كتب
علي حسين: عندما انطلقت صفارة تشكيل حكومة حيدر العبادي، كان الخطاب الموحد لمعظم القوى السياسية أن لا خيار سوى تشكيل حكومة تكنوقراط، فالمرحلة المقبلة مرحلة إنقاذ الوطن من محنته لا مرحلة مزايدات سياسية، واتفق أكثر القادة السياسيين على تبني شعارات تتغنى بالخبرات وأهميتها في بناء الوطن.
ولكن ما إن اقترب موعد إعلان الحكومة، حتى فتح الكثير منا عيونه على حقيقة الوهم الذي عشناه تحت ستار الديمقراطية الزائفة.. ليصدق الذين لم يكونوا يصدقون أن النظام السياسي في
العراق يتراجع خطوات كبيرة إلى الوراء وأضحى اليوم بأمسّ الحاجة إلى هزة من الأعماق تعيد بناءه من جديد، وأن البعض من الذين قفزوا في قطار السلطة غير قادرين على ملاحقة تطورات العصر، والخروج من نفق التعصب الطائفي والفكري إلى آفاق الحرية والديمقراطية الحقة.
ومن دواعي الأسف الشديد أن أساليب الممارسة السياسية في العراق أفسدت قطاعات واسعة عن طريق شراء الذمم، وتغليب قيم التبعية، والانصياع لمنطق السلطة والمال، ولكنها بالمقابل نجحت في كشف زيف بعض القوى السياسية التي تباهت بالدولة المدنية ورفعت لواء الكفاءات، وصدّعت رؤوسنا بحديث عن المهنية لكنها أمام تقاسم السلطة آثرت أن تنضمّ إلى عالم المحسوبية السياسية، مما أفقد الكثير من السياسيين بريقهم،لأن الناس اكتشفوا زيف الشعارات الكاذبة والوعود الخادعة، فليس لديهم شيء يقدمونه لحلّ المشكلات، ولا لمواجهة الأزمات غير المتاجرة بالشعارات.
وإحدى الذرائع التي دَفعت المعارضة العراقية لمهاجمة صدام والطلب من أميركا التدخل لإنقاذ البلاد كانت حكومة الحزب الواحد وأهل الثقة، لا حزب واحد اليوم بل أحزاب من الأقارب تنشر قيم المحسوبية والانتهازية، هل هناك ما هو أقسى؟ نعم إن الفحش السياسي حين يعود بعض من فشلوا في إدارة مؤسسات الدولة، إلى الواجهة بعناوين ومناصب.. وإذا كنتم لا تصدقون أتمنى عليكم متابعة اجتماعات الكتل السياسية وقراءة التقارير التي تتحدث أن لابديل عن "فلان" إلا "علان"، وأن من ضيع الموصل يجب أن يُكافأ ويمنح منصباً سيادياً، يحميه من المسألة أبد الدهر.
والآن أيها السادة بعد أن قرأتم بعض أسماء وزرائنا الجدد، هل تصدقون أن ساستنا بوضعهم الحالي يفتحون أبوابهم للكفاءات والخبرات وأنهم مشغولون أصلا ببناء دولة المؤسسات؟.
هل هذا ما كنا نتوقعه عندما كنا نحلم بدولة المساواة والديمقراطية؟ هل هؤلاء هم الرجال الذين كنّا نتأمّل وصولهم؟ هل كنت أيها المواطن المسكين تصدّق أنك سوف تفيق ذات يوم لترى نفسك مطارداً من القتلة ويأكل ثرواتك السرّاق، وأن هناك ما هو أسوأ؟ الوجوه الكالحة التي لا تاريخ لها، تحتلّ واجهات الساحات والشوارع!
أعلم أنه من قبيل التكرار السمج أن نذكر بأن وزراء في ديمقراطيات محترمة مثل اليابان يقدمون على الانتحار إذا وقعت في دائرة اختصاصهم حوادث أقل مما يحدث في بلاد النهرين بكثير، وأن حكومات بكاملها تسقط وترحل في كوارث صغيرة، مثل غرق عبارة أو سقوط طائرة.. اعرف جيدا أننا لسنا اليابان ولا كوريا الجنوبية ولا نفكر قطعا في أن نكون مثلهما يوماً من الأيام، لكنني أعرف وادرك أيضا أنه لا يوجد بلد في العالم يدلل الخراب الأمني والفساد والفشل ويحنو عليها مثل بلدنا السعيد الغارق في أنهار حكومة المحاصصة بشعار جئنا لنبقى.. أيها السادة ما أتعسها من معركة تدار من أجل
الكراسي فوق بحيرات الدم ومواكب سبي النساء.
(المدى العراقية)