منذ أحداث الثالث من تموز/ يوليو الماضي، انطلقت سلسلة قوانين لا علاقة لها بمكتسبات الثورة، تمس الحريات، وهي بعيدة عن الديمقراطية، وتجرم العمل بالسياسة، وكل ما يتصل بها من تنظير أو حراك في الشارع، وأصبحت مكتسبات ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 حبرا على ورق، وتم الزج بعناصرها وراء القضبان، بحسب الكثير من المراقبين الذين أكدوا أيضا أن القصد منها تفريغ الوعي السياسي لدى الناس.
"لا سياسة" بالشوارع ولا شعارات أو مظاهرات
كانت البداية بقانون التظاهر الذي صدر عن رجل يفترض أنه أول من يحمي الحقوق الدستورية؛ ولكنه آثر حماية النظام الحالي.
إلا أن رئيس المحكمة الدستورية، المستشار عدلي منصور، تقمص دور الرجل السياسي، وخلع عباءة القانون والدستور أمام بوابات القصر الرئاسي.
واعتبر حزب "
مصر القوية" أن القانون صدر عن جهة غير منوط بها إصدار مثل هذا القانون، ولم يَعبُر من خلال برلمان يُعَبّر عن إرادة الشعب.
وقال المتحدث باسم الحزب، أحمد الإمام، لـ"عربي 21" إن "
قانون التظاهر يخالف الدستور، وقد تم الطعن عل دستوريته من قبل أكثر من جهة"، مضيفا: "يجب أن يكون حق التظاهر بمجرد الإخطار، وإلغاء جميع العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون المعيب".
"لا للسياسة" انتقلت إلى الجامعات المصرية
وتتابعت القوانين الخاصة بـ"لا"، وأصبح الأستاذ مهددا كما الطلاب بالطرد إلى الشارع في حال إدانتهم بممارسة
السياسة.
وعقب حظر أنشطة الأسر الطلابية ذات التوجهات الحزبية، صدر قانون يحظر على أعضاء هيئة التدريس المشاركة في التظاهرات، من خلال قانون فضفاض يجعله تحت مقصلة العزل، وفق مراقبين.
وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية، حسن نافعة، في حديث لـ"عربي 21": "هذا القانون كارثة حقيقية، وسيحول الجامعة إلى كُتاب، ويحقر من شأنها، لا يجوز عزل أي أستاذ جامعي دون اللجوء إلى مجلس تأديبي، وتحقيق، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية".
ويرى نافعة أن إنشاء ما يسمى بـ"طلاب وطنيين"، سيحولهم إلى جواسيس، وتتحول الجامعة إلى مسرح للصراع الأمني، مشيرا إلى أن حالة الخوف لن تؤدي إلى مجتمع مستقر.
"لا سياسة" في المساجد وعلى المنابر
وتبنت وزارة الأوقاف كباقي مؤسسات الدولة كلمة "لا للسياسة"، حيث تعرضت الوزارة إلى أكبر عملية تسريح في تاريخها، فقد تم فصل آلاف الموظفين سواء من أئمة المساجد أو المؤذنين، أو العاملين، أو الإداريين على خلفية انتماءاتهم السياسية.
وقررت الوزارة ضم "لا" إلى قوانينها الجديدة، فبعد استبعاد المئات من الخطباء، قامت بحظر الخطابة على جميع الدعاة، إلا من خريجي الأزهر، ومن لديهم تصاريح بالخطابة، كما حظرت عليهم ممارسة العمل السياسي.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال حزب "النور" يقر بضرورة تلك الخطوة، فيقول عضو لجنة الخمسين عن حزب النور في صياغة الدستور، الدكتور محمد صلاح، لـ"عربي 21": "الممارسة السياسية في هذه المرحلة بحاجة إلى هدوء، مع الوقت سيكون كل شيء أفضل"، معتبرا أن ما يحدث استثناء لن يدوم، ولكنه قد يطول ويجب تهيئة المجتمع من خلال زيادة الوعي السياسي، بالتواصل مع القواعد الشعبية بإقامة الندوات والفعاليات.
"لا سياسة" في المدارس.. والشارع يتسع لجميع المعزولين
استخدمت أيضا وزارة التربية والتعليم "لا للسياسة"، وقررت كبح اللجام، ومنع الكلام في السياسة، وعلى الطالب أو الأستاذ أن يلتزم بمنهاج الوزارة، فلا وطنية إلا الوطنية الموجودة بكتاب "التربية الوطنية".
وعلى قاعدة "محدش أحسن من حد"، قال وزير التربية والتعليم، الدكتور محمود أبوالنصر، الجمعة، إن هناك تعديلا تشريعيا يتم إقراره حاليا، بحيث يتم فصل من يمارس السياسة أو العمل الحزبي بالمدارس، على غرار ما حدث في
الجامعات.
وحذر وزير التربية والتعليم، من ممارسة السياسة أو العمل الحزبي من جانب جميع العاملين بالتربية والتعليم أو الطلاب داخل المدارس.
ومن جهته، علّق الخبير التربوي والتعليمي، محمد عبد الله، لـ"عربي 21" بالقول: "يريدون تحويل المدارس إلى ثكنات أمنية، وأن يعمل الجميع لمصلحة الأمن، وليس لمصلحة الوطن، وستتحول المدارس إلى ساحة صراعات ببلاغات كيدية".
ويرى محللون أن "مسلسل (لا) قد يصبح أكثر المسلسلات الحكومية إثارة، وأطولها مدة، مع تسابق كل شيء في مصر إلى إعلاء كلمة لا، وزرع الخوف في قلوب المصريين".