في عام 1882 تم الاحتفال بأول عيد
عمال في نيويورك، وهذا بعد وفاة عدد من العمال على أيدي
الجيش الأمريكي لمطالبتهم خلال إضرابهم عن
العمل بحد أقصى لعدد ساعات العمل بثماني ساعات، وراح ضحية ذلك عشرات العمال.
والإضراب أحد أهم الوسائل الاحتجاجية وأكثرها تأثيرا على صاحب رأس المال وهو مرتبط بزيادة استبداد رأس المال أو الطبقة الحاكمة التي تستخدم سلطتها لخلق عدم التوازن ضد قطاعات العمال لصالح صاحب العمل، مما يدفع هذا القطاع إلى الوصول إما مباشرة أو بشكل متدرج إلى حالة الإضراب.
وتروي إحدى البرديات أن عمال في مدينة الأقصر قاموا بأول إضراب في التاريخ، وهذا لا أراه عجيباً ولا مدعاة للفخر فهو دليل على العمق التاريخي للظلم المجتمعي في
مصر وعلى احتكار الطبقة الحاكمة للسلطة والثروة مهما تغير اسمها عبر التاريخ.
وكما تعددت مسميات الطبقة الحاكمة تعددت بالمثل مسميات الطبقات التي يتم استغلالها فتحولت من الأرقاء إلى الأقنان عند الإقطاعي أو الكنيسة ونهاية إلى عمال الرأسمالي. وبدأ استعباد العامل أثناء الثورة الصناعية وتعرض قطاع العمال لظلم شديد، فلا رواتب تكافئ العمل ولا حقوق في مشاركة الربح ولا عددَ ثابتا لساعات العمل، وكانت أقرب للاستعباد الكامل ولكن بشكل جديد.
واستطاعت الحركات العمالية بعد نضال طويل الحصول على بعض من حقوقهم إلا أن الخلل في بنية النظام الرأسمالي الطفيلي بطبعه لم يتحمل ذلك، وبدأ في البحث عن الأيدي العاملة الرخيصة - أو حتى المجانية في أحيان كثيرة- في أفريقيا؛ فقام بأكبر جريمة في التاريخ ضد البشرية باستعباد عشرات الملايين من أجل العمل. ومع انتقال أفكار النظم الرأسمالية إلى باقي العالم -ومنها مصر- انتقل حاملاً سلبياته وقامت النظم المستبدة الفاسدة بمنع ظهور قوى عمالية تستطيع حماية العمال من بطش رأس المال والسلطة.
إن عمال مصر والبالغين طبقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والأحصاء في أيار/ مايو 2011 حوالي 24 مليون عامل، وطبقا لتقارير غير رسمية 27 مليون عامل في 2014، يعاني من مشاكل معقدة ومركبة يختلط فيها النقابي بالسياسي بالفني ويحتل فساد الدولة أجزاء واسعة من مساحة أسباب مشاكل القطاع العمالي في مصر؛ والعامل طبقا للقانون المصري هو كل شخص طبيعي يعمل لمصلحة صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر.
مشاكل القطاع العمالي المعقدة هي نتيجة عقود طويلة من تدخل الدولة المركزية في كل شؤون العمال وتبني منهج رأسمالي متوحش ضد العمال.
فمع احتكار السلطة والثروة في طبقة واحدة لا تقبل المشاركة فيهما ولو اسما، تتعرض قطاعات كثيرة لظلم شديد نتيجة للضعف في مواجهة مصالح الطبقة الحاكمة وعدم القدرة على عمل تجمعات أو نقابات أو منظمات تستطيع حماية الطرف الأضعف من بطش السلطة. واستطاعت الطبقة الحاكمة السيطرة على النقابات العمالية بتأميمها لصالحها في ما يسمى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وتحارب بشراسة النقابات المستقلة وتحاول اختراقها أمنيا لتفريغها من مضمونها، كما أنها لا تضمن حماية حقيقية للجان النقابية وتضعها في النطاق الآمن دائماً. وتعمل الطبقة الحاكمة على تفتيت أي قوة عمالية ناشئة وكأنها في حرب شاملة مع العمال.
ويأتي التشريع والقضاء أيضا ضد مصالح العمال؛ فقانون العمل وقانون الحريات النقابية يميل ناحية رأس المال على حساب العمال، كما أن حالة القضاء المتردية في مصر تجعل العامل يفكر ألف مرة قبل اللجوء إليه.
وتبني الطبقة الحاكمة لهذا التوجه لا يراعي باقي الأدوات المرتبطة بنظام العمل في الدول الغربية؛ فلا يوجد في مصر إعانة بطالة للعمال، ولا يوجد تعويضات قاصمة عن الفصل التعسفي، ما يجعل صاحب العمل يفكر ألف مرة قبل اللجوء إلي ذلك الحل المدمر لحياة العامل.
ومن المشاكل التي تمس قطاع العمال هو حصار الدولة لمؤسسات المجتمع المدني التي منها ما يهتم بقضايا العمال، ما يقلل من القوى المدافعة عن حقوقهم سواء إعلاميا أم حقوقيا.
ولا تبتعد القوى السياسية كثيراً عن موقف النظام فلا توجد مساندة حقيقية للعمال، وتبدو معظم القوى السياسية - إن لم يكن كلها- تتاجر بقضايا العمال لأغراض انتخابية أو دعائية دون الالتفات الحقيقي لمشاكل العمال.
وقد أدى غياب النقابات الحقيقية إلى كثير من المشاكل، ومنها ضعف التدريب المهني للعمال، ما أثر على جودة العمل في مصر تأثيرا بالغ السوء.
ويتحمل العمال جزءا من الأزمة حيث إنهم تنازلوا عن حقوق كثيرة بالتتابع لصالح السلطة وفشلوا في عمل كتل تجابه الطبقة الحاكمة التي تستغلهم بشكل متوال. ربما أصابهم ما أصاب الكثير من المصريين من طول الاستبداد وعمقه، ولكن يبقى العمال - وهم غالبا القطاع الأكثر تضررا- هم القوة الدافعة دائما للعمل الثوري ضد كافة الأنظمة المستبدة.
والحركة العمالية المصرية لها تاريخ مشرف ولا زالت هناك محاولات على استحياء لاستعادة المقاومة داخل القطاع العمالي، إلا أنها لم تستطع بعد الوصول إلى النقطة التي يمكنها بها فرض إرادتها على النظام.
وحتى يمكننا الوصول إلي الوسائل التي يمكن أن تؤدي إلى حصول العمال على حقوقهم وإيقاف استغلال الطبقة الحاكمة لهم، فسيتم الحديث في عدة مقالات متتابعة عن ملفات ومحاور أزمة القطاع العمالي، كالعمل النقابي والقوانين المنظمة لعلاقات العمل وتاريخ الحركة العمالية وغيرها، للوصول في النهاية إلى تصور لحل سيطرة رأس المال والسلطة على القطاع العمالي وكيفية الوصول إلى الكتلة الحرجة التي تستطيع الخروج من الفخ الذي صنعته الأنظمة المتتابعة بكل قطاع العمال وبالتالي كل مصر.
عضو هيئة عليا لحزب الوسط المصري