اضطر مدرس الهندسة المعمارية شريف فرج، إلى مناقشة رسالته لنيل درجة الماجستير في مكتبة السجن وهو يرتدي الروب الأسود فوق لباس السجن الأبيض، خلال فترة الحبس الاحتياطي التي امتدت إلى ثمانية أشهر قبل الإفراج عنه.
ويقول حقوقيون ومحامون إن الحبس الاحتياطي من دون الإحالة إلى المحاكمة تحول بالنسبة لفرج ومئات غيره إلى
عقوبة في حد ذاته، خصوصا بعد تعديل تشريعي صدر في أيلول/ سبتمبر 2013 يتيح لسلطات التحقيق تمديد هذا الحبس بدون أي سقف زمني.
ويقول الشاب الثلاثيني فرج بصوت ملؤه الأسى لفرانس برس: "الدولة حولتني لإنسان مجرم وقاتل على الورق دون دليل. شعور بالذل والقهر أن تحبس لثمانية أشهر دون أي سبب".
واتهمت النيابة العامة فرج وهو مدرس مساعد في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية (شمالا) بالتورط في أعمال عنف وتخريب أوقعت 34 قتيلا العام الماضي، وبالانضمام لجماعة محظورة، في إشارة للإخوان المسلمين. لكن هذه التهم أسقطت عنه.
واعتقل فرج الذي ينفي أي انتماء له لتيار الإسلام السياسي فجرا من منزله، بعد مئة يوم كاملة من تظاهرات منتصف آب/ أغسطس 2013 المعارضة للانقلاب العسكري، وهو ما يقول محامون إنه يتكرر مع آخرين.
واستمر تجديد حبس فرج على مدى ثمانية أشهر دون إحالته للمحاكمة، قبل أن يُستبعد وآخرون من القضية في 29 تموز/ يوليو الفائت.
ويوضح الحقوقي جمال عيد أن "القانون القديم حدد الحبس الاحتياطي بستة أشهر كحد أقصى، يتم خلالها إحالة المتهم للمحاكمة أو إخلاء سبيله". ولكن التعديل التشريعي الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور بعد قرابة شهرين من الإطاحة بالرئيس محمد مرسي "أتاح تجديد الحبس الاحتياطي من دون حد أقصى، ثم تحول إلى عقوبة قد تمتد لفترات طويلة".
وأضاف عيد: "الآن يتم تجديد حبس الموقوفين مدة بعد أخرى لشهور عديدة، تحت ذريعة استكمال التحقيقات"، معتبرا أن "السلطة استبدلت الحبس الاحتياطي بالاعتقال وقانون الطوارئ".
وكان فرج متهما بارتكاب الوقائع المنسوبة له يومي 14 و16 آب/ أغسطس 2013 اللذين شهدا مجازر دامية نفذها الأمن الموالي للانقلاب العسكري ضد معتصمين سلميين في ميدانين بالقاهرة، ما أدى إلى سقوط آلاف القتلى.
وفي مقهى قرب البحر في الإسكندرية يسترجع فرج الذي لم يفقد روح الدعابة رغم ما عاناه، تجربته ضاحكا: "كل علاقتي بتلك الأحداث أنني شاهدتها في التلفزيون". ويضيف: "يوم 15 أغسطس كان يوم خطوبتي"، ثم يخلع محبس الخطوبة الفضي من يده اليمنى ليشير لتاريخ الخطوبة المحفور عليه.
وخسر فرج خلال حبسه تسعة كيلوغرامات من وزنه، لكنه كما يقول "أصبحت الآن أكثر حذرا في الحديث عما لا يرضيني حتى لا أتعب أهلي معي إذا حُبست".
وبات فرج مثل كل من خاضوا تجربته، يخشى من احتمال تعرضه للملاحقة.
وينشط فرج في الدفاع عن حقوق زملائه من أعضاء هيئة التدريس في جامعته والدفاع عن المباني الأثرية التي يؤكد أنها تتعرض باستمرار للهدم في الإسكندرية.
وفي حين تقول القاعدة القانونية إن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، فإن العكس هو ما حصل معه، فقد ظل متهما حتى ظهرت براءته.
ويقول الباحث القانوني في المبادرة
المصرية للحقوق الشخصية في الإسكندرية رامي سعيد ومحامي فرج، إن "الحبس الاحتياطي تحول لعقوبة في حد ذاته ضد المعارضين. هو اعتقال مقنن وليس إجراء قانونيا".
ويقول رامي إن النيابة "يمكنها استخدام إجراءات بديلة للحبس الاحتياطي مثل المنع من السفر، ولكنها لا تفعل ذلك للبطش بالمعارضين"، ومن بينهم طلاب بالجامعة وناشطات تظاهرن أمام قصر الرئاسة المصري في حزيران/ يونيو الفائت.
واقعة فرج تكررت مع المصور الصحافي الحر محمود عبد الشكور والمعروف باسم "شوكان" المحبوس احتياطيا، من دون أي تهمة رسمية، منذ أكثر من عام بعد توقيفه أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 آب/ أغسطس 2013.
ويقول محاميه علي عبد الفتاح: "موكلي كان يؤدي عمله الصحافي أثناء فض الاعتصام". وأضاف: "قدمنا 15 مرة للنيابة مستندات تثبت أنه مصور صحافي ويتعامل مع وكالة ديموتكس للصور، ولكن يبدو أن أحدا لا يكلف نفسه عناء مطالعتها".
وقال مايك جيغليو مراسل "النيوزويك" الذي ألقي القبض عليه مع شوكان، لفرانس برس، إنه "ألقي القبض على شوكان أثناء تواجده للتغطية، بينما كان يقف في الجهة التي تتواجد فيها الشرطة وليس ناحية المتظاهرين".
وأضاف جيغليو الذي أطلق سراحه بعد خمس ساعات من توقيفه، أنه "كان واضحا أنهم أوقفونا فقط لكوننا صحافيين".
ويقول محمد عبد الشكور شقيق شكوكان، إن "محمود تحول لإنسان محبط ومنكسر يعاني من آلام نفسية رهيبة (...) الحبس الاحتياطي يسرق أخي مني".
وفي الثاني من أيلول/ سبتمبر الجاري جدد حبس المصور شوكان لـ45 يوما جديدة.
ورفض المتحدث الرسمي باسم النيابة التعليق على الأمر، لكن مسؤولا قضائيا كبيرا، قال إن هناك بالفعل مشكلة فيما يتعلق بطول مدة الحبس الاحتياطي لبعض المتهمين.
واعتبر المسؤول، أن "عدد وقائع العنف التي تخضع للتحقيق كبيرة جدا، وبالتالي فإن الموضوع يستغرق وقتا كبيرا".
ومنذ الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، تشن السلطات المصرية حملة واسعة على مؤيدي حكم الرئيس مرسي خلفت آلاف القتلى والجرحى، كما إنه تم اعتقال أكثر من 15 ألفا آخرين، ولم تفرق الحملة بين إسلاميين وعلمانيين.
وصدرت أحكام بالإعدام على مئات من أنصار الإخوان المسلمين في محاكمات معظمها جماعية وسريعة، وصدرت أحكام بالسجن على نشطاء علمانيين كانوا مناهضين لمبارك ومعارضين لمرسي.
ويعطي الدستور المصري الجديد الحق للمتهمين الذين يتم إسقاط الاتهامات عنهم في طلب تعويضات من الدولة عن مدة حبسهم احتياطيا، لكن المسؤول في النيابة يقول إن "التعويض منصوص عليه دستوريا ولكن لا يوجد حتى الآن قانون ينظم الأمر".
لكنّ فرج لا تعنيه التعويضات من قريب أو بعيد ويقول: "المال لا يمكن أن يعوضني عن سجني ظلما أو إحساسي بغياب العدل في المجتمع".
وأمر النائب العام الأربعاء بالإفراج عن 116 طالبا كانوا في الحبس الاحتياطي، بتهمة المشاركة في تظاهرات غير مرخصة، وقال إن ذلك من أجل "حماية مستقبلهم!".