أثارت مظاهر
الاحتفال الذي أقامته جماعة (أنصارالله) الحوثي بالمولد النبوي الشريف، التي لم يسبق حدوثه في تاريخ
اليمن تساؤلات عدة منها، ما الأبعاد السياسية لإحياء هذه المناسبة من قبل الحوثيين؟ ولماذا اتجه الحوثي إلى توظيفها للتهديد والوعيد؟
في ذلك، يرى باحثون يمنيون أن النبي محمدا عليه الصلاة والسلام، لم يحظ من التمجيد بذكرى مولده، بقدر ما كانت فعالية الحوثي تمجيدا لمسيرة حزبه وتمددها المسلح في مختلف المناطق اليمنية، بينما اعتبرها آخرون، مسارا خطيرا لإحداث تغيير في البنية الثقافية للمجتمع اليمني، في ظل اتهامات للحوثيين بفرض أتاوات مالية على أصحاب المحلات لتغطية تكاليف الاحتفال بالمولد النبوي.
توظيف ديني لجذب الناس
يعتقد الباحث في الفكر الإسلامي آدم الجماعي أن "إقامة جماعة الحوثي، احتفالا بالمولد النبوي الشريف، يأتي ضمن سياسة التوظيف الديني بهدف جذب الناس من قبل الجماعة، فلم يحظ النبي محمد عليه الصلاة والسلام من التمجيد، بقدر ما تم تمجيد مسيرة الحركة الحوثية وتوسعها التخريبي، وهذا ما جسّده خطاب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الذي لا ينوبه أحد فيه، من تكريس للثقافة الطائفية والمذهبية في اليمن"، على حد قوله.
وأشار الجماعي في حديثه لـ"عربي21" إلى "حضور شعار الصرخة المكثف والمتكرر بالهتافات، وهذا ما لا يمت بصلة لمناسبة من هذا النوع، بل برزت الثقافة الحوثية وأدبياتها على اللوحات والملصقات والمنشورات، وإشهار رموز جماعة الحوثي بعباراتهم ومأثوراتهم، في حين انعدمت الآثار والأحاديث النبوية"، لافتاً إلى أن "عملية الإعداد للاحتفالية، لم تخل من استفزازات أتباع الحوثي للوسط الشعبي، ومضايقة من يخالف هذه المظاهر الغريبة على المجتمع اليمني"، وفق تعبيره.
وذكر أنّه "لا توجد ارتباطات للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بالمذاهب الفقهية بما فيها الزيدية، وذلك لأنها ارتبطت بالمذهب السياسي لدى بعض الفاطميين في مصر، بهدف استعطاف جهلاء المصريين وإضفاء الشرعية لانتسابهم إلى ذرية النبي عليه الصلاة والسلام، بعد ما نبذهم المصريون بانقطاع نسبهم وجهالة حسبهم"، مشيرا إلى أنها "ارتبطت بالمذهب الصوفي التقليدي، ضمن طقوسهم المعبرة عن العاطفة الروحية تجاه النبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا يمارسونها في الزوايا، وظلت هذه العادة قائمة في اليمن ببعض المناطق عن طريق الدراويش الذين يحيونها ببعض المدائح النبوية".
واعتبر الباحث الجماعي أن "إقامة هذه المناسبة في اليمن بهذه الصورة من قبل الحوثي، لاشك أنها من الطقوس ذات البعد السياسي والتخدير العاطفي لأتباعهم، ولم نعرف بتاريخهم الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، بل اشتهر الشيعة بتقديس رموزهم، وآل البيت، وإحياء المناسبات التي تربطهم كالغدير، وعاشوراء".
توجه تغيير بنية المجتمع الثقافية
من جهة أخرى، رأى الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي أن "جماعة الحوثي المسلحة، بصفتها أداة إيرانية في اليمن، ولكونها أداة خطيرة لحركة الإحياء الزيدية، فإنها تتعمد استغلال مناسبة
المولد النبوي الشريف، لإضفاء صبغة فئوية واضحة على هذه المناسبة، وجعلها أكثر ارتباطاً باستحقاق ذي صبغة سياسية واضحة وهو احتكار السلطة بدواعي التفويض الإلهي والوصية النبوية لعلي بن أبي طالب لتولي الحكم من بعده".
وأضاف أن "ما يحدث يشير إلى أن جماعة الحوثي تقود اليمن بسرعة كبيرة نحو المجهول؛ بل وتبالغ في ربط هذا البلد بالأجندة الإيرانية".
وأوضح التميمي في حديث لـ"عربي21" أن "حركة الحوثي؛ تمهد بهذه المظاهر الاحتفالية الأرضية السياسية والثقافية لاستعادة النظام الإمامي، عبر إذكاء المشاعر الدينية، واستغلال الوعي السطحي الذي تعاني منه شريحة واسعة من المجتمع اليمني". على حسب وصفه.
ونوه إلى أن "هذا التوجه الحوثي، يمضي بقوة نحو إحداث تغيير في البنية الثقافية للمجتمع؛ تقوم على فكرة إعادة بناء كتلة زيدية صلبة تعتمد عليها في بناء نفوذها السياسي، وفي خياراتها التي لا تتفق أبداً مع متطلبات بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على أساس أن الشعب هو صاحب السلطة والمعني بتفويضها عبر انتخابات حرة ونزيهة".
وختم التميمي حديثه بالقول: "إنّ زعيم الجماعة الحوثية، بهذه المناسبة، كشف جانباً من هذا الاستغلال السياسي المفضوح لمناسبة دينية خالصة، ليمرر من خلال خطبة وعظية مملة رسالة سياسية مفادها أنه ضد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، عبر رفضه صيغة الـ6 أقاليم التي تم إقرارها مطلع العام الماضي، ومحاولة التشويش على وعي الناس بإظهار أن اتفاق السلم والشراكة هو مرجعية مؤتمر الحوار وليس العكس".
جبابات أموال الناس بغير حق
في السياق ذاته، قال وزير الإعلام اليمني السابق على العمراني: "ليس هناك ما يضير في الاحتفاء بمناسبات تخص النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، ولا أظن تاريخ الميلاد أهمها، ويبدو أن تخصيص الاحتفاء بميلاد النبي محمد، هو تأثر وربما منافسة لأتباع المسيح عيسى عليه السلام".
وأكد العمراني في مقال له أن "اللحظة الحاسمة في تاريخ عظماء العالم بما فيهم سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام، لم تكن لحظة الميلاد، ولا لحظات التكوين في الأرحام قبله، ولا مناسبة زواج الآباء ولا سؤدد الآباء والأجداد، ولا أيام أو شهور بعد الميلاد، بل بما حدث لاحقاً، وخصوصا عند تصدر أولئك الكبار للنهوض بالمهام الكبرى وتحمل الأعباء الثقيلة مستدلاً بقول الله تعالى (قم الليل إلا قليلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ).
وأشار إلى أنه "لا يعارض الاحتفاء بميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل يجب أن يكون ذلك دون مبالغات، ودون فرض أتاوات على الناس مثلما يحدث الآن في اليمن".
واتهم الوزير اليمني، جماعة الحوثي بفرض أتاوات وجبايات على أموال اليمنيين بغير حق لتغطية تكاليف الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، مدللاً اتهامه بقوله :"رأيت أحد السندات المالية، التي دفعها صاحب أحد المحلات في العاصمة صنعاء، لجماعة (أنصار الله) الحوثي لتغطية تكاليف الاحتفال بمولد النبي محمد".، موضحاً بأن "فكرة السند بمبلغ ثلاثة آلاف الذي يجب أن يدفعه أصحاب المحلات في صنعاء مساهمة في الاحتفال، لإيهامهم أنهم "يأخذوا أموال الناس حلالا وبنظام ما دام هناك سند".
وأكد وزير الإعلام اليمني الأسبق أنه "لاحظ توجيها للرئيس عبد ربه منصور هادي يقضي بصرف مائة مليون ريال يمني، أي بما يساوي أربعمائة وخمسون ألف دولار، للاحتفال بالمولد النبوي متسائلاً بقوله : ألا يكفي ما وجه به الرئيس هادي، لإيقاف جباية الحوثي للمواطنين في اليمن".
إلى ذلك، نشر ناشطون يمنيون، توجيها مكتوبا بخط اليد من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لمدير الدائرة المالية بوزارة الدفاع بصرف مبلغ مئة مليون ريال يمني لمستشاره المنتمي لجماعة الحوثي صالح الصماد، لتغطية تكاليف فعالية المولد النبوي التي أحيته الجماعة السبت، بينما نشر آخرون سندات استلام مبالغ مالية، قام
الحوثيون بتوزيعها على أصحاب المحلات التجارية في صنعاء.