخلطة السحرية التي تملك احتكارها حصرياً، لإسقاط الانقلاب.
أعلم أن قرار جماعة الإخوان بخوض الانتخابات الرئاسية، لم يكن قراراً بالإجماع، فالموافقة كانت بأغلبية مريحة، ولكن لم تكن كاسحة، بعد قرار سابق برفض خوض هذه الانتخابات، ومن الطبيعي أن يعلن الذين تمسكوا بموقفهم الرافض لخوضها أن الجماعة أخطأت عندما لم تأخذ برأيهم، لاسيما وأنها تدفع الثمن الآن مضاعفاً، صحيح أن كل من رفضوا الانقلاب وأيدوا الشرعية دفعوا الثمن بدرجة أو بأخرى، لكن الثمن الأكبر دفعه الإخوان، اعتقالاً، ومطاردة، وتشهيراً، وتقتيلاً، وتشريداً، ومصادرة.
ومع كل هذا يعيد سؤال: هل أخطأ الإخوان بخوض الانتخابات الرئاسية؟.. طرح نفسه من جديد!.
أعيد مجدداً التأكيد أنني لم أنتخب الدكتور محمد
مرسي في الجولتين الأولى والثانية، بل كانت كتاباتي ضد ترشيحه، واستمر نقدي له إلا في محطات قليلة بدأت بعزل حسين طنطاوي وسامي عنان، مروراً بالإعلان الدستوري، فعزل نائب عام مبارك، فضلاً عن هجوم لي على عدد من خصومه، لأنهم في عدائهم له كانوا ينطلقون من الانحياز للثورة المضادة، مثل عادل حمودة، وتهاني الجبالي.
وقد تمنيت أن تحتشد القوى الثورية كلها، بمن فيها الإخوان، لتأييد الدكتور محمد البرادعي رئيساً، فهو الوحيد بعلاقاته الخارجية يمكن أن يأمن بوائق المجلس العسكري وشروره، وهو وحده والثوار من حوله وفي القلب منهم الإخوان، يمكن أن يعيد الجيش لثكناته غير مستأنس لحديث. وما زلت مع هذا الرأي حتى بعد أن وقفت على أن البرادعي لم يكن هو هذا الشخص المبدئي، كما كان انطباعي عنه للوهلة الأولى.
لقد نفض الإخوان يدهم مبكراً من البرادعي، وحتى عندما كان المقرر هو عدم خوضهم الانتخابات الرئاسية، لم يكن من بين البدائل المطروحة على جدول اختياراتهم، ولست مطلعاً على حقيقة الموقف، فهل تلقوا تلميحاً أو تصريحاً بعدم رغبة المجلس العسكري المهمين على الموقف بعدم الرغبة في استمرار البرادعي في المشهد، كما حدث بالنسبة للشيخ حازم أبو اسماعيل، الذي قال طنطاوي إنه في حال ترشحه فلن تكون هناك انتخابات رئاسية؛ لإيمان الجميع أنه سيكتسح هذه الانتخابات من الجولة الأولى.
الملاحظ أن الائتلافات الثورية، التي كان البرادعي يعد الزعيم الروحي لمن شكلوها، لم تتمسك بفكرة ترشحه أيضاً، فهل وصلت إليها إشارات أو تصريحات بذلك من المجلس العسكري، وهم كانوا من جلسائه؟!
الذي يريد أن يقيم قرار الإخوان الآن بخوض الانتخابات الرئاسية عليه أن يعود للسياق الذي اتخذوا فيه قرارهم. فقد بدا واضحاً منذ البداية، أن هناك مخططاً لإبعادهم من المشهد السياسي، إما بإفشال البرلمان، الذي كانوا فيه يمثلون حزب الأكثرية، أو بحله، وقد أعلنها كمال الجنزوري رئيس الوزراء لقيادات مجلس الشعب، بأن حكم الدستورية بحله في درج مكتبه، وذلك قبل شهور من صدور الحكم!.
الذي حدث أن الفوز في الانتخابات الرئاسية أجل المواجهة، وجعل فاتورتها أعلى ثمناً، لكنه كشف للعالم كله حجم المؤامرة، وهذا أفضل من "الموت الفطيس" الذي كانوا سيتعرضون له؛ فقوة الإخوان كانت ستدفع العسكر "ورثة مبارك" للعمل على إبعادهم بأي شكل من المشهد السياسي، حتى وإن لم يحكم العسكر بشكل مباشر، وقرروا الحكم من وراء رئيس مدني قرر أن يكون "خيال مآتة"!.
وهذا يطرح سؤالاً آخر: أيهما الأفضل للثورة المصرية ومطالبها، ترشيح الدكتور محمد مرسي، أم اعتزال الإخوان الترشيح؟
في تقديري أننا كنا في غياب الرئيس الإخواني بين خيارين: إما أن يمكن الرئيس العسكر من الحكم بشكل غير مباشر، وهذا هو الأخطر، وإما أن يرفض فيجري الانقلاب عليه، فلا يجد من يثور لأجله وقد يتم حمله على الموافقة، فتصبح الإطاحة به بلا ثمن، ونصبح أمام ثورة قتيلة بلا "دية". فجزء من صمود الرئيس مرسي مرده إلى أنه له ناسه، وحزبه، وجماعته، هم السبب في التأكيد بالاستمرار في النضال على أن ما جرى انقلاباً، فلم يهنأ لذلك اللصوص بغنيمتهم.
مع احترامي لإبراهيم منير، فإن قرار الجماعة بخوض الانتخابات الرئاسية هو من القرارات الصائبة في مسيرتها، وهو لصالح الثورة بامتياز.
[email protected]